عصا الأمن الغليظة وانتفاضة طلاب العالم

سحل المتظاهرين في جامعة ايموري (الفرنسية)

لا فرق إذن بين عصا قوات الأمن في الأنظمة الحاكمة سواء ترفع رايات الحرية والديمقراطية وحرية التعبير، وتلك التي تحكمها أنظمة ديكتاتورية يتزعمها مستبد، فحين تتعارض الأراء والحرية مع مصالح الدول وعلاقتها، أو استقرار استبداد الحاكم وديكتاتوريته تبدأ عصا الأمن في ممارسة عاداتها واسلوبها الغليظ في ظل أي شعار تعمل به هذه الأنظمة.

هنا ضرب وإهانات وفض مظاهرات، وهناك أيضا، هنا سحل وتركيع، وتكبيل، في أرض شعارات الحريات، هناك اعتقالات واحتجاز المعارضين والمحتجين، وهنا أيضا، والمشاهد تتوالى من الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول التي لا تترك لنا فرصة إلا وتشدقت بشعار حرية الرأي والحق في التعبير لتؤكد زيف الشعارات وكذبها.

هل رأيتم لحظة اعتقال الشرطة الأمريكية لأستاذة الاقتصاد بجامعة إيموري بجورجيا والاعتداء عليهاوتكبيلها وتركيعها على الأرض باستخدام العصا الكهربائية ضمن احتجاجات ضد الحرب على غزة؟ هل شاهدتم كيف سحلها رجال الأمن في ساحة الجامعة؟

الملاحظة أيضا في تلك الواقعة تلك القوة الجسمانية لرجال الأمن الأمريكيين، وكأنهم في كل الأنظمة يختارون هذه النوعية من الرجال حتى يشعروا بذاوتهم وهم يمارسون سادية الضرب والاعتقال والسحل، وهكذا رأينا المشهد عندما يلقى القبض على طالبات جامعة كولومبيا وضربهن بعنف شديد أثناء تظاهرهن تضامنا مع شعب غزة وضد حرب الإبادة الإنسانية التي يشنها الكيان الصهيوني على شعبنا في فلسطين.

اسمي فلسطين

75 جامعة في الولايات المتحدة الأمريكية، أستراليا، فرنسا طلابها ينتفضون من أجل فلسطين وشعب غزة ودعما لهم، بدأت التظاهرات في جامعة كولومبيا، وبفعل غبي من رئيسة الجامعة – للأسف هي مصرية الأصل – استدعت أمن الجامعة ثم الأمن الأمريكي لفض التظاهرة، واستخدام عصا الأمن الغليظة في التعامل مع الطلاب.

كان ذلك سببا في انتشار الاحتجاجات وتظاهرات التضامن إلى جامعات أخرى في الولايات الأمريكية، ثم إلى معهد الدراسات السياسية في فرنسا، وإلى جامعة سيدني في استراليا، لتزداد أعداد الجامعات ويعسكر الطلاب في مخيمات شبيهه بمخيمات النزوح الفلسطينية، ويصبح علم فلسطين وأسمها هو الغالب على هذه الجامعات التي بدأ فيها اعتصامات مستمرة من أجل إيقاف الحرب على غزة، وفي انتفاضة طلابية شبيهه بثورة الطلاب في فرنسا عام 1968.

أغنيات فلسطينية في كل الاعتصامات، شعار الحرية لفلسطين يجتاح المدن والجامعات، أباء وأمهات يفخرون بأبنائهم الذبين يشاركون في الدفاع عن قضية الحرية والمقاومة في غزة، لقد صارت فلسطين بفعل أبطال المقاومة، ورجال وسيدات وأطفال فلسطين هي قضية الأحرار في العالم.

ينبت هناك في الغرب الأمريكي وأوربا من يحمل شعار الحرية لفلسطين ولغزة، وإنهاء احتلال الكيان الصهيوني للأرض الفلسطينية كاملا، لقد كشف طوفان الاقصى حقيقة الدولة الصهيونية النازية، ثم يأتي أحدهم من البلاد ذات اللغة العربية ليقول إن ما حدث في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 كان عملا طائشا من المقاومة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ألا تخجلون؟

أعاد طوفان الأقصى و205  يوما من الصمود والبسالة الفلسطينية القضية لتصبح الأولى في العالم، وأعادت التظاهرات وملامح الحرب الصهيونية على البشرية التي تشهدها الجامعات في الغرب صورة الكيان الصهيوني وأيضا عصا الأمن التي تستخدم حينما تأتي الحرية بما لا يشتهي الغرب ومصالحه في دعم الكيان الصهيوني، أو تدمير الدول المناوئة له، فخرجت صورة للأمن تشابه صورته في الدول التي يدعي بديكتاتوريتها واستبدادها.

سلوكيات متطابقة

كأن مدرسة الأمن في كل الدول واحدة بلا تتغير بتغير الأنظمة، نعم شاهدنا عصا الأمن الأمريكية في مشاهد قاسية عقب نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية السابقة في التعامل مع احتجاجات أنصار ترامب الرئيس السابق لكن تلك الاحتجاجات كانت تقترب من المؤسسات الأمريكية.

لكن ماذا عن التعامل مع طلاب جامعات تتظاهر بالشعارات وتغني للمظلومين، المقاومة، والكفاح الوطني، ترسم صورة لنازية الكيان الصهيوني المحتل، تضع ملابس أطفال وعليها دمائهم لتقول للعالم والإنسانية هذه جرائم الكيان الذي لا تتوقفون عن دعمه بالسلاح والمال والجنود، أنتم تشاركون في قتل الأطفال والنساء والعجائز، كفوا أيادكم عن فلسطين وغزة.

لكن تأتي الانظمة التي طالما ادعت لشبابها وأطفالها أنها بلاد الحرية بالأمن ليفض التظاهرات والاعتصامات بسلوكيات كانوا يعتبرونها سلوكيات الجنوب الاستبدادي التي يحررون شعوبه منها: الضرب، السحل، التعذيب تتطابق، نفس المدرسة تقريبا، المدرسة الأمريكية القديمة في إبادة المعارضين، كما أبادت شعب أمريكا الأصلي.

تدرب الولايات المتحدة رجال الأمن في البلاد التي تتبعها ليحموا الأنظمة التي تدين لها بالولاء، كنا ندهش من تعامل الأمن في بعض الدول العربية مع شعوبهم، وكنت أستخدم وصف الوحوش البشرية المفترسة حينما أتعرض أو يحكي لي عن تعامل أمني مع متظاهر أو سجين في دول عربية.

الآن ظهر في الولايات المتحدة أصل تلك السلوكيات في تعاملها مع المتضامنين مع فلسطين وحقها في الحرية والتحرر، كأن تلك الدورات والمساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة في سلوكيات الأنظمة الأمنية كانت بهذا السلوك.

لقد شهدنا سلوك الجنود الأمريكان في العراق بعد الاحتلال وفي سجن أبو غريب لكننا نسينا، والآن وعلى مدى 200 يوما نرى نفس السلوكيات لعناصر جيش الاحتلال الصهيوني في التعامل مع الأطفال والسيدات والعجائز. إنهم نفس السلسال ونفس العجينة السوداء.

هكذا رجال الأمن في الولايات المتحدة، ورجال أمن الحكام المستبدون، ورغم كل تلك الأحداث ورغم الكثير من السلوكيات اللا إنسانية تزداد بقاع التضامن والدعم لفلسطين بين كل طلاب الجامعات في العالم، يرتفع الأذان للصلاة في ساحات تلك الجامعات، ترفرف أعلام فلسطين في الجامعات والشوارع وعلى المنازل لتؤكد انتصار المقاومة الفلسطينية، وانتصار فلسطين وغزة. إنها لقريبة، وإنه لجهاد نصر أو استشهاد.

المصدر : الجزيرة مباشر