الطيار الأمريكي والسياسي البريطاني.. صفعتان على الوجه الدموي للغرب

جورج جالاوي وسط أنصاره في حزب العمال البريطاني (غيتي)

 

مثلما أن القادة والساسة في الغرب شركاء العدو الصهيوني في إبادة غزة، منذ خمسة أشهر، في جريمة بشعة غير مسبوقة ضد الإنسانية، فإن في الغرب أيضاً نماذج للإنسانية النبيلة التي تصفع بقوة الوجه الدموي للحكومات هناك والتي أسقطت مع القنابل كل شعاراتها في حقوق الإنسان والعدالة والإنصاف والديمقراطية.

كثيرة هى النماذج للمواطنين في الغرب؛ نساء ورجالاً، من مختلف الأعمار والثقافات والعقائد الدينية والسياسية والمستويات الاجتماعية الذين ينتفضون دفاعًا عن الإنسانية في غزة، ويقفون ضد العدوانية الشرسة التي يمارسها الصهيوني بدعم كامل من الأمريكي والأوروبي وعواصم أخرى سيطر عليها التطرف والنظرة الاستعمارية الاستعلائية القديمة المتجددة لفلسطين المحتلة وحقيقة الأوضاع فيها والمظالم التي يتعرض لها شعبها الأصلي طوال قرن من الزمان، بجانب خيانة معاني الحق والعدل، ومواصلة منح الصهيوني استثناء من القوانين والمواثيق الدولية والقيم الأخلاقية وضرب التعايش الإنساني على الأرض.

رغم الألم المُوجع لما تشهده غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، وهو ألم بعمق سابع أرض، وبحدة أمضى سيف، إلا أن غزة الصامدة كشفت وعرّت أنظمة وحكومات وقادة وساسة وشخصيات ومواقف وأفكارٍا وشعارات لم نكن نتيقن من انحطاطهم إلى هذا المستوى دون هذه الاستباحة المريضة لغزة.

ضمائر حية

نتمنى إيقاف النار وإسكات آلة الحرب فورًا، ذلك أن غزة تواجه القتلة واللئام والجبناء وحدها، لم يمد أحد يد العون إليها، لا الأخ القريب، ولا الغريب البعيد، إلا أولئك الذين لا يزال لديهم ضمير حي وإنسانية يقظة فينظمون احتجاجات ويناضلون فيما هو متاح لهم.

وهذا الموقف الشعبي العالمي كان له أثر مهم في فضح حكومات شريكة في المحرقة، وتسويد وجوه حكومات تحرض على الإبادة، ونزع أغطية عن وجوه حكومات تتباهى بالتحضر والرقي، وتأكيد سقوط حكومات بلغت من الذل والهوان مبلغًا سحيقًا فلم تستطع الدفاع عن أرواح المدنيين الذين يرتقون شهداء لأنهم في رباط دائم وكأن القدر اختصهم بمجابهة ومقاومة الاحتلال الأشنع تاريخيًا.

آرون بوشنيل

الأسبوع الماضي قدم الطيار الأمريكي آرون بوشنيل تضحية عظيمة لأجل غزة، الشاب لم يتحمل الإبادة ولا شراكة بلاده في الجريمة وهو يعلم عن ذلك أكثر منا ومن غيرنا بحكم وجوده في المؤسسة العسكرية الأمريكية، فقدم روحه فداء لغزة واحتجاجًا على الظلم والخسة والنذالة والحقارة التي لمسها من حكومته والمتحالفين معها حيث يواصلون منح الضوء الأخضر للفتك والسحق وقتل الناس حتى وهم يتضورون جوعًا ويموتون بسببه، وينتظرون مساعدات غذائية في دوار النابلسي في جريمة أخرى تُضاف إلى سلسلة لانهائية من جرائم أحط المخلوقات البشرية.

عظيمة هى تضحيات أهل غزة، ولايساويها في العظمة إلا إحراق بوشنيل لنفسه على مشهد ومسمع من الأنظمة المتخاذلة المجرمة.

لكنه يتميز في تضحيته بأنه اختار لنفسه الموت وكان بكامل قواه العقلية وبإرادته الحرة وهذا عمل جبار وخطير ومن قراءة سيرته الذاتيه في أعوام حياته الـ 25 نجده شخصًا طبيعيًا يتطوع لمساعدة أصحاب الحاجات وخاصة المشردين وكان ينتظره مستقبل وحياة مثل أي مواطن أمريكي أو مواطن في أي بلد آخر، لكنه اختار وقرر ليثبت أن هناك أناسًا لا يزالون يشعرون بما يعانيه الآخرون من أهوال رهيبة.

بالطبع لم نكن نتمنى وفاته، ولو كان أجرى استفتاء على حرق نفسه لم نكن نسوغ له ذلك، لكنه ربما لم يستطع الصبر والصمود أكثر من ذلك فبذل روحه في سبيل المظلومين ولوضع الأمريكي وكل حلفائه والمتواطئين معهم أمام الحقيقة التي يقومون بإبادتها مع البشر والشجر والحجر في غزة.

آرون بوشنيل هو الإنسان، بينما غيره عليهم أن يبحثوا عن إنسانيتهم ويطمئنوا لوجودها، ولا يعني ذلك أن يندفعوا للفعل نفسه، إنما من ليس له موقف مضاد للمحرقة عليه أن يسارع باتخاذه ليكون هناك رأي عام شعبي عالمي هائل ضد حكومات العدوان.

جورج جالاوي

عظام هم قادة وساسة فلسطين إلا المستسلمين، وعظام هم الفلسطينيون دون استثناء، فهم من دون العالم الذين يعيشون حياة شديدة القسوة والقمع أمام محتل غشوم غارق في شتى أنواع الإرهاب والإجرام مما لم يحدث من محتل سابق في التاريخ الحديث على الأقل.

ويقف على قدم المساواة معهم في العظمة السياسي والنائب البريطاني جورج غالاوي، وهو تجسيد لكل معاني الرجولة والشرف والكرامة والصمود والثبات على الرأي والموقف مهما كلفه ذلك من تضييق وحصار واعتداء داخل بلاده.

لم يتغير قيد أنملة تجاه دعمه الكبير لفلسطين وشعبها ومواجهته للمحتل الصهيوني ورفضه لكل ممارساته ولم ينحني أو ينكسر أو يخشى أحدًا في بريطانيا أو خارجها من التنظيمات الصهيونية والمتاجرين بالسامية ومن المتواطئين معهم، فهو ثابت على مبادئه لايتزعزع ولايهتز.

الجمهور في الغرب يمكن تضليله بعض الوقت، لكنه يُعمل عقله ويفكر ويعدل من مواقفه وقناعاته سريعًا من أثر التعليم والثقافة، وبسبب غزة ولأجل غزة فقد منح الناخبون في دائرة روتشديل البريطانية فوزًا كبيرًا لـ غالاوي في انتخابات تشريعية فرعية ليعود هذا المناضل الكبير إلى البرلمان ليقض مضجع حكومة ريشي سوناك الشريكة في إبادة غزة ويواصل كشف تردي حزب العمل، وهو حزبه السابق الذي يتخذ مواقف متخاذلة لاتليق به حيث يدعم الصهيوني بشكل كامل.

غالاوي مساند للفلسطينيين والمقاومة فيها وفي لبنان ووقف مع العراق خلال حصاره وهو داعم للقضايا العربية ولا غرابة في ذلك، فهو من اسكتلندا حيث يُذّكرنا بالمناضل التاريخي ويليام والاس الذي قاد الكفاح ضد إنجلترا لأجل حرية واستقلال بلاده.

هذان نموذجان فقط، وهناك نماذج كثيرة لساسة ومسؤولين في الغرب والشرق مواقفهم تتسم بالاحترام والإنسانية، بالمقابل حكومات العرب والمسلمين والنفر من المتصهينين تهوي إلى قاع مهين!

 

المصدر : الجزيرة مباشر