زيادة أسعار الوقود.. ومزيد من لهيب الغلاء

محطات الوقود في مصر كما بدت في يوم 28 يناير 2011 (غيتي)

الخميس 21 مارس 2024 قررت السلطات المصرية زيادة أسعار الوقود، في إطار مراجعة لجنة التسعير للمواد البترولية التي تجتمع كل ثلاثة أشهر للنظر في الأسعار بالرفع أو الخفض أو التثبيت.

رفع الأسعار هو الملحوظ عند اللجنة التي تشكلت نهاية 2018، فالخفض كان لمرات محدودة، والتثبيت كان لمرات أيضاً، أما الزيادة فهى الغالبة، وبنسبة كبيرة.

سعر لتر البنزين 80 أوكتين ارتفع من 10 جنيهات إلى 11 جنيها، وبنزين 92 ارتفع من 11.5 جنيه إلى 12.5 جنيه، وبنزين 95 ارتفع من 12.5 جنيه إلى13.5 جنيه.

لتر السولار ارتفع من 8.25 جنيه إلى 10 جنيهات، ولتر الكيروسين زاد من 8.25 جنيه إلى 10 جنيهات.

أسطوانة غاز الطبخ ارتفعت من 75 جنيهًا إلى 100 جنيه، وأسطوانة الغاز الكبيرة زادت من 150 جنيهًا إلى 200 جنيه.

المتر المكعب من الغاز الطبيعي للسيارات ارتفع من 5.50 جنيه إلى 6.50 جنيه.

طن المازوت لقمائن الطوب والأسمنت وباقي الاستخدامات الأخرى ارتفع من 6000 جنيه إلى 7500 جنيه.

متوالية الزيادة السعرية

إذن، نحن إزاء متوالية لاتتوقف من زيادة أسعار الوقود طوال عمر السلطة الحالية، فقد ابتدأت ذلك مع بواكير عهدها، ففي 5 يوليو 2014 انطلق هذا القطار، ولا يزال يسير على قضبانه دون توقف أو عودة للخلف في اتجاه التهدئة أو النزول بها.

وزيادة الوقود بقرار حكومي، وليس بفعل سوق سوداء وتجار واستغلاليين ومضاربين، فالحكومة هى من تُشعل الأسعار في مختلف المجالات، فالوقود هو محرك شرايين العمل والإنتاج والتصنيع والتجارة والنقل والحركة.

ورفع سعر المواد البترولية يزيد أسعار كل شيء فورًا، حتى تعريفة الانتقال من قرية لأخرى أو داخل المدينة أو من مصر لبلد آخر فإنها ترتفع، وأسعار الخضار والفاكهة ومختلف السلع والمنتجات تلتهب بالضرورة بسبب ارتفاع سعر السولار خصوصًا الذي تستخدمه مركبات النقل، وقد زاد سعره بنسبة كبيرة.

كما ترتفع أسعار الطوب والإسمنت ومواد البناء والتشطيب، أما الحديد فلا ينتظر رفع أسعار الوقود، فهو في صعود كبير بألوف الجنيهات، وإذا حدث هبوط فيكون ذلك بمبالغ قليلة.

6 سنوات من الثبات

أسعار الوقود ظلت ثابتة منذ 2008 حتى 2014، أي منذ الرئاسة الأخيرة لـ مبارك الذي أسقطته ثورة طالبت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

وطوال 6 سنوات بعد يناير 2011 ظل سعر الوقود مستقرًا رغم الأحداث الجسام التي مرت بها البلاد (ثورة يناير، حكم المجلس العسكري، فوز جماعة الإخوان بالرئاسة، ثم الإطاحة بها سريعًا، رئاسة عدلي منصور)، ولمّا جاء العهد الذي وعد بالحنو على الشعب نجد أسعار الوقود تقفز بنسب كبيرة لا تتناسب مع الوعود البراقة ودغدغة المشاعر وهدهدة العواطف التي أعقبت إزاحة مرسي وإحكام العهد الجديد سيطرته على السلطة.

وجنون الأسعار لا يقتصر على الوقود فقط، بل يشمل كل شيء حتى إبرة الخياطة ورباط الحذاء، بجانب أن هناك ديوناً غير مسبوقة، وتراجع قيمة الجنيه، والدولار كان تجاوز 70 جنيهًا في السوق السوداء قبل صفقة رأس الحكمة والقروض الجديدة، والتضخم غير مسبوق وتتفاقم الأزمة عندما يقترن بالركود.

في عام 2008 كان سعر لتر البنزين 90 أوكتين بـ  175 قرشاً، (تم إلغاء هذا النوع فيما بعد)، والبنزين 92 بـ 185 قرشًا، والبنزين 95 بـ 275 قرشًا، والبنزين80 عند 90 قرشًا ولم يتم الاقتراب من منه، وسعر السولار 110 قروش، ومتر الغاز الطبيعي للسيارات 40 قرشًا، وأسطوانة غاز الطبخ كانت بـ 2.80 جنيه.

هكذا بقيت هذه الأسعار طوال ست سنوات، حتى عام 2014، وعند مقارنتها بالأسعار الأحدث في 2024 في صدر هذا المقال سنعرف حجم الزيادات الضخمة خلال هذه العشرية التي تتخلص من الدعم تدريجيًا، بينما مستويات الدخول لاعلاقة لها بالمستويات العالمية، ونسب الفقر متزايدة ومصاعب الحياة فوق طاقة شرائح عديدة بسبب الأسعار والغلاء.

ظلت أسعار الوقود ثابتة في عهد مبارك (30 عامًا) حتى تم زيادتها في 2008، علمًا بأن عدد السكان كان يتزايد، والبلاد واجهت إرهابًا شرساً خلال التسعينيات من القرن الماضي، وعانت شح العملات الصعبة، وشهدت السياحة تراجعًا قبل انتعاشها، ودخل قناة السويس كان عند 5 مليارات دولار تقريبًا، ولم تكن هناك استدانة، أو مساعدات خليجية سخية، وسعر الجنيه أمام الدولار ظل مستقرًا، ومستوى المعيشة كان معقولاً لمختلف الشرائح وخاصة الفقراء ومحدودي الدخل والطبقة المتوسطة؟

مخاطر صندوق النقد

والتفسير البسيط لهذا الوضع يمكن تلخيصه في مثل شعبي يقول:(على قدر لحافك مد رجليك)، أي أن مشروع التنمية يكون وفق ماهو مُتاح من موارد وحسب دراسات الجدوى ويُراعي الأوضاع العامة، وهذا ما فعله مبارك، وليس بالضرورة أن يكون ذلك صحيحًا، لكن التجربة الحالية بكل اندفاعاتها وأزماتها تمنح المسار السابق البطئ وجاهة ولياقة.

ومن المدهش أن لجنة التسعير تُصّدر بيانها في تبرير زيادة الأسعار بأن ذلك يأتي في إطار النتائج الإيجابية للإصلاح الاقتصادي، وطالما النتائج إيجابية فإن العكس هو ما كان يجب أن يحدث وهو خفض الأسعار.

وفي السياق ذاته كانت الحكومة استهلت هذا العام بزيادة أسعار الكهرباء والمياه والصرف الصحي وتذاكر المترو والسكك الحديدية، وتسجيل السيارات ونقل الملكية بالشهر العقاري وخدمات أخرى، وتبعها إعلان شركات الاتصالات رفع أسعار خدماتها.

بالتالي نسأل: ما أثر أموال رأس الحكمة (35 مليار دولار) والقروض الجديدة (نحو 20 مليارًا) على الناس إذا كان يتم رفع أسعار الوقود، بجانب خفض قيمة الجنيه، والقراران يساهمان في مزيد من رفع الأسعار وعدم تحسين الحياة.

وهذه القرارات وغيرها مصدرها صندوق النقد الذي إذا ذهبت دولة إليه فإنه نذير خطر عليها، وقبل الصندوق، يأتي عدم رشد السياسات العامة.

المصدر : الجزيرة مباشر