الحرب الأوكرانية.. البداية من موسكو والنهاية في واشنطن

الرئيس الأوكراني في مؤتمر ميونخ للأمن (غيتي)

 

(1) موسكو تتقدم وكييف تنتظر المدد

من أسوأ الأمور أن تكون طرفًا في حرب لا تمتلك أدواتها وتعتمد فيها على غيرك ليمدك بالسلاح والمساعدات لمواصلة الحرب، وقرارك مرتبط بقراره..

هذا حال أوكرانيا التي لا تستطيع مواصلة الحرب دون دعم أمريكا والاتحاد الأوروبي.

بدأت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، بتطور مفاجئ على ساحة القتال، حيث سقطت مدينة أفدييفكا الأوكرانية، في أيدي القوات الروسية.

وهذا التقدم الروسي استغرق شهورًا لتحقيقه، ويأتي مواكبًا لذكرى مرور عامين على بداية ما أسمته موسكو العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وكثيرًا ما وصف الرئيس الروسي “بوتين” غزوه لأوكرانيا بأنه مسألة حياة أو موت بالنسبة لبلاده.

ظلت خطوط المواجهة بين الطرفين متجمدة لشهور، وبعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد الذي بدأته صيف العام الماضي، يعد سقوط مدينة أفدييفكا وانسحاب القوات الأوكرانية العشوائي منها تطورًا ميدانيًا مهمًا، فقد يؤدي إلى سقوط مدن أوكرانية أخرى في يد القوات الروسية، كما يمثل نكسة للجيش الأوكراني وخيبة أمل للمعسكر الغربي.

الرئيس الأوكراني “زيلينسكي” يشكو من تأخر المساعدات العسكرية الغربية، وأن جيشه يفتقد الذخيرة والسلاح المتطور الذي يستطيع به مواجهة الآلة العسكرية الروسية التي ضاعفت إنتاجها الحربي، ومؤخرًا وافق الاتحاد الأوروبي وأمريكا على حزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا تقترب من 100 مليار دولار ضمن خطة تمويل ثابت وطويل المدى. الحلفاء الغربيون ينتظرون نصرًا عسكريًا أوكرانيًا أو على الأقل تقدمًا ملموسًا يسهم في تحسين ظروف التفاوض مع روسيا، لكن الأمر يبدو بعيد المنال، وبدأت أصوات كثيرة في الغرب تطالب بوقف الدعم لأوكرانيا لصعوبة تحقيق نصر على روسيا.

(2) النفاق الغربي

خلال العام الماضي بدأت الخلافات حول دعم أوكرانيا غير المحدود تظهر بين دول الاتحاد الأوروبي، المجر وسلوفاكيا أظهرتا عدم رغبتهما في الاستمرار في تقديم مساعدات لنظام كييف.

كما أن هناك 6 دول ضمن الاتحاد رفضت التوقيع على الإعلان الخاص بالضمانات الأمنية لأوكرانيا، رغم ذلك أقر الاتحاد الأوروبي مؤخرًا حزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا تقدر بـ50 مليار يورو، لكن إلى متى سيتم تدفق المساعدات؟

والأمر نفسه بالنسبة لأمريكا فهناك أصوات عديدة في “الكونغرس” تطالب الإدارة الأمريكية بوقف الدعم لأوكرانيا، والكل يتوقع أنه في حال وصول الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترمب” للبيت الأبيض سيكون أول قرار له وقف المساعدات لأوكرانيا والدخول في مفاوضات مع روسيا، لكن حتى لو استمر الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن” في الحكم لا يمكن أن تستمر الحرب لسنوات مقبلة دون انتصار حاسم لأحد أطرافها.

الدعم غير المحدود لأوكرانيا أضر بصورة الغرب لدى عدد كبير من دول العالم الثالث التي تفتقد المساندة الغربية رغم معاناتها التي تفوق بكثير معاناة أوكرانيا، كذلك تبين لدول العالم جميعها افتقاد العقوبات الغربية للفاعلية والتأثير، وأن هناك وسائل كثيرة للإفلات منها ولا تأثير لها إلا على الدول التي تدور في فلك الاقتصاد الغربي والمؤسسات المالية العالمية التابعة لأمريكا، كما أظهرت الحرب الأوكرانية أن الغرب الموحد غير قادر على إحراز ضربة قاضية أو انتصار كبير على دولة واحدة مثل روسيا التي تمردت على هيمنته، وهو ما قد يشجع غيرها على الخروج من بيت الطاعة الغربي.

وأخيرًا موقف الغرب من حرب غزة ومقارنته بموقفه من أوكرانيا أثبت أن الغرب منافق وصاحب معايير مزدوجة، ولا يتحرك إلا في حالة تعرض هيمنته للخطر، وهو مستعد لتعريض الاستقرار والسلم العالمي للخطر في سبيل تحقيق مصالحه، كم تأكد للجميع أن القيم الغربية مجرد شعارات يرغب الغرب في فرضها على العالم أجمع.

(3) حساب المكاسب والخسائر

بعد مرور عامين على الحرب الأوكرانية، هناك صعود لصورة روسيا القوية في العالم، الرئيس الروسي يستعد لتجديد انتخابه في شهر مارس المقبل وبلاده مستقرة وهو في وضع سياسي وعسكري جيد جدًا، فلم يسقط نظام حكمه كما راهنت بعض الدول الغربية، ولم ينقلب عليه الشعب الروسي بسبب قرار الحرب وما قد يتبعه من سوء الأحوال المعيشية، اقتصاد روسيا لم ينهر رغم العقوبات الغربية، بل صرّح بوتين مؤخرًا: بأن روسيا أصبحت الاقتصاد الأول في أوروبا والخامس على مستوى العالم من حيث تعادل القوة الشرائية.

استطاع بوتين أن يتكيف مع العقوبات الاقتصادية الغربية، كما نجح في تأمين الذخيرة والإمدادات العسكرية بمضاعفة الإنتاج العسكري الروسي بالإضافة إلى الدعم المقدم من حلفائه، كما تغلب بدهاء على محاولة “بريغوجين” زعيم فاغنر الانقلاب عليه وتخلص منه على إثر حادث غامض، واستعاد “بوتين” من جديد سيطرته على الخيوط كلها ونجح في الظهور بمظهر الند للمعسكر الغربي في حرب مفتوحة يدفع العالم كله ثمنها، فخسائر الحرب على الاقتصاد العالمي تجاوزت تريليونات عدة من الدولارات، ورفعت أسعار المواد الغذائية وتكاليف المعيشة والتضخم في أوروبا وكثير من دول العالم التي تعتمد في واردتها من القمح والأسمدة على روسيا وأوكرانيا.

حتى هذه اللحظة كل ما حصل عليه الغرب هو إطالة أمد الحرب وتأجيل الدخول في مفاوضات مع موسكو حول الوضع في أوكرانيا بعد الحرب ولا شيء غير ذلك، وهو ما أثر سلبًا في صورة الغرب.

(4) أمريكا قادرة على إنهاء الحرب

روسيا بدأت الحرب متذرعة بأسباب تتعلق بأمنها القومي، وأن الغرب لم يلتزم بوعده بعدم توسع “الناتو” شرقًا، والآن الغرب الذي تقوده أمريكا هو الداعم لأوكرانيا وهو الذي يدفع “فاتورة” استمرار الحرب، وقرار وقف الحرب والبدء في المفاوضات لن يتخذ في أوروبا، لكن سيتخذ في واشنطن وستشاور فيه حلفاءها الأوروبيين وكذلك أعضاء “الناتو”، ولذا ينتظر العالم نتيجة انتخابات الرئاسة الأمريكية حتى يعرف مسار حرب أوكرانيا خلال العام الحالي.

 

المصدر : الجزيرة مباشر