إعلان اتحاد العلماء ومظاهرات لندن ضد القرضاوي

الشيخ يوسف القرضاوي في لندن (غيتي)

بعد أن اجتمعت اللجنة التحضيرية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في منزل شيخنا القرضاوي بدعوة منه، وبعد أن تم الاتفاق على أن يكون إعلان الاتحاد في تاريخ: 12 يوليو/تموز سنة 2004 في لندن، وتم الاتفاق مع الرابطة الإسلامية في لندن على أن تتولى إرسال الدعوات إلى من يحتاج إلى ذلك كي يحصل على تأشيرة لدخول بريطانيا، وقد بذلوا جهدا كبيرا، تمثل في المعاونة بشبابهم وأعضائهم في استقبال الضيوف، وترتيب الفندق الذي أعلن فيه الاتحاد، وكل ما طلبناه منهم، وكانوا على قدر المسؤولية. وقد كان من مسؤوليها آنذاك الأساتذة الأفاضل: أحمد عامر، وأحمد الشيخ، وآخرون، وكان الدكتور كمال الهلباوي رحمه الله يتابع الأمر دائما للاطمئنان على الترتيبات.

طلب شيخنا أن أذهب قبله بعدة أيام للاطمئنان على سير الترتيبات، وكان الحصول على تأشيرة لندن يحتاج إلى جهود، ومتابعة حثيثة، ومتابعة حجوزات الطيران والفنادق، لأن فندقا واحدا لم يكن ليتسع لكل الحضور، وجعلنا مؤتمر الإعلان في نفس الفندق الذي أقيمت فيه جلسات مجلس الإفتاء الأوروبي، وذلك لتسهيل الأمر على من انضم للاتحاد من المجلس. ولكننا فوجئنا بعدة أحداث لم تكن في الحسبان، كان أول ما فاجأنا استقبال الشيخ من صالة كبار الزوار، وهو أمر لم يكن يتم من قبل مع الشيخ، وبعلم الصحف والإعلام بخبر قدوم القرضاوي، ولذا كانت هناك بعض المخططات لإفساد المستهدف.

مظاهرات المثليين أمام مسجد لندن

عندما علم المسلمون في بريطانيا بقدوم القرضاوي، ألحوا في أن يخطب الجمعة، ولبى الدعوة، وخطب في مسجد لندن المركزي، وفوجئنا قبل الجمعة وبعدها، بمظاهرات أقامها مؤيدو المثلية الجنسية أو الشذوذ الجنسي كما يسمى في بلادنا، قرأ قرآن الجمعة الشيخ محمد جبريل، وكان هناك احتفاء شديد من أئمة المسجد وكلهم أزهريون مصريون، ومن المسلمين في بريطانيا عموما، وكان الحشد هائلا، وخطب القرضاوي الجمعة، وكان من تولى الترجمة إلى اللغة الإنجليزية الدكتور عزام التميمي، وقد كانت ترجمته معبرة عن كلام الشيخ، وعن روح الكلام، واتسمت ترجمته بالحماسة الشديدة التي لم تكن تقل -في شعوري وقتها- عن حماسة وروح الشيخ رحمه الله.

وقد تعاون مع المتظاهرين من مؤيدي المثلية الجنسية اللوبي الصهيوني في لندن، وأثاروا زوبعة إعلامية حول القرضاوي، وأنه قال إن الشاذ جنسيا يرمى من فوق جبل، وكلمني الشيخ فيصل مولوي رحمه الله، بأن أراجع هل قال القرضاوي كلاما كهذا أم لا؟ فقلت له: لم يرد عن الشيخ مثل هذا الكلام مطلقا، فاقترح الشيخ فيصل والشيخ راشد الغنوشي على الشيخ أن يتناول موقفه في تصريح ينشر، ومما قاله آنذاك بالفعل: إنني أتبنى ما تبنته الأديان السماوية الثلاثة في موقفها المحرم لذلك، ولست بدعا في هذا الموقف.

استجواب توني بلير في مجلس العموم بسبب القرضاوي

وكانت المظاهرات التي نُظّمت أمام مسجد لندن المركزي، تهتف ضد القرضاوي، وضد رئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير، بل تم استجوابه في مجلس العموم البريطاني، عن دخول القرضاوي لندن، ومن قام باستجوابه قال: لقد كنا نحكم قبلك، ولم نكن نسمح له بالدخول، أو إعطائه تأشيرة دخول. طلب توني بلير من أعضاء الرابطة الإسلامية أن يبحثوا في جوازات سفر القرضاوي هل سبق أن حصل على تأشيرة دخول في عهد حكومة المعارضة التي تهاجمه مع اللوبي الصهيوني، وبالفعل وجدنا أكثر من تأشيرة في عهدهم، وأكثر من زيارة، واستخدمها توني بلير في الدفاع عن نفسه في موقف حكومته من السماح للقرضاوي بدخول لندن، واستقباله في صالة كبار الزوار.

عمدة لندن واستقبال القرضاوي الحافل

ثم كانت المفاجأة الكبرى بعد استجواب توني بلير، أن وجه عمدة لندن، أو محافظ لندن آنذاك، واسمه “كين ليفينغستون”، دعوة إلى القرضاوي، واستقبله في أكبر قاعة في لندن تتبع البلدية، وقال في كلمة نقلتها وسائل الإعلام البريطانية والعالمية: إنني أستقبل القرضاوي في هذه القاعة، التي رفضت أن أستقبل فيها من قبل الرئيس الأمريكي جورج بوش، ويسعدني أن أستقبل عالما بقيمة وقامة القرضاوي، وأفسح له المجال للحديث، فألقى القرضاوي كلمة معبرة عن موقف الإسلام من الحضارات، والتسامح الديني والفكري لدى الإسلام، وحضر اللقاء عدد كبير من وسائل الإعلام البريطانية.

تأييد جماعة من اليهود للقرضاوي

كان من مفاجآت هذه الزيارة، أن تضامنت مع القرضاوي مجموعة من اليهود، تسمى جماعة “ناطوري كارتا”، من اليهود الأرثوذوكس، وكانوا ضد حملة اللوبي الصهيوني في بريطانيا، ورأوا أن الحملة على القرضاوي ظالمة، وأن موقفه من القضايا التي ادعوها عليه، هو موقف ديني يتفق مع ما تعلنه الأديان السماوية، وأنهم ضد قيام دولة إسرائيل، وقد أصروا على توديعه في مطار هيثرو بلندن، بعد انتهاء إعلان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عند عودة القرضاوي إلى القاهرة من لندن، والتقطوا بعض الصور معه، ثم بعد ذلك زاروه في بيته في قطر، والتقطوا صورا معه، وقد صحبهم في رحلتهم إلى قطر كمال الهلباوي.

وهي الصور التي يستدعيها بعض الجهلة بالموضوع، أو طبيعة هذه الجماعة من اليهود، ليهاجموا القرضاوي بأنه يدعو الناس إلى عدم التطبيع وهو يطبّع، وهم يعلمون أو يجهلون أن هؤلاء ليسوا صهاينة، بل يهود يرفضون قيام دول إسرائيلية بالأساس، وهذه معتقداتهم، بل منهم من يخرج للمظاهرات ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، ومنهم من قام علنا بإحراق جواز سفره الإسرائيلي احتجاجا على مجازر الكيان لأهل فلسطين وغزة تحديدا.

ترتيبات يوم الإعلان

كان لا بد من ترتيب يوم إعلان الاتحاد، فقد انضم للأربعة الذين كانوا في اللجنة التحضيرية آخرون في لندن، بحكم وجود أكبر عدد للمشورة، وكان منهم مع حفظ الألقاب: أحمد العسال، ومحمد سليم العوا، وفيصل مولوي، راشد الغنوشي، هيثم الخياط، فهمي هويدي، علي محيي الدين القره داغي، عصام البشير، ولم نكن ندون ما يقال من أفكار، فتبرع الدكتور القره داغي بأن يكون أمينا للجلسة، فدون وكتب مجمل الأفكار للعودة إليها عند الحاجة، وقد كان اقتراحا مهما، لحفظ الأفكار، وهو دائما ما يهتم بهذه التفاصيل. وتم الاستقرار على الاسم، وبقي اختيار الشعار، فاعتمد اقتراح أن تكون الآية الكريمة شعارا للاتحاد: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} (الأحزاب: 39)، وكان لا بد من تصميم شعار مع الآية، فعمل التصميم للاتحاد من يومه إلى الآن، وقد عمله متبرعا بأجره الأستاذ أحمد عبد العزيز.

كان الدكتور العوا قد اقترح أن يكون الأمين العام للاتحاد، شخصية إفريقية، لأنها قارة مظلومة، واقترح الشيخ إبراهيم ليمو، ولكن بعد التفكير جديا في الأمر، لم يحبذ المجتمعون الفكرة، لأنه ليس شخصية معروفة بما يكفي، وعربيته لم تكن قوية، واستقر الرأي على أن يكون العوا الأمين العام، وكنا قد استبطنا أن يكون رئيس الاتحاد القرضاوي، دون أن نخبره، لأن الأمر طرح مرة فرفض، وقال: يكفي أني أؤسس، واستعينوا بالله واختاروا شخصا آخر، وتم اختيار الدكتور عصام البشير ليكون عريفا لحفل الإعلان.

وكنا قد طلبنا من قناة الجزيرة أن توفد مذيعا للتغطية الصحفية، فأوفدت مشكورة الأستاذة خديجة بن قنة، وقد حدث موقف طريف يوم الإعلان، فقد جاءت ليلة الإعلان من الدوحة، وطبيعي أن من يسافر من الشرق إلى الغرب لا يتوافق نومه ويقظته مع البلد الجديد، وهو ما يسمى الساعة البيولوجية، وكنا سنبدأ إعلان الاتحاد مبكرا، وكل شيء جاهز، عدا الشق الإعلامي، وخاصة الجزيرة، فاكتشفنا أن خديجة غير موجودة، هي في الفندق لكنها لم تنزل، نتصل بهاتف الغرفة فلا ترد، فاضطررنا بعلاقات المنظمين بالفندق إلى أن تذهب إحدى الأخوات القريبات جدا منها آنذاك مع عاملة بمفتاح لفتح الغرفة، لتدخل الغرفة لتوقظها إن كانت نائمة، وهو ما تم بالفعل وحضرت مبتسمة بابتسامتها المعهودة.

اختيار القرضاوي رئيسا

بدأ الحفل وقد دخل الشيخ القرضاوي القاعة، وكنا قد طلبنا بناء على اقتراحه في بطاقة الدعوة، أن يحضر كل عالم بلباس العلماء في بلده، سألنا الشيخ عن سر الطلب؟ فقال: لأنه لقاء علمائي، وليكون دلالة على التنوع الجغرافي والبيئي والمدارس العلمية، وعلى عالمية الاتحاد بالفعل، ولما دخل ووجد الحضور حاشدا بكى من فرط فرحته، وقال لنا: لقد كنت أتمنى أن يحضر على الأقل ثلاثمئة، والحمد لله حضر ما يزيد.

وبدأ الحفل بتلاوة للقرآن الكريم للشيخ حسين حلاوة، وكلمات لبعض الضيوف، كان على رأسهم: المرحوم المشير عبد الرحمن سوار الذهب، والدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو وكان وقتها الأمين العام لمنظمة الدول الإسلامية، ووزير الأوقاف الكويتي الدكتور عبد الله معتوق المعتوق، وآخرون، لا أعلم ما إذا كان ذكرهم يفيدهم أو يضرهم، فتكفي الإشارة إلى ذلك.

وفي كلمة القرضاوي وجه الشكر للجميع على الحضور، ثم قال: لقد قمنا بكذا وكذا، وبقي عليكم أن تختاروا رئيسكم، فاختاروا، فعلا صوت الجميع: القرضاوي، لا رئيس إلا أنت، فرفض، ثم أصر الحضور بالإجماع على أن يكون رئيسا، تعلل الشيخ بكبر سنه واعتلال صحته، فرفضوا جميعا، وأصروا، وبالفعل تم اختياره رئيسا للاتحاد. وبعد نزول الشيخ من المنصة، فوجئت به أمام بعض الحضور، يقول لي: أوه، سامحني لقد شكرت كل الناس، ونسيت أن أشكرك، فقلت: أهل المكان لا يشكرون يا مولانا.

تم الإعلان، وتم اعتماد كل من حضر في هذا الاجتماع عضوا مؤسسا في الاتحاد، وتم اختيار مجلس أمناء مؤقت بدورة من عامين، واختيار مكتب تنفيذي يدير، واختيار نواب للرئيس، كانوا كما يلي: الشيخ عبد الله بن بيه ممثلا للسنة، والشيخ أحمد الخليلي مفتي سلطنة عمان ممثلا للمذهب الإباضي، والشيخ محمد عبد الله التسخيري ممثلا للمذهب الشيعي، وعهد بالأمور المالية والتنظيمية لمكتب الشيخ فيصل مولوي رحمه الله، وقد قاموا بجهد كبير في الفترة التي تلت الإعلان.

هذا عرض مجمل لإعلان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وبقيت هناك تفاصيل أخرى، تركتها مخافة الإطالة.

المصدر : الجزيرة مباشر