هل يطيح طوفان الأقصى بكامب ديفيد؟

معبر رفح (غيتي)

 

 (1) استقرار زائف وسلام هش

في سبتمبر من العام الماضي، كانت الأمور تسير نحو تطبيع بين عواصم عربية وإسرائيل بدعم أمريكي وقبلها تم إبرام عدد من اتفاقيات التطبيع بين دول عربية وإسرائيل.

كان الهدوء يسود الحدود بين مصر وإسرائيل والتنسيق الأمني والاستخباراتي بين البلدين على مستوى عال بسبب حرب مصر على الجماعات الإرهابية التي اتخذت من سيناء موطنا.

وكان يبدو أن المنطقة التي عانت طويلا من ويلات الحروب والصراعات ذاهبة إلى الاستقرار والتنمية وتشكيل جديد لخريطة الشرق الأوسط، بعد غض الطرف عن حقوق الشعب الفلسطيني وحل الدولتين.

مع مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي احتفلت مصر باليوبيل الذهبي لحرب أكتوبر، التي وصفها الرئيس المصري السادات بأنها آخر الحروب بين مصر وإسرائيل بعد توقيعه اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1978.

يوم واحد يفصل بين معركة مصر في السادس من أكتوبر ومعركة كتائب القسام في السابع منه التي أطلق عليها “طوفان الأقصى”، وبعد ما يقرب من أربعة أشهر من الحرب التي حولها جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى حرب إبادة وتهجير قسري للفلسطينيين في غزة أدرك الجميع أن الحل الدائم والعادل للقضية الفلسطينية هو السبيل الوحيد للاستقرار والسلام في المنطقة.

(2) توتر واستفزاز

بعد طوفان الأقصى تعرضت عدد من المدن والمواقع المصرية المتاخمة للحدود مع إسرائيل لعدة حوادث.

تضرر أحد المباني المجاورة لمستشفى طابا نتيجة سقوط مسيّرة وأسفر الحادث عن إصابة عدة أفراد، كما سقط مقذوف على مدينة نويبع بجنوب سيناء، وقيل حينها إن الصواريخ والطائرات المسيّرة التي ضربت مصر أطلقها الحوثيون من اليمن اتجاه إسرائيل.

كما قصف الجيش الإسرائيلي موقعا مصريا قرب الحدود خطأً وتم الاعتذار عن ذلك، ومؤخرا شهد معبر العوجة الحدودي بين مصر وإسرائيل اشتباكا مسلحا وتبادل إطلاق نار، وصرح مصدر أمني مصري بأن القوات تصدت لمحاولة تهريب مخدرات.

هذه التوترات الحدودية رافقها تصريحات استفزازية من الجانب الإسرائيلي أولها عن تهجير سكان غزة إلى سيناء وإقامتهم فيها، وتصريحات الحاخام الإسرائيلي اليميني عوزي شرباف بأن سيناء حتى نهر النيل جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل التوراتية، وتصريحات نتنياهو بضرورة سيطرة بلاده على محور فيلادلفيا ولو بالقوة العسكرية حيث يتم تهريب السلاح لحماس من خلاله، واتهام محامي إسرائيل في محكمة العدل الدولية لمصر بأنها السبب وراء عدم دخول المساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح.

وأخيرا تحذير عضو الكنيست الإسرائيلي “أرييه الداد” من تعاظم قوة مصر العسكرية وأنها الخطر الأكبر على إسرائيل، وفي تصريحاته للقناة السابعة الإسرائيلية قال إن اتفاق السلام بين البلدين كان ينص على تخفيف القوات في سيناء، ومع مرور السنين تآكل هذا الاتفاق تماما وحدث العكس، وردا على سؤال عما إذا كان الهجوم من مصر هو السيناريو الخطير في الواقع الحالي الذي يتضمن الحرب مع حماس، قال: “عندما نعرف تفاصيل التدريبات السنوية للمصريين، ندرك أنهم يتدربون على الحرب ضد إسرائيل، وللتأكد من قدرتهم على نقل جميع الفرق إلى سيناء في وقت قصير، قاموا ببناء عشرات الجسور في سيناء فوق القناة وعشرات الأنفاق تحتها، في بعضها يمكن أن تمر دبابتان جنبًا إلى جنب، لا يوجد سبب سياحي أو قضايا تنموية للبدو في سيناء لكل هذه الممرات والجسور والأنفاق، يتم إنشاء كل ذلك لتحريك القوات العسكرية بسرعة كبيرة شمالا إلى الحدود مع إسرائيل”، وأضاف :”نحن لا نحتاج فقط إلى قوات وأدوات ضد حماس وحزب الله، بل إلى الاستعداد للحرب ضد جيش كبير ونظامي مثل مصر”.

(3) الحرب القادمة بين مصر وإسرائيل

في عام 2014 نشر “إيهود إيلام” كتابا بعنوان “الحرب القادمة بين مصر وإسرائيل” والكاتب باحث وأكاديمي إلى جانب تعاونه لسنوات مع وزارة الدفاع الإسرائيلية، وهو من المحللين والخبراء في مجال الأمن القومي الإسرائيلي.

ويستعرض الكتاب الحروب السابقة بين مصر وإسرائيل بداية من حرب 48 وحتى حرب أكتوبر وفي الكتاب يذكر أنه: “في منتصف يناير 2012، وفي أعقاب التدريب الذي أطلق عليه لقب ناصر 6 بسيناء، قال محمد حجازي رئيس أركان الجيش المصري الثاني حينها، إن ذلك التدريب أجري تحسبا لحدوث هجمات إسرائيلية علي قناة السويس، وفي أكتوبر 2012، قال عبد الفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة المصرية وقتئذ، بعد إجراء التدريبات في سيناء: إن ذلك التدريب يوضح استعداد الجيش المصري للتعاطي مع أي تهديد لسيناء، أو لمصر بعامة، وبالطبع كان من الواضح أنه يتحدث عن إسرائيل. في أواخر إبريل 2013، قال عوديد تيرا، الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إن مصر عدو محتمل”.

وفي الفصل الرابع عشر من الكتاب وعنوانه “أسباب قيام حرب في المستقبل” كتب إيهود: “يوجد بالجيش المصري من يسعون إلى الحرب مع إسرائيل بعد أن تعلموا أن الاستعداد للصدام مع قوات الدفاع الإسرائيلية هو واجبهم المهني المقدس، بإمكان سنوات من ذلك التعليم والتلقين، وفي أعقاب فترة طويلة من السلام، إقناع بعض الضباط المصريين بأن الحرب مع إسرائيل ضرورية وحتمية، وسيكون هذا مزيجا من القدر المحتمل والإيمان، وبإمكانه أن يسهم في خلق حافز لخوض الحرب، وبخاصة وقت نشوب أزمة ما. كما قد يوجد في قوات الدفاع الإسرائيلية أشخاص يدعمون شن حرب”. وأضاف: “كثير من المصريين لا يحبون إسرائيل، لكنهم لا يريدون اندلاع حرب، وعلى الرغم من أن لمصر أسبابها في الحفاظ على السلام، فإن الشعب المصري لا يدعم هذا السلام”.

الأزمات تظهر النيات الخفية، وطوفان الأقصى أظهر نيات غير طيبة من الجانب الإسرائيلي اتجاه مصر، وطمعه في حل مشاكله على حساب جارته الغربية.

مصر لم تكن يوما دولة معتدية لكنها حريصة على حماية حدودها ومصالحها وأمنها القومي، الحرب ليست مطلبا ولكنها تكتب على الأحرار وحينها لا مفر منها؛ ولذا نعتقد أن كل الاحتمالات واردة ما دامت إسرائيل تفضل الأرض على السلام.

المصدر : الجزيرة مباشر