أسياد وعبيد.. الرعب السائد والكراسي الفارغة

فيلم "أسياد وعبيد"

 

تم القبض على الدكتور أحمد لاتهامه بالمشاركة في تكوين تنظيم سياسي يسعى لإثارة الجماهير ومحاولة قلب نظام الحكم، يفاجئ اعتقال حسن شقيقه الصحفي الذي يذهب مع خطيبته إلى مديرية أمن القاهرة للبحث عنه، فلا يجد أثرا له، فيذهبا إلى قسم الشرطة ولا إجابة أيضا. يقف مأمور القسم عاجزا عن إبلاغه بمكانه، فيذهبا إلى رئيس مجلس إدارة الجريدة ورئيس التحرير يطالبان بنشر خبر القبض على أحمد والذين معه حتى يعرف الناس ما يحدث، فيتم رفض الطلب إذ الخوف يسيطر على الجميع: حياتهم أو مناصبهم.

تذهب الدكتورة فاطمة خطيبة أحمد إلى نقابة الأطباء تطلب منهم الوقوف بجوار زميل عضو معهم، لكن أعضاء المجلس ينسحبون واحدا تلو الآخر، ويتركونها تهذي بكلام عن التضامن مع الزملاء، والحرية، وعجز المثقفين والنخبة، لتجد نفسها تصرخ في الكراسي الخاوية، إذ سيطر الخوف، وأصبح كل منهم يبحث عن نجاته الشخصية من أيدي الرجال الغامضين.

حينما يسيطر الرعب تضيع حقوق الأوطان، خاصة عندما يتملك الصفوة من المجتمع، بينما يحاول المواطن البسيط أن يجد دعما من هؤلاء فتجدهم اختفوا كلُ وراء سره الخفي. هذا السر الذي قد يكون مصلحة شخصية في منصب سواء يسعى إليه أو حاصلا عليه، فقد يكون خوفا طبيعيا على أسرته وأهله، أو من يخشى من نشرها للعامة. كل هذا يبرر له حالة الصمت على ما يحدث، وعندما ينتشر الرعب في هواء المدينة يصبح العبور للحرية صعبا، وينتظر الجميع نهاية مرعبة كما الرعب المسيطر.

آلاف الحالات الشبيهة بالدكتور أحمد ( محمود يس) بطل فيلم “أسياد وعبيد” نسمع عنها كل يوم، وخلال السنوات الماضية أصبحت الصدفة وحدها هي طريق معرفة المخفيين قسريا، والصدفة قادت حسن شقيقه لمعرفة مكانه، فقد قبض عليه البوليس السياسي، ورغم أن الفيلم إنتاج 1978 وظهر مع موجة الأفلام التي قُدمت عن التعذيب في الفترة الناصرية إلا أنه لا ملمح للزمن فلا يوجد صحيفة عليها تاريخ، ولا نهاية بأحداث 15 مايو/ أيار 1971، تلك التلميحات التي تحاول أن تنسب الأحداث للزمن في معظم أفلام الفترة، لكن المؤلف محمد عثمان والمخرج علي رضا أرادا أن تترك الرواية طازجة لكل زمان ومكان.

الموت تحت التعذيب

رفعت منصور (عادل أدهم) مدير السجن الحربي يأمر بالقبض على المجموعة التي تضم عددا من أساتذة الجامعة، يحاولون الحصول على اعترافات عن طريق الوقيعة بين المقبوض عليهم ولا يفلحون، وفي أحد المشاهد يضعون الأستاذ الجامعي عماد خالد (صلاح قابيل) مع الدكتور أحمد يسأله: أنت شيوعي أم إخوان،  وعندما لا يجيب يقول له: “مش مهم ده أو ده، كلنا في الهم شرق على رأي أمير الشعراء”.

يبدأ رفعت منصور في تعذيب المقبوض عليهم، ويقتل عماد أمام أحمد، الذي يصمم على الانتقام من طلعت، ويحاول طلعت إخفاء الجريمة بالادعاء أنه حاول الهرب وأطلق عليه الحرس الرصاص، وفي سبيل الخروج يعتمد أحمد روايته، وتوضع جثة عماد في مشرحة القصر العيني لتسليمها لأهله.

يبدأ صراع أحمد مع رفعت بعد خروجه من المعتقل، يتقرب من نانا عشيقة رفعت المعجبة به، وتصل الصور إلى رفعت عن طريق رجاله الذين يراقبون الجميع بمن فيهم نانا. ويطارد رجاله أحمد الذي يختفي عنهم، ويتم القبض على خطيبته فاطمة، ويذهب أحمد لنانا للتوسط للإفراج عنها، وتكون نانا قد سبقته عندما عرفت أن فاطمة ابنتها التي تركتها منذ عشرين عاما. يلتقي أحمد وطلعت عند نانا، يحاول أحمد قتله، لكن قيمه ومبادئه تمنعه بعد أن ضربه ضربا أفقده توازنه. ويقتل رفعت نانا بالخطأ، ويقوم بلا توازن ليسقط من شرفة منزلها قتيلا في أسياخ حديد خرسانة -في إشارة إلى شخصية  حمزة البسيوني مدير السجن الحربي في العصر الناصري- وهذا هي الإشارة الوحيدة في الفيلم للزمن، بالإضافة إلى ملابس السبعينيات.

عادل أدهم أمير الشر

قدم عادل أدهم للسينما المصرية ما يزيد عن 90 فيلما، اشتهر في أغلبها بدور الشرير، وباستثناء عدد قليل منها قدم أدوار أخرى مثل أفلام رجل لهذا الزمان، والمدمن، وبعض الأدوار الكوميدية مثل دوره في فيلم: سواق الهانم، ولقب أدهم بلقب أمير الشر، وخلال فترة السبعينيات قدم شخصية الرجل المسؤول عن التعذيب ومدير السجن الحربي.

في فيلم طائر الليل الحزين لوحيد حامد ويحيى العلمي قدم شخصية طلعت مرجان – لاحظ إيقاع الاسم مع طلعت منصورـ وهو شخصية مسؤول الأمن في الدولة، الذي يقبض على المواطنين بلا قانون، ويضحي بالجميع للحفاظ على مركزه حتى زوجته، وينشر الخوف والرعب بين الجميع، فاسمه فقط يكفي لبث الحوف، يستخدم سلطاته في التحكم في الجميع والسيطرة عليهم.

عزيز البعبع في فيلم حافية على جسر الذهب أيضا مع حسين فهمي وميرفت أمين، تأليف إبراهيم الورداني وإخراج عاطف سالم.. عزيز لا شيء يقف أمام رغباته، فهو يرغب في فتاة صغيرة تريد أن تصبح ممثلة، ترتبط عاطفيا بمخرج سينمائي، لكن عزيز (البعبع) رجل الأمن في الدولة يريدها فيحطم المخرج ويجبره على الهجرة، وعندما تريد كامليا العمل مع مخرج آخر يقتله عزيز، ولا تجد طريقا أمامها إلا قتل عزير.

ثلاثة أفلام قدمها أدهم عن نفس الشخصية انتهى اثنان منهما بالقتل أو الموت، أما الثالث فانتهي بعزله من الوظيفة واعتقاله، بالإضافة إلى نهاية الأفلام الثلاثة هناك المشترك الثاني، وهو الحياة الخفية للشخصية وعلاقاتها النسائية في أسياد وعبيد توجد نانا (هدى سلطان) مغنية وصاحبة ملهى ليلي. في حافية على جسر الذهب ليليان (مريم فخر الدين) والدة كامليا ثم كامليا نفسها (ميرفت أمين). أما في طائر الليل الحزين فكانت درية (شويكار)، ترى ما هو السر وراء غرام السياسيين ورجال الأمن خاصة الأمن السياسي وأهل الفن والغناء، ولماذا دائما هناك حياة مخفية لدى معظم المشتغلين بالسياسة والأمن، وما سر القصور المختفية عن الشعب؟

المصدر : الجزيرة مباشر