التعهدات المصرية في الاتفاق الجديد مع صندوق النقد

مبنى صندوق النقد الدولي

كالمعتاد في التعامل مع الدول الراغبة في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، يبدأ الأمر بمشاورات بين القيادات الاقتصادية بتلك الدولة وخبراء من الصندوق، يعرض خلالها خبراء الصندوق شروطهم للإقراض، المتمثلة في إجراءات مطلوب من تلك الدولة تنفيذها، ويستمر التشاور حتى يتم اتفاق الطرفين على تنفيذ تلك الاشتراطات وقيمة القرض ومدة منحه وفترات سداده، ويرافق ذلك تنفيذ الدولة لبعض مطالب الصندوق.

وبعدها يتم إعلان الاتفاق بين الدولة والصندوق على مستوى الخبراء، وتستمر الدولة في تنفيذ الاشتراطات، ثم تتقدم بخطاب نيات موقّع من محافظ البنك المركزي ووزير المالية موجه إلى مديرة الصندوق، تتعهد فيه بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلال مدة الحصول على أقساط القرض، وبعدها يجتمع مجلس مديري الصندوق للإعلان عن الاتفاق مع تلك الدولة ومنح القسط الأول منه.

وهو ما جرى مع مصر في كل مرة تتقدم فيها للحصول على قرض من الصندوق، مثلما حدث عام 2016، ثم حدث عام 2022 حين سارعت مصر إلى تقديم خطاب نيات موقع من محافظ البنك المركزي حسن عبد الله ووزير المالية محمد معيط، بالإعلان عن الالتزام بسعر صرف مرن وتخفيض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي في السابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ورافقه رفع سعر الفائدة بنسبة 2%، وتحويل مبادرات الإقراض بسعر أقل من البنك المركزي إلى وزارات أخرى أبرزها المالية.

ثم كان إرسال خطاب النيات في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وبعدها اجتمع مجلس مديري الصندوق ووافق على القرض في السادس عشر من الشهر الماضي، وهكذا تلتزم مصر بتنفيذ ما وعدت به في خطاب النيات خلال السنوات الأربع للقرض الجديد، وقد تضمن ذلك الخطاب الأمور التالية:

   عدم استخدام الاحتياطي لتوجيه سوق الصرف

– التحول الدائم إلى مرونة سعر الصرف، وكانت مصر قد وعدت في خطاب النيات للحصول قرض عام 2016 بالتحول إلى سعر الصرف المرن، لكن الجديد هذه المرة هو كلمة الدائم، حيث التزمت مصر بتلك المرونة في نوفمبر عام 2016 عدة أشهر، ثم عاد البنك المركزي إلى التدخل في تحديد سعر الصرف بشكل دوري، مما جعله شبه ثابت حتى العشرين من مارس/ آذار الماضي، وبالفعل بدأ البنك المركزي المصري تنفيذ مرونة سعر الصرف بشكل جاد منذ العاشر من الشهر الحالي.

وكذلك التعهد بزيادة الاحتياطيات من العملات الأجنبية، وبعدم تدخل البنك المركزي في سوق الصرف من خلال احتياطياته من العملات الأجنبية، أو باستخدام الأصول من العملات الأجنبية بالبنوك التجارية، وكذلك التعهد بعدم قيام البنك المركزي بشراء العملات الأجنبية مباشرة من مستثمري المحافظ -الأموال الساخنة- والاستثمار الأجنبي المباشر ولكن يتم ذلك من خلال السوق.

– تقليل التضخم ضمن النطاق المستهدف من البنك المركزي على المدى المتوسط، الذي حدده البنك المركزي من خلال لجنة السياسة النقدية الشهر الماضي، بنسبة 7% تزيد أو تقل بنسبة 2% خلال الربع الأخير من عام 2024، وبنسبة 5% تزيد أو تنقص بنسبة 2% خلال الربع الأخير من عام 2026.

وهو ما يعني توقع استمرار معدل التضخم مرتفعا خلال العام الحالي والعام المقبل من قبل البنك المركزي المصري، مثلما حدث مع قرض 2016 حين استمر معدل التضخم من رقمين مدة عامين ونصف من الاتفاق.

– حفاظ السياسة المالية على خفض الدين العام، وخفض احتياجات التمويل من خلال الضبط المستمر والإدارة الفعالة للديون، وهو التزام سبق تضمنه في خطاب نيات عام 2016 ولم يتم الالتزام به، حيث زادت الديون الحكومية المحلية والخارجية بشكل كبير، لكن التعهدات هذه المرة تضمنت عدة وسائل لم ترد من قبل.

منها استهداف زيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 2% خلال العام المالي الحالي وبنفس النسبة في العام المالي المقبل، وهي نسبة كبيرة ستزيد إيرادات موازنة العام المالي الحالي بحوالي 181 مليار جنيه، وهو ما يصعب تحقيقه في ضوء حالة الركود ونتائج الثلث الأول من الموازنة.

 ضريبة على المشتقات البترولية لتقليل الكربون

واقترن ذلك بالتزام مصر بالتعهد بتعديل ضريبة الدخل واستحداث شريحة لأصحاب الدخول الكبيرة، تحدث عنها وزير المالية في مؤتمر ضريبي مؤخرا حيث ستكون بنسبة 27.5%، كما وعد بإخضاع جميع السلع لضريبة القيمة المضافة ما عدا السلع الغذائية، وبتعزير الضرائب العقارية، والنظر في فرض ضريبة على المشتقات لتقليل الكربون تحت مسمى الضرائب الخضراء، وكذلك الالتزام بإلغاء الإعفاءات الضريبية للشركات المملوكة للدولة وبيع المياه والكهرباء لها بنفس السعر.

يضاف إلى ذلك الالتزام بنشر تقرير شامل للنفقات الضريبية السنوية، وتقديرات الإعفاءات الضريبية للشركات العاملة بالمناطق الاقتصادية الحرة، ولجميع الشركات المملوكة للدولة بما في ذلك شركات قطاع الأعمال العام والشركات المملوكة للجيش والمشاريع المشتركة والشراكات، ويلاحظ أن ذكر ضرائب شركات الجيش لم يرد من قبل، كما شملت التعهدات استهداف نسب محددة للفائض الأولي بالموازنة ونسبة الدين الحكومي إلى الناتج بنهاية البرنامج.

– تعزيز دور القطاع الخاص وتكافؤ الفرص بين المؤسسات العامة والخاصة والالتزام بالحياد التنافسي وتعزيز الحوكمة، وتقليل دور الدولة بالقطاعات غير الاستراتيجية، وإبطاء المشروعات العامة وتعديلها للحد من الضغط على سعر الصرف الأجنبي وعلى التضخم، وتعزيز سياسات المنافسة وتحسين الإجراءات التجارية، بتقليل مدة الإفراج عن الواردات بميناء الإسكندرية من 16 يوما في أغسطس/ آب 2022، إلى 12 يوما في مارس/ آذار 2023 ثم إلى تسعة أيام في ديسمبر/ كانون الأول 2023.

وسبق لمصر أن تعهدت في خطاب النيات عام 2016 بتشجيع دور القطاع الخاص، لكنها سارت في مسار معاكس، ولم يعترض الصندوق وظل يمنح أقساط القرض بانتظام، وحتى عندما وعدت الحكومة في منتصف مايو/ أيار الماضي بتعزيز دور القطاع الخاص، فإنها لم تحدث خطوات عملية لذلك، وربما كانت تقصد القطاع الخاص الخليجي، الذي قام بشراء حصص من شركات حكومية منذ أبريل/ نيسان الماضي، ويتم التجهيز لبيع ما قيمته أكثر من ملياري دولار له حتى يونيو/ حزيران المقبل.

وسبق الوعد بإصدار وثيقة ملكية الدولة التي تحدد قطاعات النشاط الاقتصادي التي ستخرج منها الدولة والقطاعات التي ستستمر فيها، بنهاية مايو الماضي، لكنها لم تصدر قبل نهاية العام، وعليها ملاحظات عديدة حيث استمرت الدولة في قطاعات غير استراتيجية مطلقًا، مثل طباعة الأوفست والطباعة الرقمية والإعلانات المطبوعة والدعاية بالإعلام الرسمي، وأنشطة النشر والإنتاج البرامجي والفيديو والأفلام السينمائية وأنشطة البث الإذاعي والتلفزيوني وغيرها.

    نشر ميزانيات شركات الجيش نصف سنوي

– في مجال الطاقة الاستمرار في ربط أسعار المشتقات بالأسعار العالمية للنفط، وهو ما سبق التعهد به عام 2016 وتم بمقتضاه تشكيل لجنة تقوم بتسعير المشتقات كل ثلاثة أشهر، فيما عدا الغاز الطبيعي، لكن تعهدات القرض الجديد تضمنت التعهد باستحداث آلية مشابهة للأسعار المحلية للغاز الطبيعي تعكس الأسعار العالمية للغاز الطبيعي.

– توسيع برنامج تكافل وكرامة إلى 5 ملايين أسرة في يناير/ كانون الثاني الحالي، وفي ضوء بلوغ عدد الأسر المنضمة لبرنامج تكافل وكرامة 4.112 ملايين أسرة، فإن إضافة 888 ألف أسرة خلال الشهر أمر من الصعب تحقيقه.

– استخدام حصة مهمة من عائدات الخصخصة لتعزيز الوضع المالي وخفض الدين العام، ويتصل بذلك برنامج بيع حصص من الشركات العامة من خلال صندوق الطروحات التابع للصندوق السيادي أو من خلال البورصة، وكان الصندوق قد حدد قيمة تلك الحصص التي سيتم بيعها بقيمة 8.7 مليارات دولار خلال سنوات الاتفاق، وتعهدت مصر بتوجيه حصيلة بيع الأصول في حساب خاص بالبنك المركزي لزيادة الاحتياطيات، مع توجيه نسبة 25% على الأقل من بيع الشركات الحكومية للموازنة، ونسبة 50% على الأقل من عائدات تصفية الشركات الحكومية للموازنة.

– تعزيز الشفافية من خلال نشر تقارير جهاز المحاسبات عن الموازنة وهو ما لم يكن يحدث منذ سنوات، ونشر تقرير سنوي عن متأخرات السداد لقطاع الموازنة بما في ذلك الشركات المملوكة للحكومة، ونشر المشتريات الحكومية التي تزيد قيمتها على عشرين مليون جنيه على البوابة الإلكترونية، ونشر بيانات شهرية عن العطاءات المقدمة وأسماء الفائزين وهو أمر جديد.

وقيام الشركات العامة بما فيها شركات الجيش بإرسال قوائمها المالية نصف السنوية إلى وزارة المالية التي تقوم بنشرها، وهو ما يحدث من قبل، وأيضا نشر تقرير عن المطلوبات والمدفوعات بين وزارة المالية وبين عدد من الهيئات الاقتصادية والشركات العامة، مثل هيئة البترول وهيئة السلع التموينية وهيئة المجتمعات العمرانية وهيئة السكة الحديدية، وبنك الاستثمار القومي والشركة القابضة للكهرباء والشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، وشركة مصر للطيران والبنك المركزي وهو أمر لم يحدث من قبل.

ومن أبرز التعهدات ضمان البنك المركزي أن جميع التعليمات والإرشادات للبنوك قد صدرت في كتابات رسمية، وهو أمر يقصد به القضاء على التعليمات الشفوية من البنك المركزي للبنوك العامة التي تسببت في تراجع إيراداتها.

لكنه يصعب تنفيذه في ضوء توسع قانون البنوك الحالي في اختصاصات محافظ البنك المركزي وتدخله في تعيين قيادات البنوك، وهو ما استخدمه المحافظ السابق طارق عامر في إبعاد من لا يروقون له من قيادات البنوك، وكان منهم محافظ البنك المركزي الحالي حسن عبد الله، الذي استبعده المحافظ السابق لمجرد تصريحه بآراء لم تتفق مع هوى المحافظ، وشمل ذلك الاستبعاد لنفس السبب رئيسي بنكين آخرين.

وهكذا ننتظر التزام الحكومة المصرية والبنك المركزي وزارة المالية بتنفيذ تلك التعهدات، التي سيتم التأكد من تنفيذها من خلال المشاورات نصف السنوية لخبراء الصندوق، قبل إقرار منح القسط التالي من القرض، إلا إذا اتبع الصندوق سياسته التي اتبعها مع أقساط قرض 2016، بالتغاضي عن عدم تنفيذ الحكومة لكثير من تعهداتها للحصول على القرض.

المصدر : الجزيرة مباشر