ليبيا على صفيح ساخن!

عبد الحميد الدبيبة

صباح السبت الماضي 27 من أغسطس شهدت العاصمة الليبية طرابلس اشتباكات عنيفة، تعد الأخطر والأكثر قوة ودموية منذ اندلاع الصراع في ليبيا.

ومن المعلوم أن هذه الأزمة السياسية المتصاعدة بسبب نزاع بين حكومتين، الأولى برئاسة فتحي باشاغا، والأخرى حكومة الوحدة الوطنية الليبية ويترأسها عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة إلا عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية.

بدأت قصة هذه التوترات بعد إعلان مجلس النواب -المُنتخب في عام 2014 ومقره مدينة طبرق- تعيين وزير الداخلية السابق المدعوم من خليفة حفتر فتحي باشاغا رئيسًا للحكومة، مُعتبرًا بذلك أن التفويض الذي حصلت عليه حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها الدبيبة منتهٍ.. غير أن الدبيبة رفض التخلي عن منصبه، وأصر على التمسك بالحكم لحين إجراء الانتخابات الرئاسية، مؤكدًا أن البرلمان ليس له حق في استبداله، وأنه لن يتنحى إلا بعد إجراء الانتخابات.. وللتذكرة فإن حكومة الدبيبة تولت زمام الأمور في إطار عملية سلام بقيادة الأمم المتحدة بعد مدة من العنف المسلح في البلاد.

“استئناف التوترات”

بدأت التوترات بين الحكومتين الأربعاء الماضي عقب رسالة وجهها باشاغا إلى الدبيبة، ودعاه فيها إلى “الالتزام بمبادئ الديمقراطية التي تحتم علينا الالتزام بالتداول السلمي”.. واستفزت الرسالة الدبيبة، فرد بعد دقائق قائلًا “إلى وزير الداخلية الأسبق، وفرّ عليك إرسال الرسائل المتكررة والتهديدات بإشعال الحرب واستهداف المدنيين، ولو كان لديك حرص على حياة الليبيين ركز جهدك لدخول الانتخابات، ودع عنك أوهام الانقلابات العسكرية فقد ولى زمانها”.

لقد بررت حكومة الوحدة الوطنية بزعامة عبد الحميد الدبيبة وقوع القتال في العاصمة بانهيار المفاوضات التي كانت تجري لتجنب إراقة الدماء في الغرب الليبي، واتهمت حكومة الوحدة باشاغا بمحاولة “تنفيذ تهديداته” للسيطرة على طرابلس، مُشيرة إلى أن المفاوضات كانت جارية لإجراء انتخابات في نهاية العام لحل الأزمة السياسية، ولكن باشاغا انسحب في اللحظة الأخيرة.

في المقابل نفت حكومة باشاغا السبت، ما تردد عن رفضها أي مفاوضات مع حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة الدبيبة، وقال المكتب الإعلامي لحكومة باشاغا: إن الأخير رحَّب طوال الأشهر الستة الماضية بـ”كل المبادرات المحلية والدولية لحل أزمة انتقال السلطة سلميًا”، دون أي استجابة من الحكومة المنتهية الولاية.

كان تطور مثل هذه الأحداث في ليبيا متوقعًا -وقد توقعناه في أكثر من مقال سابق- خاصة في ظل الاستقطاب بين حكومتي (الدبيبة وباشاغا)، ومساندة عدد من تشكيلات مسلحة للحكومتين، والتي تحاول المحافظة على نفودها وأماكن سيطرتها، ورغم وقوع مناوشات أكثر من مرة بين القوات المناصرة للدبيبة وأخرى مناصرة لباشاغا، إلا أن ما يجري الآن في ليبيا مختلف، خصوصًا وأن تلك الاشتباكات لم تستمر لأكثر من يوم، على عكس الأحداث الدائرة الآن، والتي بدأت في وقت مبكر من صباح السبت الماضي ومن المتوقع استمرارها لمدة، أو تجددها في ظل استمرار عمليات التحشيد العسكري بين الطرفين داخل العاصمة.

“حرب العصابات”

والحقيقة إن ما يحدث مؤخرًا في العاصمة الليبية يمكن وصفه بـ”حرب العصابات”، خاصة وأن المساحات التي تدور فيها الاشتباكات ضيقة، ومكتظة بالمباني والسكان، ولذا يستخدم المقاتلون أسلحة خفيفة ومتوسطة، ويجدونها أنسب في القتال وأفضل من الأسلحة الثقيلة التي لا تناسب هذه البيئة، كما أنها ستلحق أضرارًا بالغة بالمدنيين القابعين في منازلهم.

تُنذر تطورات الأوضاع على الأرض في طرابلس باحتمال اندلاع حرب شاملة، فعلى ما يبدو أن مليشيات اللواء أسامة الجويلي التابعة لحكومة فتحي باشاغا، اتخذت قرارًا بشن حرب، حيث تقدمت بعض القوات من المنطقة الغربية بقيادة “علي بوزريبة” و”معمر الضاوي” إلى غرب طرابلس، ووصلت إلى منطقة جسر 17 التي تبعد عن العاصمة 17 كيلومترًا، وتم صدها هناك، كما تجري الاشتباكات في جنوب طرابلس بين قوات 302 وقوات الجويلي.

“التوقعات”

من المتوقع أن يستثمر حفتر في هذا الصراع، خاصة وأنه نجح في نقل المعركة في طرابلس وبين محاربين لدودين له سابقًا، ويؤكد ذلك، ما صرح به خليفة حفتر خلال كلمة له في الكفرة، اليوم الاثنين 29 من الشهر حيث قال “على الغافلين أن ينتبهوا.. لم نبن الجيش الوطني ليقف متفرجًا على ليبيا يجرها العابثون إلى الهاوية”.

إذاً توقعاتنا بتجدد الصراع ما زالت قائمة، نظرًا لأن طرفي الصراع مدعومان من قوى على الأرض، بالإضافة إلى القوى الخارجية، والتي تتحكم في ضبط إيقاع الصراع الذي يتراوح بين الصراع السياسي الناعم والصراع المسلح الخشن.

المهم أن يبقى شيء في ليبيا اسمه (متلازمة الصراع) -كإحدى بؤر التوتر المنتشرة حول العالم- سواء كان صراعًا سياسيًا أو مسلحًا، فتسخين أحد نوعي الصراع أو تبريده هذا أمر معقد يتعلق بالظرف الدولي وصراع الكبار داخل مناطق النفوذ.

كما أتوقع أن تكون للشعب الليبي كلمة الفصل، خاصة وأنه قد يئس من الطبقة السياسية التي تحكمه، والتي تحركها قوى خارجية.

المصدر : الجزيرة مباشر