ما الذي يميز الاحتفال برأس السنة في واحة سيوة؟

مبادرة يحيى موسى لتشيجع السياحة في سيوة

الإنسان كائن مُحب للحياة، يتمسك دومًا بالأمل، بالرغم من جميع الإحباطات التي تواجهه، يحاول أن يعد نفسه دومًا ببدايات جديدة، يتجنب فيها أخطاء الماضي، لكنه يقع في نفس الأخطاء ويكررها بسذاجة، وهذا هو طبع البشر منذ الأزل.

لم يكن هذا العام يسيرًا على الجميع، ولم تكن نهاياته سعيدة، وسط هذا الكم من الأوبئة والحروب والأزمات الاقتصادية.

يأخذ الجميع استراحة محارب فى نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول، محاولين قضاء وقت ممتع بين الأهل والأصدقاء، على الرغم من درجات الحرارة المنخفضة وتساقط الثلوج فى معظم البلاد التي تحتفل بأعياد الكريسماس ورأس السنة. يفضل البعض قضاء هذا العيد فى مناطق أكثر دفئًا، وأقل تكلفة نظرًا للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها معظم سكان العالم.

وتعتبر مصر وجهة أساسية لقضاء أعياد الميلاد في مناطق دافئة، حيث يفضل السائح الذهاب إلى مناطق أكثر شهرة مثل شرم الشيخ، والغردقة، وأسوان، لكن هناك مناطق أخرى لا تقل جمالًا وسحرًا لم يسلط عليها الضوء بعد، مثل واحة سيوة.

واحة سيوة أرض السحر والأساطير، أرض الطبيعة البكر والهواء النقي، ومقصد الباحثين عن سياحة نظيفة، صديقة للبيئة، بأسعار اقتصادية جدًّا..

تعد واحة سيوة التي تقع في صحراء مصر الغربية وتتبع إداريا محافظة مرسى مطروح مكانًا مثاليًّا للزيارة لدى المصريين والسياح على حد سواء، بسبب أجوائها الدافئة، وطبيعتها الصحراوية، وتنوعها البيئي والسياحي، وما فيها من معالم أثرية يرجع تاريخها إلى العصر الفرعوني والروماني.

أشهر المزارات السياحية بواحة سيوة

تبعد واحة سيوة عن القاهرة حوالي 740 كيلومترا، وتضم عددا من المواقع الهامة للزيارة، مثل “جبل الموتى”، وهو جبل يحتوي على عدد كبير من القبور، اكتشفه أهالي سيوة، بالصدفة البحتة خلال الحرب العالمية الثانية عام 1944م، كما توجد “مدينة شالي”، تلك المدينة القديمة، التي تم بناؤها لحماية الشعب السيوي من الهجمات المحتملة من قبائل البدو الأخرى. وهناك جزيرة فنطاس التى تلقب جزيرة الخيال بسبب موقعها الشاعري، وإحاطتها بأشجار النجيل والنباتات المورقة، و”جبل الدكرور” المشهور برماله الغنية بالمواد المشعة، غير الضارة التي تساعد على علاج الكثير من الأمراض المزمنة، مثل الروماتيزم، والروماتيد والتهاب المفاصل وغيرها.

ويأتي المرضى من كل أنحاء العالم إلى هذه الرمال للاستشفاء بطريقة الردم، وهي طريقة علاجية، يدفن فيها المريض حتى رقبته مدة تتراوح بين 10 و20 دقيقة، وبعد عملية الردم يوضع المريض في خيمة مغلقة مدة ربع ساعة أو نصف ساعة، وفي هذه المدة يتم تبريد الجسم عن طريق مشروب عشبي، وتكون هذه العملية في فصل الصيف حيث تكون درجة الحرارة عالية. هذا إلى جانب “بحيرات الملح” ذات اللون اللبني النقي، وهذه البحيرات ستجعل جسمك يطفو على الماء بسبب كثافتها العالية، حتى ولو كنت لا تُجيد السباحة. وهي من طرق السياحة العلاجية في واحة سيوة.

هناك أيضًا عيون المياه الكبريتية، وتحتوي واحة سيوة على أكثر من مئتي عين كبريتية أشهرها “عين العرايس” التي كانت العروس تذهب إليها فى الصباح مع أقاربها للاستحمام فيها قبل عرسها، أما العريس فيذهب إليها في المساء و”عين كليوباترا” أو نبع الشمس، وهي مسبح حجري دائري كبير الحجم، تغذيه مياه الينابيع الطبيعية.

وهناك اعتقاد شهير حول هذه العين، وهو أن الملكة كليوباترا سبحت فيها عندما زارت واحة سيوة، ويقال إن الإسكندر الأكبر سبح فيها أيضا، وهو في طريقه إلى معبد آمون الذي يسمى أيضا معبد التنبؤات والوحي، عندما كان ذاهبًا إليه بناء على طلب والدته لأخذ مباركة الإله آمون وتتويجه ابنا له، حتى يتقرب من المصريين الذين عُرفوا بقوة الارتباط بمعبوداتهم. كان هذا في عام 331 ق.م.

ليلة رأس سنة مختلفة في سيوة

احتفالات رأس السنة في واحة سيوة التي ينظمها البدو لها طابع مختلف، حيث تقام الاحتفالات في الصحراء في أحضان الطبيعة.

يصف يحيى موسى مؤسس مبادرة “تعالوا نعرف سيوة” وأحد منظمي الاحتفال ما يجري في هذه المناسبة قائلا: “إن احتفالات رأس السنة في واحة سيوة تقام في الصحراء بين أحضان الطبيعة، حيث يقوم البدو بإعداد الخيام، ثم يقومون بإضاءة المكان حول الخيام بالشموع، وقبل إعداد المكان، يكونون قد أعدوا الطعام على الطريقة السيوية. وأشهر الأكلات السيوية تسمى “أبو مردم”، وهي عبارة عن لحم أو دجاج يتم طهيه بعد تتبيله لمدة لا تقل عن ثماني ساعات، يوضع في قدور ويدفن في حفرة مشتعلة في الرمال، ثم يتم إشعال النار فيها، ويترك حتى يتم تسويته. وهذا هو سبب تسميته بأبو مردم. وتقدم العروض الفلكورية والغناء والرقص البدوي والمشروبات كشاي الزردة بالنعناع أو اللويزة (حشيشة الليمون) وهي عشبة عطرية ذات رائحة تشبه رائحة الليمون”.

سيوة والسياحة البيئية

إذا كنت مهتمًّا بالحفاظ على البيئة، وكسر روتين المدنية الحديثة، فواحة سيوة، هي أنسب مكان لذلك، حيث تعتمد السياحة هناك على التخلص من كل أعباء العصر، كأجهزة الاتصالات الحديثة، والأجهزة التي تعمل بالكهرباء، وتُستبدل بها أدوات بسيطة تقوم بأداء الأغراض، كما تقل نسب الاعتماد على المنتجات العصرية والحديثة وتستعمل مكانها المكونات البيئية، وتستهوي السياحة البيئية العديد من السائحين الذين يفضلون العودة إلى الطبيعة الأم، والاستشفاء من الأمراض، لكي يعودوا إلى أوطانهم بعد إجازة رأس السنة، محملين بطاقة جديدة، وروح جديدة لمواصلة التحديات الصعبة، تلك الروح التي استمدوها من قوة الطبيعة، وعظمة التاريخ، وأصالة المكان.

“سيوة” الأصالة والمعاصرة

المصدر : الجزيرة مباشر