لا ترحل أيها المونديال

هل تُحب كرة القدم؟

هل تسافر بك إلى عالم ساحر مجنون، تنسى به مشاكلك، وتمسح به أحزانك، وتشعر فيه بالانطلاق والفرح، كطفل يطارد الفراشات في الحدائق، ويجري خلف كرة ملونة منفوخة، يلتقطها ثم يقذفها إلى أبيه؟

نعم.

قد ينتابك هذا الإحساس وأنت رجل في الستين، أو شاب في العشرين، أو صبي في العاشرة من عمره، وهذا هو سر المتعة، إنه العشق الذي لا يرتبط بسن، والسحر الذي يخلب لب الأغلبية العظمى من سكان كوكب الأرض، إذا كنت كذلك، فلا بد أنك حزين جداً، فالمونديال الرائع أوشك على النهاية، حيث تلعب الآن مباريات الأدوار الإقصائية، والتي اشتدت حدتها، لتجعل المباريات أكثر اشتعالاً وجنوناً ومتعة لا تنتهي.

مدينة لا تنام

وعدت دولة قطر بتقديم نسخة أكثر روعة، من أي نسخة مضت من كأس العالم لكرة القدم، وقد أوفت منذ البداية، إذ كان حفل التنظيم غاية في الروعة، تنظيم استثنائي، وضع حساباً لكل شيء، وبذل مجهوداً خرافياً حتى يكون المتفرج أكثر متعة، فوضعوا شاشات في كل مكان، لخدمة الجماهير التي لم تتمكن من حجز التذاكر، كما وفرو أماكن تشجيع لجميع الجماهير، وخاصة منطقة الكورنيش، وساحة سوق واقف، ودرب لوسيل؛ فتلونت الدوحة بأكملها بأعلام الفرق وأزيائهم المبهجة، بالإضافة إلى عروض الضوء المبهرة، كما نالت منطقة “كتارا” الثقافية إعجاب جميع الرواد، وصارت المفضلة لديهم بما تقدمه من فعاليات مستمرة، ومسابقات، وموسيقى على امتداد اليوم، كما تزين كورنيشها، بأعلام الدول المشاركة.

الجماهير مبتهجة، ترتفع معنوياتهم، وتسمو أمزجتهم فتسهر حتى الصباح احتفالاً بفريقها المنتصر، وأخرى تذهب إلى مبيتها حزينة على هزيمة فريقها.

أشاد معظم المشجعين، بروعة التنظيم وسهولة الانتقالات بين الملاعب، وتوافر وسائل التكنولوجيا الحديثة، وبث المباريات بجودة عالية، كما برعت قطر في استخدام تقنيات التى VAR الذكاء الاصطناعي، سواءً فى تقنيات كرة القدم، مثل تقنيات التسلل و الفار التي سمعنا عنها كثيراً، والتي تعني الحَكَم المساعد بالفيديو.

وأيضاً خارج الملعب، من خلال تنظيم حركة المرور والطرق، والسيطرة على التكدس والزحام.

مفاجآت وأحداث لا تنتهي

حملت تلك النسخة العربية من كأس العالم عنواناً للدهشة وكسر الحسابات، وتجلى ذلك في صدمة فوز المنتخب السعودي على منتخب الأرجنتين الرهيب بقيادة البرغوث ميسي.

ثم تبعتها اليابان بالفوز على المنتخب الألماني سيء السمعة، والذي لم يلق تعاطفاً من المنظمين أو من معظم الجماهير العربية، لدعمه لشارات المثلية، وإصراره على إقحامها في كل شيء، وكان إقصائه من تلك البطولة وهزيمته من المنتخب الياباني، ثم خروجه بعد ذلك جزاءً عادلاً ومريحاً للجميع، وما زالت المفاجآت لا تنتهي مع الدور السادس عشر، حيث صعد منتخب أسود الأطلس، منتخب المغرب الشقيق، على حساب الماتادور الأسباني، أحد المرشحين لبلوغ النهائيات، في مفاجأة مدوية ومن العيار الثقيل، لكن المفاجآت المدوية أتت في دور الثمانية، حيث تغيرت كل الحسابات وانقلبت كل التوقعات، بعد إقصاء المنتخب البرازيلي، المرشح الأول للبطولة على يد المنتخب الكرواتي العنيد، وبات عشاق الكرة ليلة حزينة لخروج البرازيل، فريق المتعة والكرة الجميلة. كما تغلبت الأرجنتين بقائدها ميسي المتوتر جداً في هذه البطولة، على المنتخب الهولندي المنظم.

أسود الأطلس في المربع الذهبي

تحولت أعلام التشجيع العربية من المحيط إلى الخليج نحو العلم الأحمر، ذو النجمة الخضراء في المنتصف، وقضت كل الجماهير العربية ليلة سعيدة، بعد إقصاء المغرب، فريق أسود الأطلس المرعب وقائده الرائع، وليد الركراكي.
في حدث غير مسبوق في تاريخ كرة القدم العالمية، حيث كسر المغرب كل الأرقام القياسية عبر التاريخ كأول فريق عربي وأفريقي يصل إلى المربع الذهبي، الممتع في تلك الكأس العظيمة، طعمها العربي الجميل، حيث توحد فيها كل العرب، ورفرفرت أعلام فلسطين المحتلة في كل مكان ، وأصبح العرب جميعا على قلب رجل واحد ويا ليتهم يستمرون هكذا.

تنظيم قوي وسط صراعات

أقيمت البطولة وسط تحديات وصراعات كبيرة، في الساحات الرياضية، وهذا ما جعل موقف قطر قبل انطلاق البطولة، صعباً وحرجاً للغاية، وتساءل الجميع: كيف ستواجه قطر كل ذلك التحدي؟! كان الصراع بين التنظيم ومدى نجاحه من جهة، ومحاولة إرضاء جماهير المونديال التي يصعب إرضاؤها من جهة أخرى، وسط موجة كبيرة من الصراعات على الهوية الأخلاقية، وتبني قضية الأعلام الملونة، والتي تشير إلى دعم المثلية الجنسية، والتي بدأت في الملاعب الأوربية، وحاولت الكثير من الدول والفرق تمريرها على أرض قطر، إلا أنها قوبلت بحزم شديد، وقوانين رادعة، حتى مع كبار المسؤولين في بعض الدول.

كما حظرت، تعاطي الخمور أو أي مواد محرمة شرعاً وأيضاً التلامس الجسدي، في الملاعب أو الأماكن العامة والمرافق، إذ أجبرت الجميع على احترام هويتنا العربية والإسلامية، والتي يجب أن نُحيي عليها دولة قطر، وجميع القائمين على ذلك الحدث العظيم، إذ أشعرنا جميعاً بالاعتزاز، والفخر لهويتنا العربية والإسلامية.

نجاح وأمل للعرب

الجميع يجب أن يسعد بنجاح قطر في التنظيم، فهو جواز مرور لباقي الدول العربية والأفريقية، بأنها قادرة على تنظيم أحداث أخرى كبيرة ومماثلة، ولقد فوتت قطر الفرصة على الكثير من دعاة النظرة العنصرية، والرافضين لكل ما هو عربي، فأثبتت أننا قادرون، وواثقون بمجرد أن تسنح لنا الفرصة.

تنتهي البطولة ونحن نحمل في صدورنا فرحاً وذكريات جميلة لن تنتهي بسهولة، تذكرنا دائماً بأننا إخوة، تجمعنا روابط عظيمة مشتركة مدى الحياة.

المصدر : الجزيرة مباشر