رئيس البيرو المعزول.. هل هي نهاية رجل ساذج؟

الرئيس المعزول بيدرو كاستيلو

 

منذ فوزه بالرئاسة في نهاية يوليو/تموز 2021، كان بيدرو كاستيو – رئيس البيرو المعزول مؤخرا-  يعي تماما أن صموده في المنصب سيكون إنجازا أقرب الى المستحيل، وذلك لطبيعة تحديات السلطة في البلاد على الصعيد العام، ولطبيعة شخصيته هو في هذا المشهد على الصعيد الخاص. وقد طوت أحداث يوم 7 ديسمبر/كانون الأول الجاري صفحة ذلك الصمود، وانتهت بعزل كاستيو وإيقافه قيد التحقيق بتهمة التمرد. غير أن تسارع أحداث ذلك اليوم وغرابتها، جعلت الرأي العام يتساءل عن تحديد موقف كاستيو في تلك المعركة: هل كان ديكتاتورا متجبرا أم ساذجا إلى حد البلاهة؟

كيف تغيّر مجرى المواقف؟

ولتبيّن أي من هذه الاحتمالات ينطبق على الرئيس المعزول بيدرو كاستيو، يجدر بنا التذكير ببعض المعطيات التاريخية الكفيلة بفهم ملامح الأزمة السياسية الأخيرة، وعرض أحداث الأربعاء الماضي لاستيعاب النتائج التي وصل إليها مشهد الحكم في البلاد، حيث عقد البرلمان يومها جلسة عامة للتصويت -للمرة الثالثة خلال 17 شهرا- على طلب سحب الثقة من الرئيس المعزول كاستيو، الذي كان مطمئنا لتعذّر بلوغ أغلبية الأصوات. لكن مداخلة وزير الإسكان صباح ذلك اليوم غيّرت مجرى المواقف، إذ كشف خلال الجلسة ملفات تُدين أفرادا من أسرة كاستيو بالفساد، وكانت الحجج مُعدّة بعناية، إلى درجة أن الرئيس تلقى خبرا من داخل الكتل النيابية، بأن الأغلبية اقتنعت بالتصويت لسحب الثقة. وفوجئ الرأي العام في البيرو بإلقاء خطاب عاجل للرئيس على القناة الرسمية، ظهر فيه بيدين مرتعشتين وأداء أثار نقاط استفهام كثيرة، وأعلن فيه حل البرلمان وتشكيل حكومة طوارئ مع الدعوة إلى انتخابات برلمانية للموافقة على دستور جديد، موضحا أنه سيحكم عبر مراسيم رئاسية. وكشف أحد مستشاري كاستيو بعد ذلك، أن وزير الدفاع ومعاونين له من الوزارة، كانوا في مكتب الرئيس ولم يسمحوا لأحد بالدخول أثناء إلقاء الخطاب.

ووسط تلك المفاجأة، انعقدت جلسة عاجلة للبرلمان، نقلتها وسائل الإعلام على الهواء، دعت الى عزل الرئيس بتهمة التمرّد وإيقافه على الفور، بمباركة من قرار المحكمة الدستورية. في المقابل، وأثناء انعقاد الجلسة، كان الرئيس المعزول كاستيو يستعد للتوجه الى سفارة المكسيك في ليما، عاصمة البيرو، طالبا اللجوء السياسي، وذلك بعد تلقيه ردّا إيجابيا من الجانب المكسيكي، لكن قوات الأمن الرئاسي -بجانب أفراد من الجيش والشرطة- التي كانت تحميه، توجهت به إلى مركز إيقاف تحفظي، وقطعت عنه الاتصال بشبكة الهاتف والإنترنت، منذ أن كان داخل السيارة.

تعيين النائبة

ولتجنب حدوث شغور رئاسي، قرر البرلمان تعيين نائبته دينا بولوارتي رئيسة للبلاد، وتم تشكيل حكومة بعد أيام. ورغم أن الأحداث توحي باستعادة النظام في المؤسستين التنفيذية والتشريعية، فإن جانبا من الشارع ما زال يرفض هذه القرارات، ويرى أن ما جرى مؤامرة كانت تُحاك لكاستيو منذ فوزه بالرئاسة.

يُجمع أغلب المحللين -من خارج ترسانة الإعلام المتربص بالرئيس المعزول كاستيو- على أن الرجل لم يكن ينوي الإقدام على هذه الخطوة المجنونة لولا تأكد موافقة أغلبية البرلمان على سحب الثقة منه، لا سيما أنه غير ضامن لولاء الجيش ولا وزراء حكومته ولا حتى الشارع، لكنه “قاد نفسه -بقرار حل البرلمان- إلى انتحار سياسي”، حسب تعبير الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو يومها. أمّا رئيس المكسيك أندراس أوبرادور، فقد رأى أن “النخب المالية والسياسية النافذة في البيرو لم تمنح المُدرّس القادم من الريف أي فرصة لإثبات الذات، بل إنها حرصت على أن يكون مناخ العداء والصدام سائدا”. وبالفعل، فإن هذه النخب وأنصارها كانوا رافضين محقّرين لشخصية كاستيو، وتصويره دائما في الإعلام بمظهر المدرّس الريفي المُهمّش، الدخيل على المدينة، إضافة إلى وصفه بأنه نشاز فاقع في منصب الرئاسة. وقد انخرط الإعلام اليميني في المنطقة وفي القنوات الأمريكية الناطقة بالإسبانية في موجة جلد للرجل والتهكم عليه، دون مراعاة للمعايير الأخلاقية للمهنة. ومِمّا زاد هذه البرامج رواجا هي الإخفاقات المتكررة للرئيس المعزول كاستيو، وانفضاض الوزراء من حوله، حيث قام بتغيير 78 وزيرا خلال سبعة عشر شهرا ونيف، ولم يصمد في هذه التعديلات سوى نائبته دينا بولوارتي التي تقلدت الرئاسة من بعده، ووزير التجارة الخارجية روبرتو سانشيز.

نائبة المعزول بعد اختيارها رئيسا خلفا له

الفشل ليس السبب الوحيد

في الحقيقة، لا يمكن وصف فشل الرئيس المعزول كاستيو في مهمته الرئاسية بأنه السبب الوحيد لعزله من قِبل البرلمان، ومعاقبته قانونيا على القرار الجنوني الذي اتخذه بشأن حل البرلمان وتشكيل حكومة طوارئ، إذ إن فوزه بالرئاسة لم يكن اختيارا شعبيا لشخصه أو برنامجه أو تاريخه السياسي، بل كان نتيجة تصويت غاضب في الجولة الثانية، التي واجه فيها المرشحة الرئاسية، ابنة الرئيس السابق فوجيموري، العسكري الديكتاتوري الذي يَعدّه البيروفيين عدوّا لدودا، يذكّرهم بمرحلة الطغيان والجبروت. إضافة الى أن أصوات الفقراء والمهمشين التي تجندت للتصويت له، لم تمثّل سندا يُذكر للرجل في المدن الكبرى، وهو ما جعل الاحتجاجات الحالية على قرار عزله وسجنه، هزيلة ولا تشغل بال السلطات.

كما تجدر الإشارة إلى أن منصب الرئاسة في البيرو لا يعرف السكون، فهو مرتبط دائما بالأزمات والمعارك السياسية المعقدة، ويكفي التذكير هنا بأن دينا بولوارتي -الرئيسة الحالية بعد كاستيو- تُعَد خامس رئيسة للبلاد منذ عام 2016. غير أن الفارق في المعارك السابقة بين البرلمان والرئاسة، كان يعكس معارك أحزاب وتحالفات، أما في حالة كاستيو، فإن الأمر يتعلق به وحده في مواجهة ديناصورات السياسة والمال، لهذا اختلفت قراءات الخطوة التي أقدم عليها، وتراوحت بين وصفه بأنه ديكتاتور وساذج.

مظاهرة مناصرة للرئيس المعزول وتطالب بحل البرلمان
المصدر : الجزيرة مباشر