ماذا تعرف عن الاتفاقيات الخاصة بنهر النيل؟!

السد العالي

لفهم حقيقة ما يدور حول سد النهضة وحقوق مصر والسودان علينا أن نبدأ باستعراض الاتفاقيات، خاصة وأن الكثير مما كتب فيها جاء مبتورا عن قصد أو غير قصد، فأصبحت الصورة المعروضة أمامنا مشوهة، وأغلبنا لا يعرف حقيقة تلك الاتفاقيات وجذورها التاريخية.

وُقع أول اتفاق في العصر الحديث في روما في 15 أبريل عام 1891 بين قوتي الاستعمار، إيطاليا من جانب والتي كانت تحتل إرتريا، وبريطانيا التي كانت تحتل أغلب دول حوض النيل، واختص ما عرف باسم بروتوكول روما بتحديد مناطق نفوذهما في شرق القارة السمراء، وتعهدت إيطاليا من خلاله بعدم إقامة أية منشآت على نهر عطبرة يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على موارد نهر النيل، ومن المعلوم أن نهر عطبرة يغذي النيل بما يقدر بـ أكثر من 10% من المياه المتوفرة عند نقطة التقائه بالنيل.

وعلى الجانب الآخر وبتوافق مع إيطاليا وقعت بريطانيا في 15 مايو عام 1902 و”منليك” إمبراطور إثيوبيا ومؤسس الإمبراطورية، اتفاقية ترسيم للحدود بين إمبراطورية إثيوبيا والسودان، المستعمرة البريطانية، وبالإضافة لترسيم الحدود الإثيوبية السودانية فقد شملت تلك الاتفاقية تعديلا للحدود الإرترية، والأهم من ذلك كله أنها اشتملت على نص صريح حول سبل استغلال مياه النيل الأزرق وبحيراته وروافده بحيث يُلزم بإخطار بريطانيا ومصر والتشاور معهما قبل أي مشروع من قبل إثيوبيا من شأنه أن يؤثر على تدفق مياه نهر النيل.

وفي 13 ديسمبر عام 1906، وقعت بريطانيا وايطاليا وفرنسا اتفاقاً شاملا يحدد مصالح الدول الثلاث في أثيوبيا ولم يتعارض أو يعدل أي من بنود اتفاق روما الموقع بين بريطانيا وايطاليا في 15 إبريل عام 1891، ولم يسقط ما تم توقيعه عام 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا.

وتلا ذلك وتحديدا في عام 1925 أن تم الاتفاق بين بريطانيا وإيطاليا عبر مجموعة من الخطابات المتبادلة والتي أقرت إيطاليا من خلالها بحقوق مصر والسودان في مياه النيل الأزرق والنيل الأبيض مع تعهدها بعدم القيام بأي مشروعات تؤثر سلباً من كمية المياه المتدفقة للمجرى الرئيس لنهر النيل.

ومن ناحية أخرى فقد كانت كل من بريطانيا وبلجيكا قد وقعتا في لندن في 9 مايو عام 1906 اتفاقية ترسيم الحدود بين بين الكونغو والسودان، والتي نصت على ألا تقوم الحكومة البلجيكية أو حكومة الكونغو بأي أعمال على الأنهار المغذية لبحيرة “ألبرت” ونهر النيل إلا بالاتفاق مع الحكومات البريطانية والسودانية.

وعندما شرعت مصر في دراسة مشروع السد العالي، ويعرف الجميع دور بريطانيا والولايات المتحدة السلبي، قامت مصر بتعزيز موقفها باتفاقية 1959 مع السودان

وبعد إعلان بريطانيا إنهاء الحماية على مصر، الإعلان الذي مثل استقلالا شكليا، سعت الحكومات المصرية لتأكيد حقها في مياه النيل وتشكلت لجان فنية مصرية سودانية بريطانية قامت فيما بين عام 1925 وعام 1929 بدراسة وضع نهر النيل ودراسة الأمور التقنية والقانونية لكل الاتفاقيات الموقعة من قبل بين الدول المتحكمة في القارة السمراء والمتحكمة في حوض النيل وإثيوبيا من جانب وبينها وبين الكونغو من جانب آخر، وخلصت تلك اللجان إلى ما عرف باتفاق مياه النيل عام 1929 والتي تمثلت في خطابات متبادلة بين الحكومة المصرية وحكومة بريطانيا ترتب عليه حقوق لكل من مصر والسودان وهي دول المصب، والتي  تمثلت في هدة نقاط منها:

– ألا تقام، بغير اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية مشروعات لاستغلال المياه في الري أو توليد الطاقة أو أي إجراءات على نهر النيل أو أي من فروعه أو على أي من البحيرات التي ينبع منها، أي إجراء من شأنه إنقاص مقدار المياه التي تصل إلى مصر، أو تعديل تاريخ وصولها أو تخفيض منسوبها على أي وجه يلحق ضررًا بمصالح مصر.

– أقر بموجب تلك الاتفاقية حصة مصر والسودان في ذلك الوقت من المياه المتدفقة بنهر النيل عند آخر نقطة التقاء لفروعه بالأراضي السودانية، والتي قدرت ب 48 مليار متر مكعب لمصر و4 مليارات متر مكعب للسودان.

– وإن لمصر الحق في الاعتراض (حق الفيتو) في حالة إنشاء أي من دول المنبع لمشروعات جديدة على النهر وروافده تمثل تأثير على موارد مصر من المياه.

وعندما شرعت بريطانيا وأوغندا في دراسة مشروع لإنشاء محطة توليد للكهرباء من مساقط شلالات “أوين” الأوغندية، فقد قدم تبادل العديد من الرسائل بين بريطانيا ومصر في الفترة ما بين عام 1949 وعام 1953، وقد نصت تلك الرسائل على عدة أمور هامة منها:

– التأكيد على أن اتفاق 1929 هو اتفاق ملزم لجميع الأطراف.

– التزام أوغندا بأن تشغيل محطة توليد الكهرباء لن يؤثر سلبا على كمية المياه التي تصل إلى مصر.

وقد تم تأكيد ذلك من خلال خطابات تم تبادلها بين مصر وأوغندا في عام‏ 1991 والتي أقرت بمبدأ التعاون بين مصر وأوغندا المستقلة ذات السيادة والتي اعترفت صراحة بسريان التزاماتها الواردة وفقا للرسائل المتبادلة في الفترة ما بين عام 1949 وعام 1953 بهذا الشأن بين بريطانيا، المستعمرة لأوغندا حين ذلك، ومصر في الفترة بين عام 1949 وعام 1953، وهذا ما يسقط الحجج بأن هذه الاتفاقيات وقعت بإرادة استعمارية ولسيت بإرادة مستقلة.

وعندما شرعت مصر في دراسة مشروع السد العالي، ويعرف الجميع دور بريطانيا والولايات المتحدة السلبي، قامت مصر بتعزيز موقفها باتفاقية 1959 مع السودان، والتي مثلت ترتيبات تفصيلية لجميع خطوات بناء السد شمل تخزين المياه واستخدام الفائض خلف الخزان، وإعادة توطين سكان وادي حلفا، ومثلت مرة أخرى تثبيت للاتفاقيات السابقة، فقد:

– أكدت على اتفاق 1929 الملزم لجميع الأطراف.

– ضبط توزيع مياه النيل بين مصر والسودان وتعديل الكميات والتي شهدت زيادة لتصبح حصة السودان 18.5 مليار متر مكعب، وحصة مصر 55.5 مليار متر مكعب

ولم يقتصر أمر الاتفاقات على ذلك، وهناك الكثير مما يقال في الاتفاقيات والتفاهمات الدولية، مثل ما ورد في الدورة العامة لمعهد القانون الدولي والتي عقدت في مدريد عام 1911، وكذلك الإطار العام للتعاون بين مصر وإثيوبيا لعام‏ 1993 ومبادرة 1999 التي شارك فيها جميع دول المنبع والمصب، ثم اتفاقية 2010 التي وقعتها دول المنبع دون دول المصب، ولكني رأيت أنه من الأفضل ارجاء الحديث عنها للمقالات التالية

المصدر : الجزيرة مباشر