اقتصاد الجيش المصري بين الواقع والتصريحات

تتراوح التقديرات حول مدى سيطرة القوات المسلحة على الاقتصاد المصري،  بين 40% وفق تصريحات صحفية لنجيب ساويرس رجل الأعمال المصري في مارس/آذار الماضي،وما بين 45% و60% وفقا لمنظمة الشفافية الدولية، فيما يرى البروفيسور روبرت سبرنجبورج من المعهد الإيطالي للشؤون الخارجية، أنه منذ عام 2013 تحولت القوات المسلحة المصرية من كونها لاعبا كبيرا في الاقتصاد المصري إلى فاعل مهيمن.

لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال أمس السبت إن حجم مشاركة القوات المسلحة في الاقتصاد الوطني لا يتجاوز 2%، رافضا ما يردده البعض من أن الجيش ربما يكون يسيطر على ما يصل إلى 50 % من الاقتصاد، وأضاف السيسي، خلال افتتاح مصنع جديد في شركة كيماوية تابعة للقوات المسلحة أن الجيش يشارك بنسبة من 1.5 إلى 2 % من حجم الاقتصاد المصري الذي يتراوح بين ثلاثة وأربعة تريليون جنيه (بين 160 مليارا و213 مليار دولار)، وهذا يعني أن حجم حصة الجيش في النشاط الاقتصادي يتراوح بين  مليارين و390مليونا إلى 4  مليارات و260 مليون دولار.

دور متعاظم

وقد تعاظم  الدور الاقتصادي للجيش بعد سيطرته على مقاليد الحكم إثر انقلابه على الرئيس ” محمد مرسي ” أول رئيس مدني منتخب في 2013، ففي فبراير 2014 قال اللواء أركان حرب طاهر عبد الله طه، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، أن الهيئة الهندسية نفذت خلال الفترة ما بين أغسطس 2012 وحتى فبراير 2014، 473 مشروعاً إستراتيجيا وخدميا.

وتطور الاقتصاد العسكري المصري إلى ما هو أبعد من الاحتياجات العسكرية ليشمل جميع أنواع المنتجات والخدمات، من المواد الغذائية مثل الطماطم وزيت الزيتون، إلى الإلكترونيات والأجهزة المنزلية، والعقارات، وأعمال البناء والنقل والخدمات، والتوريدات الطبية ولبن الأطفال، كما تمتلك القوات المسلحة المصرية أغلبية أو أقلية الأسهم في العديد من الشركات شبه الحكومية أو الخاصة الأخرى.

طعام المدن الجامعية

بل وامتد الأمر للجامعات إذ كشف الدكتور محمد عثمان نائب رئيس جامعة القاهرة عن قرار الجامعة بالتعاقد مع هيئة القوات المسلحة للإشراف على خدمات الطعام ومطابخ المدن الجامعية لطلاب الجامعة.

المستلزمات الطبية

وفي نهاية يوليو/ تموز الماضي، أرسل المجلس الأعلى للجامعات خطابا بالأمر المباشر إلى نحو 15 جامعة مصرية يطالبهم عبر إشارة عاجلة بوقف جميع المناقصات العامة والممارسات الجديدة والمزايدات علي الأدوية والمستلزمات الطبية تمهيدا للشراء من إدارة الخدمات الطبية التابعة للقوات المسلحة.

الأراضي الصحراوية

وفي 9 يونيو/ حزيران الماضي نشرت الجريدة الرسمية القرار الجمهوري رقم 233 لسنة 2016، والذي خصص أراضي بعمق كيلو مترين على جانبي الطرق التي يتم إنشاؤها أو إصلاحها حاليا، بمختلف أنحاء الجمهورية لوزارة الدفاع، وتعتبر مناطق ذات طبيعة عسكرية.

يذكر أن القوات المسلحة تسيطر على جزء كبير من الأراضي التي تشكل 94% من مساحة مصر، ولديها القدرة أيضًا على بيع هذه الأراضي والحصول على تعويض من خزانة الدولة عندما يُعاد تخصيص المناطق العسكرية لأغراض مدنية، ويسيطر الجيش أيضًا على الأراضي الساحلية (تُصنف رسميا بأنها إقليم حدودي) وبالتالي فهو قادر على الاستفادة من التنمية السياحية لهذه المناطق.

الحديد والإسمنت

وكان اللواء أركان حرب كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، قد كشف في إبريل/ نيسان الماضي أن رأس النظام المصري “السيسي” كلفه بدراسة إقامة مصنع جديد للحديد والصلب، أو الدخول في شراكة مع مستثمرين، وأضاف: أن خبراء الجيش بدأوا بالفعل في عمل تقييم لمصنع الحديد والصلب بحلوان لإعادة الحياة له من جديد وإعادة تأهيله وتشغيله. كما أعلن الوزير إضافة خطين لانتاج شركة العريش للإسمنت المملوكة للجيش لزيادة الطاقة الإنتاجية لها إلى نحو 6 ملايين طن سنويا لمواجهة العمل في الإنشاءات وضمان عدم التوقف لحظة تحت أية ظروف.

كما نشرت الصحف مطلع شهر نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي خبر استحواذ جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة  على 40% من مجموعة “صلب مصر” مقابل 3 مليارات و800 مليون جنيه، ترتفع إلى 82% بعد زيادة رأس المال مقابل سداد مديونية الشركة التى تزيد على 600 مليون دولار، لتصل القيمة الإجمالية للصفقة إلى نحو مليار و135 مليون دولار ضمن خطة الجهاز للوجود فى الصناعات الاستراتيجية.

نفوذ غير مسبوق

كانت دراسة لمعهد “كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط” قد أكدت أن الجيش المصري اكتسب نفوذا غير مسبوق منذ أن أشرف على إطاحة رئيسين مصريين، هما حسني مبارك في العام 2011 ومحمد مرسي في العام 2013 على حد قولها. وأشارت “شانا مارشال” المديرة المساعدة للمعهد، معدة الدراسة التي نُشرت في إبريل الماضي موضوعا بعنوان: “القوات المسلحة المصرية وتجديد الإمبراطورية الاقتصادية”، إلى أنه “مع تهميش أبرز المنافسين السياسيين، والحصول على ما يزيد عن 20 مليار دولار من المساعدات الخليجية ودعم محلي واسع النطاق، بعد اعتلاء عبد الفتاح السيسي منصب الرئاسة، استأنفت القوات المسلحة المصرية عملياتها الصناعية، وضمنت السيطرة على مشاريع البنى التحتية الضخمة، وأدخلت جنرالات إلى مناصب الحكم كافة تقريبا”.

خارج المنافسة

ورغم قول السيسي أمس “المشاريع دي كلها بيتم مراجعتها من (الجهاز) المركزي للمحاسبات، والضرائب الخاصة بهذه المشاريع (تسدد)”، إلا أن القوات المسلحة لا تعمل في بيئة عمل تنافسية، فالمجندون يعملون في مشروعات الجيش بشكل قسري دون الحصول على أجر، ولاتخضع واردات الجيش من الخامات والمعدات والمستلزمات للجمارك، ولا يسدد الجيش أية ضرائب عن أرباحه من المشروعات، وتحصل مشروعاته ومصانعه على الوقود والطاقة مجانا، ولا يسدد أية تأمينات عن أجور العاملين في المشروعات، في الوقت الذي تتحمل فيه الموازنة العامة للدولة قيمة أية خسائر تتكبدها هيئات الجيش، كما يتمتع الجيش بامتيازات كبيرة في العطاءات والمناقصات.

وترى منظمة الشفافية الدولية أن المشاريع التجارية للقوات المسلحة تضر بالاقتصاد الوطني وبقدرة القوات المسلحة على القيام بمهامها الأساسية، كما أن التدخل العسكري في الاقتصاد يؤدي عمومًا إلى أداء سيء .

ووفقًا لمنظمة الشفافية الدولية، فإن انعدام الرقابة السليمة يؤدي إلى الفساد وإهدار المال العام، وهناك تأثير آخر للهيمنة الاقتصادية للقوات المسلحة؛ وهو عدم وجود فرص نمو للشركات الصغيرة والمتوسطة، في ظل أن المقربين فقط هم مَن يمكنهم الفوز بعقود مربحة والتعامل مع نظام التصاريح، وهذا بدوره يؤدي إلى اقتصاد غير رسمي كبير قائم على المقربين، ويترك العديد من المصريين يعيشون في فقر مدقع.

المصدر : الجزيرة مباشر