انتخابات برلمان “الثورة” المصري (2)

جاءت انتخابات مجلس الشعب المصري 2011-2012، كأول انتخابات بعد ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام الرئيس مبارك، وأقيمت على ثلاث مراحل بدأت يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 وحتى11 يناير/كانون الثاني 2012، واكتسبت أهميتها لكون البرلمان المنتخب مع مجلس الشورى هما المنوط بهما اختيار الجمعية التأسيسية لكتابة دستور جديد لمصر.

المناخ السياسي
صدر حكم قضائي بحل الحزب الوطني الديمقراطي في 16 أبريل/نيسان 2011 في أعقاب ثورة 25 يناير، ولجأ أعضاء الحزب لإنشاء عدة أحزاب جديدة للمنافسة على مقاعد البرلمان الجديد، وهو ما أثار قلق العديد من القوي السياسية المصرية لما اعتبروه محاولة لإعادة بناء النظام السابق، فنادى الكثير من الأحزاب والشخصيات السياسية بتطبيق قانون العزل السياسي على من أفسدوا الحياة السياسية من رموز وقادة الحزب الوطني.

البنية التشريعية والنظام الانتخابي
بعد نجاح ثورة 25 يناير تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة أمور الحكم، وقام بطرح تعديلات دستورية صاغتها لجنة مختصة برئاسة المستشار طارق البشري للاستفتاء العام في يوم 19 مارس/آذار 2011، وكانت نتيجة الاستفتاء موافقة 77.2% من أكثر من 18.5 مليون ناخب شاركوا في هذا الاستفتاء، وهدفت هذه التعديلات إلى فتح الطريق لانتخابات تشريعية تليها انتخابات رئاسية بما يسمح للجيش بتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة.
وفى إطار تفعيل النظام الحزبي في مصر، والقضاء على القيود التي أعاقت هذه الغاية لعقود مضت، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 28 مارس 2011 مرسوماً  بقانون رقم (12) لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977، وقد تمثلت أهم التعديلات والأحكام التي تضمنها المرسوم فيما يتعلق بشروط تأسيس واستمرار الأحزاب في: تأسيس الحزب وإنشائه بمجرد الإخطار، مما أثمر عن ظهور أكثر من ستين حزبا سياسيا جديدا، تم تأسيسها عقب الإعلان الرسمي عن القانون.
كما أصدر المجلس إعلانا دستوريا ينظم الانتخابات البرلمانية لتكون بنظام القوائم النسبية على ثلثي المقاعد مقابل النظام الفردي على الثلث المتبقي، ثم عدله ليتيح لمرشحي الأحزاب التنافس على المقاعد الفردية بعد أن كانت مقتصرة على المستقلين فقط، على أن يتألف مجلس الشعب من 498 عضوا، كما يحق لرئيس الجمهورية تعيين 10 أعضاء آخرين بالمجلس.
  وتقرر إجراء الانتخابات على ثلاث مراحل، وسمح بالتصويت ليومين لكل مرحلة، وتمت انتخابات مجلس الشورى بالنظام ذاته من 29 يناير 2012 حتى 11 مارس.
تعرض القانون الجديد للانتقاد من جانب بعض السياسيين، فطالبوا  بأن تتم الانتخابات بنظام القائمة النسبية على جميع مقاعد البرلمان، وإلغاء نسبة الـ50% للعمال والفلاحين بمجلس الشعب، واعترض البعض على المدة الطويلة التي تتم فيها الانتخابات، فيما انتقد آخرون قانون تقسيم الدوائر معتبرين أنه يخدم “فلول النظام السابق”.
وتم إقرار مرسوم يعطي الحق للمصريين بالخارج في التصويت لأول مرة، وسجل أكثر من 350 ألف مصري مغترب بياناتهم على الموقع الرسمي للجنة العليا للانتخابات تمهيدا للإدلاء بأصواتهم.

التحالفات الحزبية
التحالف الديمقراطي: تأسس التحالف الديمقراطي من أجل مصر في يونيو/حزيران 2011 بدعوة من حزبي الوفد والحرية والعدالة، وضم مجموعة من الأحزاب من مختلف التيارات السياسية المصرية، بهدف دعم التوافق الوطني عن طريق التنسيق السياسي والانتخابي بين أحزاب التحالف للوصول لبرلمان قوي خال من “فلول النظام السابق”.
قرر حزب الوفد الانسحاب من التحالف في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2011 وخوض الانتخابات بقائمة منفردة معللا ذلك برغبته في طرح عدد من المرشحين أكبر مما يسمح به اتفاق التحالف؛ ولكنه أكد على استمرار التنسيق السياسي مع أحزاب التحالف، كما انسحب حزب النور من التحالف في سبتمبر/أيلول، ثم انسحبت  أحزاب عدة في أكتوبر 2011 اعتراضا على نسب تمثيلهم في قائمة التحالف الانتخابية، منهم الحزب العربي الديمقراطي الناصري.
استقر التحالف على 11 حزبا هي الحرية والعدالة، والكرامة الناصري، وغد الثورة الليبرالي (مؤسسه أيمن نور)، والعمل الاشتراكي، والجيل الديمقراطي، والإصلاح، والنهضة، والحضارة، والأحرار، والعربي الناصري الاشتراكي.

الكتلة المصرية
أسس 15 حزبا وحركة سياسية الكتلة المصرية في أغسطس/آب، من بينهم حزب المصريين الأحرار والتجمع والمصري الديمقراطي الاجتماعي، وكان أحد أهداف التحالف “الدفاع عن الدولة المدنية”، وأدى ترشيح الكتلة عددا من أعضاء الحزب الوطني المنحل للانتخابات على قوائمها إلى تفجر الأوضاع داخل الكتلة مما دفع مجموعة من أحزاب التحالف للانسحاب، وكان من ضمنهم التحالف الشعبي الاشتراكي والحزب الشيوعي والاشتراكي المصري، ثم تبعهم حزب مصر الحرية للسبب ذاته، كما انسحب حزب الجبهة الديمقراطية الذي فضل خوض الانتخابات منفصلا.
لم يتبقَ بالكتلة المصرية سوى ثلاثة أحزاب هي التي شكلت قوائمه الانتخابية لمجلسي الشعب والشورى على النحو التالي: 50 % للمصريين الأحرار و40 % للمصري الديمقراطي الاجتماعي و10 % للتجمع بعد انسحاب باقي أحزاب الكتلة.

الكتلة الإسلامية
أنشئ تحالف الكتلة الإسلامية في 23 أكتوبر 2011، وضم أحزاب النور والأصالة والبناء والتنمية، والتي توصف بالسلفية، وقد أكد كل من حزبي الأصالة والبناء والتنمية أن “التحالف ليس موجهاً ضد أي تحالف آخر، ويهدف لتحقيق النهضة المصرية على أساس الهوية الإسلامية من خلال مشروع وطني يشارك فيه كل أبناء مصر”.

تحالف الثورة مستمرة
ضم تحالف الثورة مستمرة أحزابا تشكلت بعد الثورة هي التحالف الشعبي الاشتراكي، ومصر الحرية، والتيار المصري، والتحالف المصري، و ائتلاف شباب الثورة، وخاض الانتخابات في 30 دائرة على مستوى الجمهورية تحت شعار “عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية”
تحالفات أخرى
أنشأ حزب العدل “قائمة الطريق الثالث” والذي يهدف أن تكون نواة لـ “التيار الوسطي المصري” لمواجهة الاستقطاب السياسي بين التحالف الديمقراطي والكتلة المصرية، وأنشأ حزب الوسط ائتلافًا بينه وبين حزبي الريادة والنهضة تحت التأسيس تحت مسمى ائتلاف الوسط وهي أحزاب تقول إنها ذات مرجعية إسلامية.
وكانت مجموعة من الأحزاب اليسارية قد شكلت تحالف القوى الاشتراكية من أجل “خلق قوة وهيمنة يسارية أكبر” في مصر بعد الثورة.

النتائج
بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات حوالي 60% وهي نسبة قياسية في تاريخ الانتخابات المصرية، وبلغ عدد الأصوات الصحيحة أكثر من 27مليون صوت، وحصل التحالف الديموقراطي على 238 مقعدا بنسبة 47.2 %، وذلك من إجمالي 498 مقعدا، وقد حصد حزب الحرية والعدالة وحده 218 مقعدا من هذه المقاعد.
أما التحالف الإسلامي فقد حصل على 127 مقعدا بنسبة 24 %، منها 111 مقعدا لحزب النور، و13 مقعدا للبناء والتنمية، وثلاث مقاعد لحزب الأصالة.
ووفقا لتلك النتائج، فقد حصدت الأحزاب الإسلامية مجتمعة أكثر من 70 % من مقاعد برلمان الثورة.
وجاء حزب الوفد في المرتبة الثالثة بعد حصوله على 39 مقعدا بنسبة 8 %، يليه تحالف الكتلة المصرية بحصوله على نحو 34 مقعدا، وحصل حزب الوسط على 10 مقاعد بنسبة 2 % تقريبا، وحصل حزب الإصلاح والتنمية على 8 مقاعد، وحصل تحالف الثورة مستمرة على 7 مقاعد.
كما حصل حزب مصر القومي والحرية على 5 مقاعد لكل منهما، بينما حصل حزب المواطن مصري على 4 مقاعد، وحصل المستقلون الذين خاضوا الانتخابات منفردين على 26 مقعدا، ولم يتمكن 22 حزبا من تجاوز عتبة 0.5% من الأصوات المطلوبة لدخول البرلمان.
وقد قام المشير حسين طنطاوي القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس العسكري بتعيين 10 أعضاء بمجلس الشعب الجديد منهم 4 من الأقباط.

تشكيل المجلس
في اليوم الأول لانعقاده قام المجلس بانتخاب الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة لرئاسة المجلس، وكذلك تم انتخاب وكيلين للمجلس هما أشرف ثابت من حزب النور وعبد العليم داود من حزب الوفد.

حل المجلس
في14 يونيو 2012 قضت المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب بكامله مؤكدة أنه “غير قائم بقوة القانون” بعد الحكم بعدم دستورية قانون الانتخابات، وأكدت في حيثيات حكمها أن” تكوين المجلس بكامله باطل منذ انتخابه، وأن المجلس بالتالي غير قائم بقوة القانون بعد الحكم بعدم دستورية انتخابه دون حاجة إلى اتخاذ أي إجراء آخر”.
وجاء هذا القرار قبل أيام من تسليم السلطة لأول رئيس مدني منتخب في 30 يونيو من الشهر نفسه.
 

المصدر : الجزيرة مباشر