الاتحاد الأوربي يخطب ود تركيا

وزير الخارجية التركي ونظيره في الاتحاد الأوروبي – رويترز

يحاول الاتحاد الأوربي أن يخطب ود تركيا ويلوح ب”جزرة” تحريك ملف انضمام أنقرة للاتحاد مقابل وقف تدفق اللاجئين، رغم تشكيك وزير الخارجية النمساوي سيباستيان كيرز باحتمال انضمام تركيا للفضاء الأوربي، وإقراره بأن إعادة إطلاق المفاوضات هي “بكل صدق” من أجل “أن تساعدنا تركيا كي لا يأتي اللاجئون إلى أوروبا”.

أوربا نادي مسيحي

ما قاله الوزير النمساوي يستدعي إلى الذاكرة تصريحات باب الفاتيكان السابق “بنيدكتيس السادس عشر” الذي رفض بالمطلق انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي واعتبر أن “الاتحاد الأوروبي نادي مسيحي مغلق”، وزاد على ذلك ما كشفته وثيقه نشرها موقع “ويكيليكس” من “أن بنديكتيس السادس عشر يعد من أشد المناهضين لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، خوفًا على الهوية المسيحية لأوربا، في إشارة إلى الدوافع الدينية لرفض انضمام البلد الذي يشكل المسلمون الغالبية الساحقة من سكانه للنادي الأوروبي. وهو الذي كان وراء المحاولة الفاشلة للفاتيكان للإشارة إلى “مسيحية أوربا” في الدستور الأوربي، كما نشر نفس الموقع وثيقه تكشف أن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي رفض انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوربي، لأنه يعارض إدخال أكثر من 70 مليون مسلم إلى الاتحاد.

اتهامات أوروبية لتركيا

ما يريده الغربيون الآن من تركيا هو تعزيز  حدودها مع سوريا لوقف تدفق اللاجئين، ومنع عبور مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وتجفيف تجارة النفط التي تشكل موردا ماليا أساسيا لهذا التنظيم. وهي مواضيع سبق أن ناقشها الوزراء الأوروبيون مع وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، وطالب خلالها وزير الخارجية البلجيكي ديدييه ريندرز أنقرة باتخاذ “اجراءات لمنع نقل المنتجات النفطية إلى الخارج”، ودعا وزير لوكسمبورغ يان اسلبورن تركيا إلى “بذل كل المساعي لوقف تدفق الأموال والأسلحة إلى داعش”، كما دعا وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية هارلم ديزير من جهته أنقرة إلى “ضبط الحدود بين سوريا وتركيا لمنع تنظيم الدولة الإسلامية من استقدام مقاتلين أجانب وتدريبهم ثم إرسالهم إلى بلدان اخرى”، وقالت الولايات المتحدة إن جزءا من الحدود بين تركيا وسوريا، والتي يبلغ طولها 100 كلم لا يزال غير خاضع لمراقبة مشددة.

اتهامات روسية لأروغان

هذه القضايا بالذات تقع في صلب الخلاف الحاد بين موسكو وأنقرة بعد إسقاط المقاتلات التركية لقاذفة روسية تشرين الثاني/نوفمبر، فقد اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتن عائلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالضلوع في تهريب النفط الذي يقوم به تنظيم الدولة الإسلامية خصوصا عبر صهره وابنه، ورد الرئيس التركي على بوتن وطلب منه إثبات ادعاءاته، وقال إنه مستعد للاستقالة من منصبه إذا استطاع إثبات ذلك، وشن هجوما مضادا على بوتن، قائلا إن تهريب نفط تنظيم الدولة الإسلامية يقوم به مواطن روسي من سورية، وهو اتهام مبطن لروسيا بالاتجار بنفط تنظيم الدولة.

قواسم أوربية روسية مشتركة

هذه السياق من الاتهامات الغربية يؤكد وجود قواسم مشتركة في النوايا الروسية والأوروبية والأمريكية ضد تركيا، لأنها تصب في مجرى واحد. ومع هذا يحاول الاتحاد الأوربي فتح فصل جديد في مفاوضات انضمام تركيا، عبر تقديم “خطة عمل” لاحتواء تدفق المهاجرين غير المسبوق إلى الاتحاد الأوروبي. ومن المقرر ان يفتح الأوربيون مع أنقرة الفصل 17 الذي يتعلق بالسياسة الاقتصادية والنقدية. وقال المفوض الأوربي للتوسيع جوهانس هان “إنه الوقت المناسب” معتبرا “أن البراغماتية ليست أمرا سيئا في مجال العلاقات مع الجوار”.

فتح ملف الانضمام

وإلى الآن تم فتح 14 فصلا من أصل 35، لكن المحادثات توقفت طوال سنوات. وفي تقريرها الأخير لم توفر بروكسل انتقاداتها حول انتهاكات حرية التعبير او استقلالية القضاء في تركيا. ويعد المفوض الأوروبي للتوسيع للربيع المقبل تقييما لمجالات أخرى قد تشملها مفاوضات الانضمام وخصوصا دولة القانون والطاقة والتعليم والشؤون الخارجية، حتى وان استبعدت المفوضية أي توسيع جديد قبل العام 2020.

تبدلات أوربية تكتيكية

صحيح أن هناك بعض التبدلات في المواقف الأوروبية تجاه تركيا، لكنها تبدلات تكتيكية وليست استراتيجية، رغم تغير المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل -التي كانت تعارض فكرة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي -رأيها حول هذا الموضوع عندما  زارت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أوج أزمة المهاجرين. وتعهد الاتحاد الأوروبي بمساعدة الحكومة التركية بثلاثة مليارات يورو لتحسين ظروف استقبال اللاجئين السوريين والعراقيين على الأراضي التركية وتعزيز الدوريات في بحر إيجه وإعادة المهاجرين غير الشرعيين لأسباب اقتصادية.

علاقات ضرورية للجميع

هذه  التطورات دفعت وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إلى القول: “أعتقد أننا جميعا ندرك  الآن بشكل أفضل أن العلاقات الوثيقة والإيجابية بين تركيا والاتحاد الأوروبي أمر ضروري  للمنطقة ككل”.  وهو ما وجد صدى لدى يوهانس هان المفوض الأوربي لشئون توسيع العضوية الذي صرح أن “تركيا لديها رغبة هائلة في التعاون معنا، ولدينا رغبة في تعاون وثيق وحكيم مع تركيا، أن الوضع مناسب جدا في الوقت الحالي لإحراز خطوات نحو الأمام  في المفاوضات”.

فصل جديد من العلاقات

وكانت الدول الثمان والعشرون الأعضاء بالاتحاد الأوروبي قد اتفقت خلال القمة الأوربية الطارئة أواخر تشرين ثان/نوفمبر الماضي على فتح فصل  جديد من المفاوضات مع تركيا وذلك على خلفية خطة لضمان تحسين التعاون مع  أنقرة بشأن احتواء أزمة اللاجئين حيث تعهدت حكومة أنقرة خلال المباحثات  بتحسين إجراءات حماية الحدود التركية مع أووبا. يشار إلى أن تركيا مرشحة رسميا منذ عام 1999 للانضمام للاتحاد الأوربي،  وتجري مفاوضات بين الجانبين بهذا الشأن منذ عام 2005