مفكّر الحركة الأسيرة يواجه “سرطانَين”.. لماذا يستهدف الاحتلال وليد دقة المعتقل منذ 38 سنة؟

يحارب الأسير الفلسطيني وليد دقة (62 عامًا) وهو يدخل عامه الـ38 في سجون إسرائيل -قبل موعد تحرره في مارس/ آذار 2025- سرطانًا نادرًا أصابه مؤخرًا بالإضافة إلى “سرطان” الاحتلال الذي اختطف شبابه وحريته منذ عام 1986.

لجأت عائلة وليد دقة -أبرز مفكري الحركة الأسيرة- إلى السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس ومنظمة التحرير، برسالة تطالب فيها بالتحرك الفوري لإنقاذ حياته وهو يصارع الموت في مستشفيات سجون الاحتلال مع دخول حالته الصحية مرحلة الخطر الشديد.

وتتعمد سلطة الاحتلال التنكيل بالأسير حتى في علاجه المزعوم، إذ تُكبده -وفق العائلة- عناء التنقل بين عيادة سجن الرملة التي يلقّبها الأسرى بالمَسلَخ وهي غير مجهزة لاستقبال الحالات الخطيرة، وبين مستشفيات وسط فلسطين المحتلة وجنوبها.

لماذا يستهدفه الاحتلال؟

يستهدف الاحتلال دقة بشكل خاص لكونه مفكّر الحركة الأسيرة وأديبها وأبرز كتابها، فقد أغنى دقة من فِكره وخلاصة تجربته الثورية وحراكه الثقافي في سجون الاحتلال مكتبة المقاومة بالعديد من الإصدارات النضالية والفكرية والأدبية، أبرزها “يوميات المقاومة في مخيم جنين 2002″ و”صهر الوعي أو إعادة تعريف التعذيب” و”حكاية سر الزيت” و”حكاية سر السيف”.

كما ألّف دقة مسرحية “حكاية المنسيين في الزمن الموازي” عام 2011، التي ما زالت في تصنيف المخطوطة إلى جانب رواية قصيرة كتبها بـ”العبرية”.

وكتب الأسير ونشر من داخل سجون الاحتلال مئات المقالات والرسائل والتحليلات والاستنتاجات لصحف ومجلات محلية وعربية وعبرية ودولية، وساهم معرفيًّا في فهم تجربة السجن ومقاومتها.

في كتابه “صهر الوعي أو إعادة تعريف التعذيب” يتحدث باستفاضة عن إضراب عام 2004، الذي استعدت حكومة أرييل شارون له ودفعت نحوه، باستفزاز الأسرى بعدة إجراءات وتدابير قمعية وتغييرات مست حياة الأسرى وما عايشوه قبل ذلك.

وفي كتابه، يفكك دقة عقلية السجان، التي راكمت عبر عشرات السنوات أدوات تعذيب جسدية ومعنوية، هدفها “تحويل الأسير الفلسطيني من ذات فاعلة لها شخصيتها واقتناعاتها، إلى موضوع سلبي ومتلق يعتمد بالأساس على حاجات مادية يتلقاها وفقا لإرادة السجان، فتتحول بالتدريج إلى جوهر حياته واهتمامه اليومي، بحيث لا يدرك واقعه أو يفكر في مصيره ومصير رفاقه”.

حب خلف القضبان

ويعد دقة أحد الأسرى القدامى المعتقلين قبل توقيع اتفاق أوسلو، وعددهم 24 أسيرًا، بعد الإفراج في يناير/ كانون الثاني الماضي عن أقدمهم وهما المحرران كريم يونس، وماهر يونس.

اعتُقل دقة في مارس/ آذار 1986 مع مجموعة من رفاقه بتهمة خطف الجندي موشي بن تمام وقتله، لمبادلته بأسرى في سجون الاحتلال. وصدر عليه حكم بالسجن المؤبد، جرى تحديده لاحقًا بـ37 عامًا، وأُضف عام 2018 إلى حُكمه عامين ليصبح 39 عامًا. وأنهى وليد فترة أسره في 24 مارس الماضي، ولم تشمل صفقات تبادل الأسرى والإفراج عنهم اسمه.

تزوج وليد من المناضلة والإعلامية سناء سلامة سنة 1999، بعد أن زارته في سجن عسقلان لنقل معاناة الأسرى الفلسطينيين، ورغم عدة التماسات لم تسمح سلطات الاحتلال للزوجين بالإنجاب، ليُرزقا في فبراير/ شباط 2020 بطفلتهما “ميلاد” عبر نطفة محررة.

لقاء “ميلاد”

التقت ميلاد والدها في أبريل/ نيسان الماضي، ونقلت سناء المشهد قائلة “كان السجن بأكمله في حالة توتر وترقب، كل الأسرى أرادوا أن يكونوا في غرفة الزيارة كي يروا المشهد؛ مشهد استقبال وليد لابنته”.

وتابعت “طلب منّي وليد وقتها أن تدخل ميلاد إلى غرفة الزيارة وهي تمشي على قدميها دون أن أحملها، قال لي يومها “أريد أن أراها بالكامل، دعيها تدخل على رجليها وأنا سأكون في غرفة الزيارة بين اثنين من الأسرى، اسأليها (وين بابا) وأريدها أن تؤشر علي”.

قالت سناء إن وليد أراد الشعور بأن ابنته تعرفه، وتابعت “اتبعت وصية وليد، وفعلًا دخلت ميلاد إلى غرفة الزيارة مشيًا، ولكن من لم يكن واقفًا على قدميه ومن كان يبكي كان وليد. كل الأسرى في غرفة الزيارة كانوا يبكون”.

تنكيل بعد تنكيل

تنهج سلطة الاحتلال مع وليد وغيره من الأسرى المرضى القابعين في براثن سجونها، سياسة القتل البطيء، وقد وصلت حالة وليد إلى استئصال معظم رئته اليمنى وتلف في المعدة وقصور في القلب وأجهزة الجسم الحيوية منذ 12 أبريل/ نيسان الماضي.

أصيب وليد في ديسمبر/ كانون الأول 2022 بمرض التليف النقوي، وهو سرطان نادر يصيب نخاع العظم، ونجم عن سرطان الدم اللوكيميا الذي شُخّص به عام 2015.

وفي ديسمبر/ كانون الأول، قدّم الأسير زكريا الزبيدي عضو المجلس الثوري لحركة “فتح” وأحد أسرى عملية نفق الحرية (الهروب الكبير من سجن جلبوع)،  طلبًا مستعجلًا إلى إدارة سجون الاحتلال للتبرع بنخاعه العظمي لوليد دقة.

وقفات تضامن وعاصفة إلكترونية

وانطلقت الأسبوع الماضي حملة إلكترونية من أجل وليد دقة، وخلف القضبان، أطلق أسرى سجن “نفحة” الإسرائيلي حملة لنصرة الأسرى المرضى، وعلى رأسهم الأسير وليد دقة المصاب بسرطان نادر في نخاع العظم، تحمل شعار “إن لم تنقذونا فالموت خيارنا الوحيد”.

ويشارك مئات الفلسطينيين كل أسبوع في وقفات تضامنية مع الأسير وليد دقة، وعاصف الرفاعي المريض بالسرطان أيضًا، للمطالبة بإنقاذ حياتهما والإفراج الفوري عنهما. وتعد حالتاهما “الأصعب” في سجون الاحتلال.

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر + وكالة الأنباء الفلسطينية