حلاوة الكتابة

منذ أزيد من سنة، وبالضبط منذ وفاة أخي حمزة رحمه الله؛ فقدت الرغبة في الكتابة، تلك الرغبة الكبيرة في التعبير عن أفكاري، ومعتقداتي؛ تطلعات قضاياي التي أتابعها وأدافع عنها بشدة.

الكتابة تلك العادة الجميلة التي تشعرني حقا بأني أعيش بروح حالمة، وعقل متزن، وقلب شغوف. شيء ما انطفئ عندما توقفت عن ممارسة طقوسها اليومية…

بالنسبة لي الكتابة ليست مُجرد حِبر يُنَفَّذ على ورق، وليست حروفا تُكتب فقط بل هي روحِي على هيئة كلمات مطوية بين ثنايا ورق. هي بمثابة صديق مقرب يُشاركني تفاصيلي، خلجاتي؛ غضبي، فرحي مشاعري، أفكاري التي قد يخونني لسانِي في التعبير عنها.

أوافق رضوى عاشور الرأي عندما قالت: “أكتب لأنني أحب الكتابة وأحب الكتابة، لأن الحياة تستوقفني، تُدهشني، تشغلني، تستوعبني، تُربكني وتُخيفني وأنا مولعةٌ بها”.

حاجة ملحة

انقطعت عن الكتابة أزيد من سنة وذلك لأنني لم أستطع البوح بمشاعر قاسية تراودني، وأنا التي أتحرى الصدق في كلماتي؛ فهي بالنسبة لي هروب من واقع مر معيش إلى عالم زكي أكثر فرحا وإقبالا على الحياة هدفي الأساسي منها هو قهر اليأس وتجديد طاقة الأمل…

أكتب لتبقى نوافذ أحلامي مشرعة، لتجتث من صدري الكدر والضيق…

أكتب لأشفَى لأنّ حاجةً مُلحّةً في أعماقي تدفعني إلى ذلك، بالنسبة لي القلم إكسير الحياة، والحروف أرواحٌ جديدة، والورق إغراء مستمر، وكلّ لحظات اللّقاء مع الورقة والقلم بالنسبة لي هي متعة لا توصف تحملني إلى عالم آخر، أقل قسوة وأكثر رحابة.

أكتب لأن أول ما نزل من وحي على رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) سورة العلق وجاء فيها “اَلَّذِي عَلَم بِالْقَلَمِ” القلم، تلك الأداة السحرية ذات التأثير الفتاك..

أكتب لأن مزج الألوان ببعضها يشكّل لونا جديدا، وكذلك رصف الحروف والكلمات وتبديلها يعطي معنى مختلفا ورونقا لأفكار متزاحمة تشتاق لأن تعانق الحرية.

أكتب لأنني أحب المنفلوطي، ومصطفى محمود، وعباس محمود العقاد، وكل النخبة مع حفظ الألقاب، لأنني أحب ليو تولستوي، ونابوكوف، ودستوفسكي، وكافكا، وكل من حمل هم توصيل رسالة، للدفاع عن قضية ما، أو توصيل فكرة ما.

أكتب لكي أتحرر من القيود وأكسر الحدود الزمانية والمكانية، أكتب لأرتقى بذاتي لأنشر ما يجود به خاطري من كلمات، منبعها القلب، ووجهتها أسماع وأنظار المحبين.

يقول الجاحظ: “يذهب الحكيم وتبقى كتبه، ويذهب العقل ويبقى أثره”، ومن هنا تتجلى أهمية الكتابة، ومن جميل الكتابة اختصارها هذا الشمول، فكمْ من عقل مفكر يعيش معنا ولا نعرفه، يضعنا على ضفاف السلام في دنيا تنشدُ الحرب، وكمْ من واصفٍ لامسنا معنى وصفهِ بترتيب أحرفه.

الكتابة عالم كبير يطوي داخله العالم أجمع، يحتضن الكثير من المشاعر النقية، والأحاسيس الرائعة، ورغبَة كبيرة في البوح العَذب الذي قد لا يفهَمه بشَر.