السقوط من الحلم

تحلم الفتاة بفارسها النبيل على حصانه الأبيض، يدخلها بيديه الى جنة من الحب، ينعمان فيها و ينجبان البنين والبنات ويعيشان سعادة أبدية.

بعد الزفاف وانقضاء شهرٍ أو أكثر، تفيق العروس المسكينة على واقع ظنته سيخطئها، فها هي حماتها ترغي وتزبد على أي فعل مقصود أو غير مقصود، وه‍ا هو زوجها يبدأ في التكشير عن أنيابه و يطالبها بخدمة أسرته وطاعتهم، وها هن سلفاتها قد دبرن المكائد و كدن الدسائس، وأخوات زوجها قد جلسن رجلاً فوق أخرى يأمرنها بما شئن وينهينا عما كرهن، وقد تسمع  إهانات من هنا ولمزات من هناك، لتجد الزوجة المسكينة نفسها في معركة لم تتوقعها، وفي وسط قبيلة تآمرت عليها، فإما أن تذعن وتسير المركب كما يقولون، أو تأبى فيكون الطلاق.

يتكرر هذا المشهد كثيراً في المثير من البيوتات العربية، وربما كان هذا المشهد بسيط معتاد، فهناك ما زاد وصاحبه مشاكل أخرى قد تصل للعنف أحياناً وهناك ما خفي ولم يعلمه إلا اللطيف الخبير.

أعتقد أن ذلك يعزى إلى سوء فهم مسألة بر الوالدين وعلاقة ذلك بالزوجات

ومما يحضرني أنني مع تأملي منذ زمن بعيد للمجتمع من حولي قد لاحظت دائرة خفية متوارثة من الظلم ربما هي ما تشحن النفوس وتجعل التنفيس في الاتجاهات الخاطئة غالباً، فمما لاحظته أن الزوجة عندما تذهب في زيارة لمنزل والديها -طالت أو قصرت- فهي تأمر وتنهى زوجات إخوانها، وتفعل ما تشاء، وعندما تعود لبيتها فأخت زوجها تفعل بها ذات الشيء، وتظل الدائرة تدور كل يظلم الآخر، وكأن مكانة أخت الزوج مكانة شرفية تمنحها حقوقاً وسلطة مطلقة!

والأدهى، أن هذه الزوجة المغلوبة على أمرها، عندما تصبح يوماً ما حماة، فإنها تتفنن في إذاقة كنتها من نفس الكأس الذي تجرعته عقوداً عديدة أو حتى سنوات قليلة، وكأن فرصتها في الانتقام قد حانت فلتفعل ما تشاء!

لكن بإلقاء نظرة على الأزواج، فما هو السبب الذي يدفعهم إلى إرغام زوجاتهم على خدمة أهاليهم و طاعتهم؟!

اعتقد أن ذلك يعزى إلى سوء فهم مسألة بر الوالدين وعلاقة ذلك بالزوجات، فبر الوالدين وبر الأم خاصةً لا يشترط حدوثه مع ظلم الزوجة، فالزوج ليس بطلاً عندما يظلم زوجته أو يأتي على حقوقها أو وقتها أو صحتها من أجل أن يبر والدته، بل عليه أن يعلم طاقة زوجته وحدود إمكانياتها وطاقتها وليرفق بها، ويضع أخته مكانها، فهل كان سيرضى لها ما يفعله لزوجته؟

ومن المثير للدهشة أن كثيراً من الفتاوى لا تلزم الزوجة بخدمة أهل زوجها، بل إن الدين أنصفها وجعل ما قدرت عليه أو عملته بطيب خاطر هو من باب البر بزوجها والإحسان لأهله، فلمَ يُطالب المجتمع -في غالبه- الزوجة بما لم يوجبه عليها الشرع الحنيف، بل وجعل ذلك سبباً في كثير من الأحيان لهدم بيتها وضياع أولادها وظلمات كثيرة لا تطاق؟!

خلاصة القول: إن راحتنا في حديثِ نبوي كريم

وعلى النقيض من هذا المثال على انتشاره، هناك مثال آخر لكنه أقل انتشاراً وهو الزوجة المتسلطة والسيئة والتي تعامل أهل زوجها معاملة عديمة الاحترام، أو تقاطعهم بلا سبب، أو تؤلب زوجها عليهم، وهذا التأليب لا يكون في غالب الأحيان بالصراخ والإجبار بل بقوى ناعمة كالبكاء والدلال والتمسكن، وقد تبين لي أن المسكنة فن وعلم له شيوخه وطرائقه وغالباً تتحقق أهدافها المرجوة، لكن حبل الكذب قصير كما يقولون، فلاحقاً تسقط الأقنعة وتنكشف الوجوه القبيحة!

وبالتأكيد فالمشاكل الزوجية كثيرة ومتشعبة ولا يمكن تناولها في مقال واحد، لكن فقط أحببت تسليط بعض الضوء على أكثرها شيوعاً في عجالة واختصار.

خلاصة القول إن راحتنا في حديثِ نبوي كريم -إن اتخذناه قاعدة في معاملاتنا- فعن أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي الكريم قال (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) رواه البخاري ومسلم.

فنحن سنحب الخير للآخرين كما نحبه لأنفسنا، وسنضعهم في نفس المواقف التي نتعرض لها فيستيقظ ضميرنا فلا نظلم ولا نقهر، ونبذل لهم كما نحب البذل لأنفسنا، وستصبح العلاقات جميلة مليئة بالاحترام والود والتحاب .

فلنتقي الله في أنفسنا جميعاً ولنعرف حقوقنا وواجباتنا جيداً ولا نلزم الآخرين بما لم يوجبه الله عليهم، ولنحترم ذلك الميثاق الغليظ بين الزوج وزوجته، فهو ليس ألعوبة في يد العائلة بكاملها، بل هو شيء خاص جداً وسامٍ بين الزوجين، وإن لهذا الميثاق الغليظ مكانته في الإسلام لأنه نواة المجتمع المسلم ومن البيت المتزن ينبت أطفال متعافون نفسياً وصحياً، يصبحون رجالاً ونساءً صالحين نافعين لمجتمعهم وأمتهم.