كان عامًا مليئًا بـ “البث المنزلي”

البث المنزلي

مشهد أول:

مصباح بارز يوشك على الصراخ من فرط لونه الأحمر القاني مكتوب عليه بحروف لاتينية بارزة On Air يرشدك أن نهاية المساحة الشخصية هنا، وبمجرد عبورك هذه النقطة كل شيء مسجل. كل كلمة محسوبة وربما كل نفَسٍ أيضًا، خاصة مع بريق الإضاءات ولمعة عدسات كاميرات الاستديو حولك. هناك من يهتم بحجم اللقطة، الإضاءة والقارئ الآلي، فتخرج الصورة للمشاهد متناهية الدقة تكاد تخلو من العيوب.

مع بداية انتشار كورونا مطلع ٢٠٢٠ وتماهي العالم مع متطلبات الوقاية منها، العزل المنزلي لم يكن خيارًا. الصحفي بشري في النهاية ويصاب بالفيروسات مثل غيره. إدارة قناة الجزيرة مباشر قررت أن تنقل القناة إلى المنازل، مع مقدمي البرامج، غرفة الأخبار، الإعداد، إنتاج المقابلات، والتخطيط بالإضافة إلى ما كان يسمى “الإعلام الجديد” والذي لم يعد جديدًا على أي حال، أزعم أن عمل هذه الأقسام من المنزل كان أقل صعوبة من خطوة بث “المذيع” من منزله.

مشهد ثان:

إنذار أعلى يمين الشاشة باللون البنفسجي “بث منزلي” يعتبر بعضهم هذه العبارة قنبلة موقوتة، احترس قد ينقطع الانترنت فجأة فتتجمد صورة المذيع ويختفي صوته، احترس قد يتأخر الصوت لثوان عند وجود الضيف، ونعتذر مسبقًا عن أي خلل في الإضاءة وجودة الصورة بالتأكيد، هذه هي الصورة الظاهرة للعيان عن العمل من المنزل للمذيع، ولكن ماذا عن تفصيلاتها؟

حسب تقرير نشرته صحيفة بريطانية مغمورة  فإن المشاهد يميل أكثر إلى متابعة مذيع يعمل من المنزل عن مذيع يعمل من الاستديو

كاميرا هاتف أمامه، وكشاف إضاءة أو اثنان حسب قوة الإضاءة في منزله، لون الحائط أيضًا قد يلعب دورًا في الإساءة للصورة نتيجة انعكاس الإضاءة البيضاء عليه، لنعد للمشهد، يجب أن يكون المذيع قريبًا من الهاتف لحاجته لقراءة بعض النصوص من القارئ الآلي الذي ويا للأسف خطه لا يكاد يُرى، فالقارئ الآلي هو (جهاز كمبيوتر صغير) مثبت على (حامل مصحف يشبه المستخدم في المساجد) مختبئ خلف الهاتف.  يهتم المذيع بكل هذه التفاصيل في آن واحد، يحاول صب تركيزه على القراءة، بينما يفكر في الإضاءة، وزاوية التصوير ويشغل باله بالإنترنت ويحرك القارئ الآلي إلى جانب متابعته حوار الضيف، بعد أن كان يقرأ فقط في الاستديو، ورغم كل الجهود المبذولة لا تضاهي الصورة النهائية جودة “المشهد الأول”.

حسب تقرير نشرته صحيفة بريطانية مغمورة  فإن المشاهد يميل أكثر إلى متابعة مذيع يعمل من المنزل عن مذيع يعمل من الاستديو، أتفهم رؤية هذا المشاهد هو يشعر أنه بضيافة هذا المذيع شخصيًا، يشاهد ديكور منزله، تلفازه، نباتاته وربما عناوين بعضًا من كتبه المفضلة كذلك، ورغم أن الصورة لن تكون أبدًا مثالية للأسباب المذكورة أعلاه إلا أنه يشعر أنه أقرب للمذيع (الإنسان) في منزله وليس في المكان المثالي الخالي من العيوب (الاستديو)، الغريب أن المشاهد ربما يستطيع أن يزور المذيع في بيته في حالة البث المنزلي، ولكن لا يستطيع أن يزور أصدقاءه أو أقاربه التزامًا بإرشادات الوقاية من كورونا.
العالم فوضوي أليس كذلك؟!