فائض التجارة الخدمية التركية في المركز السادس دوليا

تنوع السياحة التركية

حققت التجارة الخدمية التركية العام الماضي أرقاما غير مسبوقة تاريخيا، لتصل قيمتها إلى 131 مليار دولار، بين صادرات خدمية بلغت 90.5 مليار دولار وواردات خدمية 40.4 مليار دولار.

وتختلف التجارة الخدمية عن التجارة السلعية التي تتم على سلع يمكن وزنها أو قياسها، إذ تُعنى التجارة الخدمية بأنشطة مثل السياحة والنقل والخدمات الصحية والتعليمية، والمالية والتأمينية والثقافية والبيئية والترفيهية والرياضية، والتشييد والبناء والاستشارات القانونية والمحاسبية والهندسية.

ومنذ عام 1978 -أي منذ 45 عاما- والتجارة الخدمية التركية تحقق فائضا بلا انقطاع، ليصل الفائض إلى 50 مليار دولار العام الماضي، محتلًّا بذلك المركز السادس بين دول العالم من حيث الفائض الخدمي، بعد الولايات المتحدة وإنجلترا وإسبانيا والإمارات العربية وفرنسا، في حين ظهر عجز في ميزان دول كبرى الخدمي في نفس العام تتقدمها ألمانيا واليابان والصين والبرازيل.

وباستعراض مكونات الصادرات الخدمية التركية العام الماضي نجدها تتوزع بين: 41.4 مليار دولار من السياحة، و36.7 مليار دولار من خدمات النقل بأنواعها البحرية والبرية والجوية، و2.6 مليار دولار لخدمات الاتصالات والمعلومات، و1.8 مليار دولار لخدمات الصيانة والإصلاح، و1.8 مليار لخدمات التأمين والمعاشات، و732 مليون دولار للخدمات المالية، و527 مليون للخدمات الشخصية والثقافية والترفيهية خاصة الأفلام والمسلسلات التركية، و488 مليون دولار لخدمات التشييد والبناء، و393 مليون دولار للخدمات الحكومية، و234 مليون لرسوم الانتفاع بالملكية الفكرية، و290 مليون لخدمات تجارية لمدخلات مملوكة للغير، و3.5 مليارات دولار لخدمات أعمال أخرى.

عجز بالخدمات المالية والاتصالات

وبالطبع كانت هناك مدفوعات للخارج لكل أنماط التجارة الخدمية الاثني عشر، تصدرتها خدمات النقل بأنواعها بقيمة حوالي 18 مليار دولار، وسياحة الأتراك بالخارج بقيمة 4 مليارات دولار، لكن كلا من الميزان السياحي وخدمات النقل والسفر حقق فائضا، ونفس الأمر في خدمات الإصلاح والصيانة والتشييد والبناء والخدمات الترفيهية، بينما حققت خدمات أخرى عجزا منها الخدمات المالية والتأمينية، والاتصالات والمعلومات ورسوم الانتفاع بالملكية الفكرية والحكومية.

لكن كبر حجم فوائض السياحة البالغة 37 مليار دولار، وفوائض خدمات النقل البالغة 19 مليار دولار جعل الميزان الكلي للخدمات يحقق فائضا، وهو أمر معتاد منذ عقود حيث تحتل السياحة التركية التي استقبلت 51 مليون سائح العام الماضي، مكانا متميزا بين دول العالم حين احتلت المركز الرابع بين دول العالم، من حيث عدد السياح الواصلين العام الماضي بعد فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة.

وهو نفس المركز الذي شغلته قبل ذلك بعام، بعد أن كانت في المركز السادس عام كورونا والمركز الخامس العام السابق له، مع تنوع المنتج السياحي بين المناطق الشاطئية ببلد يقع على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود وبحر إيجه وبحر مرمرة.

كما توجد فيه الآثار الإسلامية والمسيحية والمتاحف والمتنزهات والأسواق، والمراكز الطبية المتقدمة والجامعات، ويجمع أيضا بين سياحة المشتريات والمؤتمرات، حيث تتنافس مناطق إسطنبول وأنطاليا وأدرنا وموغلا وأزمير وغيرها على استقبال السياح، وتلعب الأفلام والمسلسلات التركية دورا بارزا في إظهار جمال الطبيعة التركية سواء بالسهول أو الجبال أو البحار، وكانت النتيجة وجود فائض بالميزان السياحي منذ عام 1984 وحتى الآن.

     أنطاليا تستقطب ثلث السياح

وتنافس ولاية أنطاليا في جنوب البلاد على البحر المتوسط، ولاية إسطنبول العاصمة التاريخية في استقطاب عدد مقارب لما تستقبله من سياح، حيث تستقطب كل منهما حوالي ثلث السياح الواصلين، بسبب شواطئها الشهيرة مثل كليوباترا وقونيا لطي ولارا، وما من رياضيات مائية وألعاب وبطولات رياضية دولية، وسياحة دينية بما فيها من مساجد وكنائس، وسياحة ثقافية بما فيها من مواقع أثرية ومتاحف حيث يوجد بها 11 متحفا، وسياحة جبلية وتخييم ومؤتمرات، ولهذا تستمر السياحة بها في الفصول الأربعة حتى أصبحت من أكثر المدن زيارة بالعالم.

كما تضع منظمة التجارة العالمية تركيا ضمن الدول الأولى في صادرات خدمات النقل، وهو أمر يرتبط بربطها بين البحر الأسود والبحر المتوسط، من خلال مضيق البوسفور الذي يربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، ومضيق الدردنيل الذي يربط بين بحر مرمرة وبين بحر إيجه شمال البحر الأبيض المتوسط، وكانت النتيجة وجود فائض بميزان خدمات النقل منذ عام 1984 وحتى الآن عدا أربع سنوات فقط كان آخرها عام 2007.

       فائض خدمي وعجز تجاري سلعي

ويمثل الفائض الذي تحققه التجارة الخدمية التركية منقذا ومعوضا لجانب من العجز بالتجارة السلعية، الموجود منذ عقود بسبب تدني نسب الاكتفاء الذاتي من النفط والغاز الطبيعي والفحم، واستيراد كميات كبيرة منها لبلد يبلغ سكانه 85 مليون نسمة، إلى جانب استيراد المواد الخام والسلع الوسيطة.

ورغم استمرار الفائض التجاري الخدمي فإن الإيرادات الخدمية تتأثر بالمتغيرات الدولية، حيث تراجعت الإيرادات السياحية خلال سنتي 2015 و2016 مع حادث إسقاط الطائرة الروسية أواخر عام 2015 على الحدود السورية، ومنع روسيا إرسال سياحها حينذاك الذين يمثلون نسبة كبيرة من إجمالي السياح الواصلين، ووقوع عدد من العمليات الإرهابية خلال هاذين العامين.

كما تراجعت الإيرادات السياحية بشدة خلال عام 2020 مع ظهور وباء كورونا، إلا أنه خلال تلك السنوات استمر الفائض السياحي ولكن انخفضت أرقامه كثيرا، وهو ما تكرر مع إيرادات خدمات النقل التي انخفضت عام وباء كورونا، ويتوقع أن تنعكس سياحة “صفر مشاكل” التي تتبعها الحكومة مؤخرا على زيادة عدد السياح الواصلين، خاصة من الدول الخليجية الأكثر إنفاقا وإقامة مقارنة بالسياحة الأوربية الأكثر عددا، كما يتوقع أن يكون للانتخابات الديمقراطية التي جرت مؤخرا أثرها الإيجابي على الصورة الذهنية لتركيا بالخارج مما يفيد السياحة وكثيرا من الأنشطة الخدمية.

وإذا كانت الصادرات الخدمية التركية التي توفر الكثير من فرص العمل ببلد تبلغ به نسبة البطالة 10%، قد جاءت في المركز الثالث والعشرين دوليا العام الماضي، وجاءت الواردات الخدمية في المركز الرابع والثلاثين دوليا، فقد احتلت التجارة الخدمية التركية المركز الرابع والعشرين دوليا، مقابل احتلال التجارة السلعية التركية المركز السادس والعشرين دوليا العام الماضي.

وهو ما يشير أيضا إلى تعدد مصادر النقد الأجنبي بالاقتصاد التركي، من صادرات سلعية وخدمية واستثمارات مباشرة واستثمارات غير مباشرة -حافظة- سواء بأدوات الدين الحكومي أو بالأسهم والسندات التركية، إلى جانب تحويلات العمالة التركية بالخارج، الأمر الذي يطمئن إلى إمكانية عودة الاستقرار لليرة التركية في المستقبل القريب، رغم استفادة السياحة والخدمات والاستثمار الأجنبي من ضعف الليرة الحالي.

المصدر : الجزيرة مباشر