العوامل المحلية تتسبب في زيادة عجز الموازنة المصرية

 

أشارت بيانات وزارة المالية المصرية عن أداء الموازنة خلال النصف الأول، من العام المالي الحالي 2022/2023 الذي ينتهي آخر يونيو/حزيران القادم، إلى إخفاق الموازنة في تحقيق مستهدفاتها التي أعلنت عنها في قانون الموازنة، سواء في الإيرادات أو بالمصروفات مما ترتب عليه زيادة العجز الكلي عما كان مقدرًا له.

وحاولت وزارة المالية إرجاع السبب إلى الحرب الروسية الأوكرانية وتعثر خطوط الإمداد للسلع، لكن الأسباب المحلية كانت تمثل السبب الأكبر وراء زيادة العجز بالموازنة، بداية من رفع سعر الفائدة إلى انخفاض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، وتراجع إيرادات بعض الهيئات الاقتصادية التي كانت تتجه للموازنة.

وتحمل وزارة المالية خسائر البنك المركزي بسبب خسائر فروق العملة، وأعباء فض التشابكات المالية القديمة خاصة بين وزارتي البترول والكهرباء مع الخزانة العامة والوزارات الأخرى ومديونية بنك الاستثمار القومي، والمبالغ المخصومة على حسابات وزارة المالية نتيجة ضمانها لبعض الجهات.

وبلغت إيرادات الموازنة خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 573 مليار جنيه بنسبة انخفاض 25% عما كان مُقدرًا لها، نتيجة انخفاض حصيلة الضرائب بنسبة 21%، حيث شمل التراجع حصيلة ضريبة المرتبات المحلية وضريبة النشاط التجاري والصناعي.

والضريبة على أرباح الشركات وضريبة القيمة المضافة على البضائع المستوردة وضريبة القيمة المضافة على الخدمات وضريبة الدمغة، ولم يفلت من الانخفاض سوى الضريبة على أذون وسندات الخزانة، مع التوسع في إصداراتها لتعويض ضعف شرائها من قبل الأجانب.

ورغم تبرير وزارة المالية انخفاض الحصيلة الضريبية بوجود موسمية كبيرة في الحصيلة الضريبية، حيث تزيد خلال موسم شهور تقديم الإقرارات الضريبية ما بين شهري يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان، إلا أن ذلك يرتبط بالضريبة على الدخل، بينما انخفضت حصيلة أنواع أخرى من الضرائب، إلى جانب تنفيذ الفاتورة الإلكترونية التي انضمت لها أكثر من 71 ألف شركة، مما يعني أن لحالة الركود بالأسواق أثرًا في انخفاض الحصيلة.

38% انخفاض الاستثمارات الحكومية

كما انخفضت الإيرادات غير الضريبية، وهذه ليس لها موسم إقرارات، والتي تتضمن العوائد من الجهات المملوكة للحكومة من هيئات اقتصادية وبنوك عامة وشركات عامة بنسبة 38%، ونتيجة لذلك اتجهت وزارة المالية إلى خفض بنود المصروفات بنسبة 9% لتصل إلى 941 مليار جنيه، مما أثر في انخفاض غالب أبواب المصروفات.

وكانت أعلى نسبة للانخفاض لبنود المصروفات بالاستثمارات الحكومية التي تتجه إلى مشروعات الخدمات بالمحافظات بنسبة 44.5%، ولولا مشروع حياة كريمة الذي يحظى برعاية رئاسية لزادت نسبة التراجع عن ذلك، ونقص الدعم بأنواعه كافة بنسبة 22%، ولولا ما يحصل عليه صندوق التأمينات والمعاشات لزادت نسبة التراجع عن ذلك.

وانخفضت قيمة شراء مستلزمات الجهات الحكومية ودواوين عموم المحافظات بنسبة 17%، والأجور بتراجع 3% والمصروفات الأخرى بنسبة 4%، وانفردت فوائد الدين الحكومي بالزيادة عما كان مستهدفًا لها بنسبة 14% بسبب قيام البنك المركزي برفع الفائدة أكثر من مرة.

الأمر الذي تسبب في استحواذ فوائد الدين الحكومي على النصيب الأكبر من المصروفات بنسبة 42%، تليها الأجور بنسبة 21% والدعم 15% والاستثمارات الحكومية 11%، و6% لكلٍ من شراء مستلزمات الجهات الحكومية والمصروفات الأخرى.

وهكذا أسفرت موازنة النصف الأول من العام المالي عن عجز كلي بلغ 367 مليار جنيه، بنمو 32% عما كان مُقدرًا له، وهو العجز الذي سيتم اقتراضه، الأمر الذي أدى إلى تعثر مستهدفات الموازنة من خفض عجز الموازنة سواء من حيث القيمة، أو من حيث نسبة العجز بالموازنة إلى الناتج المحلى الإجمالي، وكذلك إخفاق هدف خفض المديونية الحكومية، كما أعلن وزير المالية أكثر من مرة.

وذلك بسبب رفع الفائدة بعد إعداد الموازنة ثلاث مرات بإجمالي 7%، حيث تتسبب زيادة الفائدة بنسبة 1% في زيادة فوائد الدين الحكومي بقيمة 30 مليار جنيه، أي بإجمالي 210 مليار جنيه، رغم عدم معرفة المصريين لقيمة الدين العام المحلي منذ منتصف عام 2020 وحتى الآن رغم الحديث عن الإفصاح والشفافية!

كما أن زيادة جنيه واحد لسعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري تزيد تكلفة الدين بالموازنة 83 مليار جنيه، وفي ضوء زيادة سعر الصرف بنحو ستة قروش ما بين منتصف العام الماضي ونهايته، الذي يمثل فترة النصف الأول من العام المالي فقد تمت إضافة 493 مليار جنيه للدين الحكومي.

وأضيف لذلك تكلفة العلاوة الاستثنائية التي بلغت 300 جنيه للموظفين، وأصحاب المعاشات وزيادة الحد الأدنى للأجور بالقيمة نفسها، بداية من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتوفير دعم إضافي على البطاقات التموينية للشرائح الفقيرة، وتأجيل قرار رفع سعر الكهرباء حتى نهاية العام المالي.

تراجع أسعار النفط والقمح وزيت الطعام

أما إعادة الأمر إلى العوامل الخارجية فقط كما حاولت وزارة المالية في تقريرها، وأن ما حدث كان بسبب زيادة أسعار الطاقة والغذاء فهو أمر غير صحيح، ولعل المقارنة بين الأسعار العالمية ما بين بداية فترة النصف الأول من العام المالي ونهايتها أي ما بين نهاية يونيو/حزيران وديسمبر/كانون الأول الماضيين تؤكد ذلك، حيث كان سعر خام برنت 120 دولارًا للبرميل، لكنه انخفض إلى 81 دولارًا للبرميل.

كما انخفض سعر طن القمح الصلد من 460 دولارًا إلى 386 دولارًا، وتراجع سعر طن الذرة من 336 دولارًا إلى 302 دولار، وانخفض سعر طن زيت الصويا من 1752 دولارًا إلى 1409، وطن زيت النخيل من 1501 دولار إلى 940 دولارًا، وطن زيت عباد الشمس من 1885 دولارًا إلى 1234 دولارًا، وعلى الجانب الآخر فقد استفادت الصادرات المصرية من ارتفاع سعر الغاز الطبيعي والأسمدة خلال تلك الفترة.

وهكذا سيكون للعوامل المحلية الغلبة في زيادة العجز بالموازنة المصرية خلال النصف الثاني من العام المالي، وهو ما حدث بالفعل في أمور عدة منها استمرار انخفاض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي خلال الشهور الأخيرة، الذي بلغ ست جنيهات منذ بداية يناير/تشرين الثاني الماضي وحتى كتابة هذه السطور أي بتكلفة تزيد على قيمة الدين الحكومي حوالي نصف مليار جنيه، والذي يتوقع استمراره خلال الشهور المقبلة.

وأيضًا توقع استمرار رفع سعر الفائدة بالاجتماعات المقبلة للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، في ضوء إحجام قدوم الأموال الساخنة لشراء أدوات الدين المصري مع استمرار البنوك المركزية بالولايات المتحدة وأوربا وإنجلترا وغيرها في رفع الفائدة، بما لذلك من أثر في زيادة قيمة فوائد الدين الحكومي، إلى جانب ما حدث بالفعل من قرار تنفيذ زيادات للأجور والمعاشات بداية من شهر أبريل/نيسان المقبل التي قدرت تكلفتها بنحو 150 مليار جنيه.

بالإضافة إلى 40 مليار جنيه تكلفة تبكير موعد الصرف قبل نهاية العام المالي بشهرين، وما ذكره رئيس الوزراء من زيادة لتكلفة استيراد السلع التموينية والخبز بنحو 54 مليار جنيه، وزيادة تكلفة استيراد البوتاجاز والسولار بقيمة 45 مليار جنيه، وهي زيادة ترجع إلى انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار، وليس بسبب زيادة الأسعار العالمية لتلك السلع.

 

المصدر : الجزيرة مباشر