الطاولة السداسية.. اتفاق أم قنبلة موقوتة؟

على ما يبدو أن اتفاق الأضداد في الانتخابات الرئاسية التركية سيكون هو محور الأحداث خلال شهري الانتخابات القادمين، ومن الآن وحتى ظهور نتيجة انتخابات الرئاسة التركية والبرلمان المزمع إجراؤهما في الرابع عشر من مايو/أيار هذا العام ستصبح حوارات تحالف الطاولة التي تضم ستة أحزاب تركية معارضة للتحالف الحاكم هي محور انشغال الإعلام.
انتهى اجتماع الأحزاب الستة والمسمى بتحالف الأمة إلى اختيار كمال كيليتشدار أوغلو مرشحًا رئاسيًا في مواجهة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات المقبلة.
جاء الاجتماع الأخير عصر الاثنين 6 فبراير/شباط بعد اجتماع عاصف قبله بيومين خرجت على إثره رئيسة حزب الجيد اليميني ميرال أكشنار من الاجتماع غاضبة من طريقة التعامل معها على الطاولة، فقد كانت ترى أن ترشيح أكرم أوغلو رئيس بلدية إسطنبول أو منصور يافاش رئيس بلدية أنقرة هو الأنسب للترشح، ولكن ميرال عادت للاجتماع والتوافق على كمال كيليتشدار مرة ثانية في النهاية.
أشار بيان الطاولة الأخير بعد الاتفاق إلى التزام المرشح الرئاسي بتعيين سبعة نواب له هم رؤساء الأحزاب الخمسة، وكذلك رئيسي بلدية إسطنبول وأنقرة ربما جاء هذا ترضية لرئيس حزب الجيد التي كانت تصر على ترشح أحدهما للرئاسة وترى فرصتهما أعلى من كيليتشدار، كما أشار البيان إلى توزيع المقاعد الوزارية على الأحزاب الستة المكونة للتحالف حسب نسبته في البرلمان، وألا يقال أي وزير إلا بالعودة للطاولة.
يبدو أنه في حالة فوز المرشح المعارض أن تركيا ستشهد نمطًا جديدًا للحكم يشارك فيه رؤساء ستة أحزاب تنتمي إلى أيدولوجيات وخلفيات متنوعة، ما بين اليسار مثلًا في الحزب الجمهوري الذي يمثله في التشكيلة الثمانية للحكم ثلاث شخصيات، واليمين الليبرالي ممثلًا في حزب الجيد ورئيسته أكشنار وحزب المستقبل ممثلًا في أحمد داود أوغلو، أيضًا بالإضافة إلى حزب السعادة الإسلامي.
هذا النموذج في الحكم قد يجدي في الفترات الانتقالية، حيث الفترة تكون محددة وملزمة للقيام بتعديلات سياسية، اقتصادية، اجتماعية، أو في دستور البلاد وقوانينها للانتقال من وضع إلى آخر، إنما حينما تستقر الأوضاع يصبح من الصعب الحكم بهذا المنطق خاصة مع اختلاف الأيديولوجيا.
كيف يلتقي الأضداد؟
يمكن للمتابع أو المحلل أن يجد تفسيرًا للقاء الإسلامي مع اليميني خاصة في بعض الجوانب الاقتصادية، لكن كيف يتفق هؤلاء مع اليسار إذ كان اليسار ذاته بين فرقه ومجموعاته الكثير من الاختلافات؟ الغريب أن أحزابًا يسارية تركية رفضت التحالف مع الحزب الجمهوري اليساري لأنه تحالف مع الجيد اليميني، وعندما خرج الحزب من الطاولة لمدة يومين ذهب كيليتشدار أوغلو إليها ليحصل على دعمها.
ماذا كان سيفعل المرشح لو وافقوا ثم عادت ميرال كما حدث؟ هذه الاختلافات التي ظهرت على سطح اجتماعات مبدئية في بداية مشوار الأحزاب الستة التي تحالفت من أجل الفوز في انتخابات الرئاسة التركية، ماذا سيكون حالها في صياغة سياسات أيديولوجيتها المتناقضة؟
إن البيان الصادر عن اجتماع الطاولة النهائي يجعل اتخاذ قرار من الرئاسة صعبًا جدًا، هذا بالإضافة إلى أن جمهور حزب الجيد يطالب بميرال أكشنار رئيسة للوزراء، ويعلن المرشح الرئاسي أنه سيحول النظام الرئاسي الذي وافق عليه الشعب منذ أربع سنوات إلى نظام برلماني، وفي هذه الحالة إن حدث وفاز كيليتشدار أوغلو، سيطالب جمهور الجيد برئيسة الحزب رئيسًا للوزراء وتكون هي الحاكم.
لعل من أهم التساؤلات ما هو موقع سياسي مثل: أحمد داود أوغلو رئيس حزب المستقبل في هذه المنظومة؟ أحمد أوغلو كان وزيرًا للخارجية ورئيسًا للوزراء مع الرئيس أردوغان، وقد حقق بعض النجاحات في شغل هذه المهام قبل أن يستقيل من حزب العدالة والتنمية والحكومة ويشكل حزبه، فما دوره في المرحلة القادمة خاصة مع صمته أوقاتًا كثيرة.
تحالف مجموعة أحزاب لتشكيل وزارة ائتلافية جائز في بعض الأحيان، ولا يكتب لها النجاح في أغلب التجارب خاصة في الدول الراسخة، وأعتقد أن تركيا خلال عشرين عامًا قد أصبحت إحدى الدول المهمة والراسخة في الإقليم والعالم، ولها دورها البارز في محيطها.
من هنا تأتي صعوبة أن تحكم رئاسيًا من خلال طاولة الست التي ستصبح ثمانية حال فوز المرشح المعارض للرئيس التركي، كيف يتفق ستة من الأضداد على قرار واحد؟ ماذا لو أراد الرئيس إقالة وزير ولم يوافق حزبه؟ ماذا لو أراد اليسار قرارًا اقتصاديًا يخص العدالة الاجتماعية ورفض اليمينيون؟ الكثير من المشكلات ستواجه طاولة الثمانية في غالبية القرارات حينما يأتي دورها إن حدث وفاز المرشح المعارض لأردوغان.
إذا نجح أعضاء طاولة الست في المرور إلى الانتخابات بسلام، وفي ظني هذا بعيد، فإنني أدرك وبعد سنوات من معايشة الشعب التركي -ورغم الزخم الطبيعي لمؤيدي المعارضة التي تمثل ما يقرب من 46% من الشعب- أن الوقوف أمام صندوق الانتخابات، وبوعي هذا الشعب الذي امتلك الشجاعة في مواجهة انقلاب عسكري سيكون له رأي آخر، فلا يمكن أن يتصور أحد أن يترك مصير بلده ووطنه أمام قنبلة خلافات أيدلوجية موقوتة، فمصير الوطن لدى الأتراك صعب أن يتحول إلى مناقشات ثمانية أطراف، ويصبح القرار الذي يتخذ فورًا عرضة لمناقشات أيدلوجية متباينة المشارب والاتجاهات.