نجيب بوكيله.. هل هو ظاهرة أم مدرسة سياسية؟

نقل 2000 من أعضاء العصابات إلى السجن، ووشمهم بالعلامة المقررة للمجرمين

 

سجّلت وسائل الإعلام الدولية في المدة الأخيرة، حضورا بارزا لاسم رئيس السلفادور، الفلسطيني الأصول نجيب بوكيله، وذلك على إثر تدشينه سجنا يُعَد الأكبر والأشد حراسة في أمريكا الوسطى والجنوبية. وقد أثار الإنجاز جدلا واسعا تراوح بين الإعجاب بشجاعة الرئيس بوكيله في تحدي عصابات الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات، من أجل توفير الأمان للشعب السلفادوري، والتنديد بمظاهر الإهانة والتنكيل بالسجناء المنافية للقيم الإنسانية، التي اتضح في النهاية أنها دعاية لمدرسة سياسية يقودها الرئيس بوكيله، زعيم حزب “أفكار جديدة”.

منذ فوزه الكاسح برئاسة السلفادور في يونيو/حزيران 2019، لمع اسم نجم نجيب بوكيله بوصفه الشاب الطموح الذي كسر قُطبية احتكرت الحكم في السلفادور لمدة تجاوزت العشرين سنة، بفضل ذكائه السياسي وقدرته على الخطابة وإقناع الجماهير، لا سيما من خلال أدائه كعُمدة للعاصمة من 2015 حتى 2018، ومن قبلها كعُمدة ضاحية نويفو كوسكاتيان. ولا شك أيضا أن السياق التاريخي لترشحه، بعد فوز إيمانويل ماكرون في فرنسا سنة 2017، قد فتح شهية السلفادوريين لانتخاب رئيس شاب فتِيّ أنيق يحطّم صورة الفقر والحرمان والبلطجة التي يحملها العالم عن شعوب أمريكا الوسطى، وقد كان لهم ذلك.

الوفاء بالوعد

منذ توليه الرئاسة، حرص بوكيله على الوفاء بوعده الانتخابي المتعلق بتوفير الأمن للمجتمع السلفادوري الذي اكتوى بنيران عصابات المخدرات والجريمة المنظمة “سلفا تروتشا”، لكن في المقابل، دفعت مواقف حكومته الحازمة تجاه بلطجة كل جرائم القتل العمد والسرقة والابتزاز والتركيع واستقطاب القُصّر، هذه العصابات لتضاعف ترهيبها للشارع السلفادوري، كعادتها في تحدٍّ صارخ للسلطات، وبلغ مستوى بلطجتها حد القيام بجرائم قتل خلّفت 87 قتيلا خلال 48 ساعة الممتدة من 25 إلى 27 مارس/آذار 2022. وما كان من الرئيس بوكيله حينئذ إلّا أن يخرج في خطاب للرأي العام متوعّدا العصابات بدفع الثمن غاليا، ففرض حالة الطوارئ، وأمر بسجن 67 ألف فرد من عصابات “سلفا تروتشا” وفروعها، تمّ تمييزهم بالوشم الذي يُمثل عنوان الانتماء. وها هو بعد مرور سنة على تلك الواقعة، يدشن أضخم وأقسى سجن في المنطقة، لن يحلم فيه السجناء مجرد الحلم، بالهروب أو تغيير الوجبة البائسة طوال عشرين سنة أو الزيارات الخاصة، أو النوم على خرقة قماش واحدة، دون المساس بجسم سجين آخر.

في الحقيقة، رجّح أغلب المتابعين للشأن السلفادوري أن الدعاية لهذا الإنجاز، تحمل بصمة الرئيس بوكيله، كيف لا، والرجل كان مالكا لشركة دعاية مرموقة وكان متميزا في مجاله؟ حيث تمّ إخراج مقاطع فيديو لشحن الدفعة الأولى من السجناء نحو هذا السجن، وصور للزنازين والأسوار والمعابر وقلاع المراقبة والرصد والحُرّاس، بإمكانيات فنية عالية الجودة. وقد بلغت هذه الدعاية مبتغاها لدى نفوس جميع الشعوب اللاتينية الرازحة تحت نفوذ العصابات وهشاشة الحكومات.

أمّا الشعب السلفادوري فقد عبّر من خلال استطلاعات الرأي المحلية والإقليمية الأخيرة عن شعبية رئيسه من خلال تصدّره قائمة أكثر رؤساء المنطقة شعبية، بنسبة 90%، وكشفت هذه الشعبية تعطّش السلفادوريين ليدٍ حديدية تقيهم جَور عصابات المخدرات التي استبدت بهم منذ انتهاء الحرب الأهلية في أوائل تسعينيات القرن الماضي.

رئيس السلفادور

لا يستحقون الرحمة

يرى الرئيس بوكيله أن جميع المنتمين إلى عصابات “سلفا تروتشا” والعصابات المشابهة، لا يستحقون الحد الأدنى من الرحمة أو حسن الظن بإصلاحهم وإعادة اندماجهم في المجتمع. كما أنه يعُدّهم “إرهابيين”، وجبت معاقبتهم بقدر الترويع نفسه الذي أذاقوه لأفراد المجتمع الأبرياء، لهذا هاجم منظمات حقوق الإنسان في تنديدها بالتنكيل بهم على الشكل الذي ظهروا به في مقاطع الفيديو. ورأى أن خطر “سلفا تروتشا” يعادل خطر مليشيات مسلّحة منشقة عن الدولة، فهم يُمثلون نحو 70 ألف فرد في بلد يقطنه ستة ملايين ونصف المليون شخص، على مساحة تقارب 21 ألف كيلومتر مربع. وقال في خطاب شهير “لو خيّروني أن أدافع عن حق المظلوم، لدافعت عن حق المواطن البريء الذي قتلته العصابات ظُلما، أو ابتزته أو افتكت أملاكه أو استقطبت أبناءه الى عالم الجريمة تحت التهديد، أمّا من ارتمى في أحضان الجريمة فلن أعتبره مظلوما وإن تاب، المسألة أولويات!!”.

قد يعُد البعض الرئيس بوكيله ديكتاتورا وشخصية نرجسية بشكل مبالغ فيه، لا سيما أنه في حد ذاته يفخر بأسلوب حكمه مُعرّفا إيّاه بـ”البوكيلية”، ويقدّمه على أساس أنه مدرسة مستقلة تستحق المحاكاة، والحقيقة أن جزءا كبيرا من الرأي العام في المنطقة يعرب عن انبهاره بهذه السياسة. وقد يعُد البعض الآخر أن الرئيس بوكيله ظاهرة سياسية، حرصت على ممارسة دور “المُنقذ” و”الحامي” للشعب الأعزل من سلاح العصابات وطغيانها من جهة، ومن أجل التغطية على فشله في الجانب الاقتصادي مثلا من جهة أخرى. لكن مهما تكن سلامة هاتين القراءتين، فإن السلفادور في عهد الرئيس بوكيله انتقلت من لقب أكثر بلدان أمريكا الجنوبية خطرا سنة 2015 الى أكثرها أمانا سنة 2022، اعتمادا على معدل الجريمة، والمعجزة حسب الرئيس بوكيله، هو سجن المجرمين دون رحمة، بكل بساطة!

تطهير البلد من أعضاء العصابات الإجرامية.. قسوة بين مؤيد ومعارض

 

المصدر : الجزيرة مباشر