يوم الفنون الحرفية في سلطنة عمان.. الفن من أجل لقمة العيش

جناح في معرض الكتاب

 

 

يد الصانع، تلك اليد المعروقة التي خطها الشقاء، واعتادت أن تحول المادة الخام إلى تحفة فنية رائعة، تلك الأنامل الدقيقة التي تصفّ الخيط بجوار الآخر، أو تنحت على الخزف، فتخرج أجمل التحف وأثمن إبداع.

الحِرَف اليدوية تعبّر عن أصالة المكان، وانعكاس البيئة التي يسكنها الصانع، فصناعات المناطق البحرية تعتمد أكثر على الصدف وما يقدمه البحر من خيرات، كما أن صناعات المناطق الصحراوية تعتمد أكثر على منتجات مصنوعة من الرمال، أو تعتمد على سعف النخل، كما أن الحرف اليدوية هي صمام الأمان في الحفاظ على الصناعات الوطنية الأصيلة، كالنقش على المعدن، وصناعة السجاد، والجلود، والأطعمة المحلية كالحلوى. وتتميز الصناعات التقليدية بأنها تعتمد على مكونات بسيطة محلية، ولا تحتاج الكثير من المركبات والمكونات المعقدة، أيضًا تعتمد على مجهود العامل ومهاراته، دون الاعتماد على أدوات وماكينات متطورة، كما تتأثر الحرفة اليدوية بالحالة النفسية والمزاجية للعامل، وحينما قدمت إلى زيارة سلطنة عُمان، لحضور فاعليات معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته السابعة والعشرين المقام في المدة من 22 فبراير حتى 4 مارس.

عرفت أن السلطنة فيها العديد من الصناعات اليدوية، ويمتهن أهلها الكثير من الحرف التي تعتمد على مكونات البيئة، وتصادفت زيارتي مع الاحتفال بيوم الحرفي العُماني والفنون الحرفية في بداية شهر مارس، وبالتحديد يوم 3 مارس، ويلقى هذا اليوم احترامًا وتقديرًا من الهيئات كافة الرسمية والشعبية.

ونظرًا لأهمية الحرف التقليدية، فقد قامت الحكومة العُمانية ممثلة في الهيئة العامة للصناعات الحرفية برعاية سلسلة من مشاريع إحياء الحرف اليدوية لتشجيع الحرفيين التقليديين ودعمهم.

هنا ولاية الصور

تتميز سلطنة عمان بتراثها الثري وعاداتها وتقاليدها وفنونها الشعبية والفولكلورية التي تزين مناسبتها، كما تشكل الحرف التقليدية التي يتم انتقالها من جيل إلى جيل، دورًا مهمًا ليس فقط في الاقتصاد العماني وإنما في التراث أيضًا.

وكل محافظة من محافظات السلطنة يبدع فيها سكانها بصناعة خاصة بهم، فعلى بعد حوالي 200 كيلو متر من العاصمة العمانية مسقط، تقع ولاية صور وهي ولاية مشهورة بصناعة السفن وخاصة الخشبية التي كانت تستخدم في العصور القديمة لنقل السلع التجارية، وهي تجارة تعد جزءًا من تراث مدينة صور الغني، ونظرًا لأهمية صناعة السفن، اتخذت مدينة صور سفينة الغنجة شعارًا لها (نوع من أنواع السفن العُمانية التي اشتهرت بها ولاية صور)، وقد ذكرها الرحالة في كتاباتهم عندما زاروا عُمان ومنهم الكاتب البريطاني تيم سيفرين مؤلف كتاب “في أعقاب السندباد” حيث أشار إلى مدينة صور في كتابه قائلًا: “ظل بناة السفن العرب قرونًا طويلة يبنون السفن التجارية العمانية التي كانت تجوب البحار من زنجبار في الجنوب إلى الهند وسري لانكا في الشرق طلبًا لخشب البناء والبهارات والعاج”، كما تشتهر ولاية صور بمجموعة من الحرف والصناعات منها: الزراعة والتجارة وصيد الأسماك وصياغة الذهب والفضة وصناعة النسيج والخناجر والسيوف.

وتشتهر سلطنة عُمان أيضًا بصناعة الفخار، وهي حرفة منتشرة في أنحاء السلطنة لما لها من امتداد تاريخي نظرًا لما تمثله من ثقافة مجتمعية، ولا يستخدم الفخار للديكور فقط وإنما لتخزين الحبوب وكمباخر وغيرها من الاستخدامات، وتعد ولاية بهلاء أشهر ولايات السلطنة بصناعة الفخار إضافة إلى صياغة الذهب والفضة والسعفيات (المشغولات المصنوعة من سعف النخيل)، وقد لاحظت انتشار أشجار النخيل بشكل لافت للنظر عند مدخل مدينة بهلاء، وكأنها ترحب بالزائرين، ويبدو واضحًا تلك الجهود المبذولة لحماية أشجار النخيل والحفاظ عليها، ويعد الخنجر العُماني من العلامات الراسخة على التراث العماني الأصيل، وتتطلب صناعته مهارات خاصة، وهو أكثر ما يجذب السائح من منتجات عُمانية، ويحرص العديد من السائحين على اقتنائه كهدية تذكارية عند العودة إلى بلادهم، ويتحدد سعر الخنجر من خلال المواد المستخدمة في صناعته.

وهو واحد من أشهر الأشياء لفتًا للنظر، فتجده مطبوعًا على العملات النقدية، وعلى علم الدولة والمؤسسات الحكومية، كما أنه جزء من اللباس التقليدي للرجال يرتدونه في المناسبات الخاصة والاحتفالات الرسمية ويعدونه مصدر فخر وعز.

وقد لفت نظري في معرض مسقط الدولي للكتاب وجود جناح لـ”جمعية المرأة العمانية”، وهو بمثابة معرض بيع مباشر للجمهور يضم مشغولات يدوية مثل الدفاتر التراثية المغلفة بأشكال الزي العُماني لترويجه أثناء المعرض وبيعه كهدايا رمزية، ومن اللافت للنظر في الجناح الحقائب العمانية المصنوعة من قماش “الليسو”، وهو قماش عماني تصنع منه الأوشحة العمانية، وهذه الأوشحة مشهورة جدًا في سلطنة عُمان، ولا يخلو بيت عماني منها، أيضًا منتجات السعف وغيرها من المنتجات التراثية من إنتاج أعضاء الجمعية التي أسست عام 1972 بهدف تمكين المرأة العمانية في المجالات كلها.

الصناعات اليدوية.. والتأثر بالتكنولوجيا الحديثة في التصنع

طغت الميكنة وأدوات التكنولوجيا الحديثة على الصناعات اليدوية العُمانية، ومثلها مثل الصناعات اليدوية في جميع بلدان العالم، وبالطبع هناك صناعات تأثرت بشكل كبير أكثر من غيرها مثل صناعة النسيج، فنتيجة لتغير ظروف البيئة ونقص الأمطار، انخفضت زراعات القطن، وقلّ عدد الماشية، وبالطبع قلّت المصنوعات والمفروشات اليدوية، وحل مكانها المفروشات والمصنوعات المستوردة، كما حلت الثلاجة محل الزير والمنتجات الخزفية كالجحلة وهي عبارة إناء فخاري لشرب الماء يشبه “القلة” في الثقافة المصرية.

لماذا قلّ الاهتمام بالعمل الحر في السلطنة؟

هناك عوامل عدة أثرت في الاهتمام بالصناعات الحرفية، منها أن العاملين أصبحوا يفضلون تعليم أبنائهم، وعدم توريثهم تلك الحرف البسيطة والذين يعتقدون أنها حرف شاقة، وليس لها مستقبل مرموق، كما تغيرت القيم الاجتماعية والثقافية في السلطنة، حيث أن الوظيفة صارت من محددات الوضع الاجتماعي، ولذلك حرص الجميع على التعليم والتوظيف وهجر الحرف اليدوية، وتتشابه تلك الظروف في السلطنة مع معظم البلدان الأخرى، ولكن تبقى الصناعات اليدوية هي الحقيقية والهوية لأبناء الوطن، ويكفي أن السائح لا يترك البلدة، حتى يحصل على منتج من صنع يد عاملة أصيلة من أبناء السلطنة.

من المشغولات اليدوية

المصدر : الجزيرة مباشر