تسونامي المستعمرين.. وحتمية المقاومة المسلحة

زيادة حدة التطرف الإسرائيلي بعودة نتانياهو

ليس من قبيل المصادفة وصول حكومة بنيامين نتانياهو بتشكيلها الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل إلى الحكم في هذا التوقيت الذي يمر فيه العالم بتطورات سياسية خطيرة واقتصادية مهترئة، بالتزامن مع حالة من التردي العربي الواضح، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي كانت قضية العرب الأولى، قبل أن يتغلغل ذلك الكيان إلى مواقع صنع القرار في العديد من العواصم التي كانت عصية يومًا ما، وهو ما جعل من سقوط العديد من الشهداء بشكل يومي في صفوف الأشقاء الفلسطينيين، حدثًا اعتياديًا لم يعد يتصدر الأنباء العربية تحديدًا، إلا ما ندر، بالتالي لم يعد حديث الشارع.

هجوم المستعمرين الصهاينة على البلدات الفلسطينية، فيما يشبه التسونامي، مدججين بالسلاح، وحرق السيارات والمنازل، بعد أيام قليلة من سقوط 11 شهيدًا في نابلس بالضفة الغربية في يوم واحد، وإصابة أكثر من 100 آخرين، وفي أعقاب تشييع 10 شهداء في يوم واحد أيضًا بمدينة جنين، يرفع عدد الشهداء حتى الآن إلى 63 منذ الأول من يناير من هذا العام فقط، وهو ما يؤكد أن عام 2023 سوف يكون العام الأكثر دموية إذا استمرت هذه الحكومة المتطرفة في موقعها بذلك النهج الذي يستهدف توسيع دائرة المواجهات من الضفة إلى القدس إلى قطاع غزة، باستخدام المستعمرين في حماية قوات الجيش، وسط حالة تأهب غير مسبوقة من الجانبين.

الغريب في الأمر هو ذلك التخاذل الدولي، خصوصًا الأمريكي، الذي أصبح يلقي بثقله نحو الاهتمام بأجهزة الأمن الفلسطينية، وأهمية تدريبها وتوسيع صلاحيتها، بما يضمن وأد أي مقاومة في المهد بالتعاون مع سلطات الاحتلال، تحت مسمى التنسيق أو التعاون الأمني، واستخدام دول الجوار للضغط، وهو الأمر الذي يمنح ذلك الكيان حرية الحركة نحو مصادرة مزيد من الأراضي وبناء مزيد من المستعمرات، وتسليح واسع للمستعمرين المتطرفين الذين يستهدفون المواطنين الفلسطينيين حتى على الطرقات وداخل المزارع.

نزيف الدم

يأتي ذلك في وقت تلتزم فيه جامعة الدول العربية الصمت تجاه ما يجري على الأرض، بذريعة أصبحت تتردد كثيرًا في أروقة الجامعة وعلى لسان المسؤولين فيها، وهي أن الجامعة تعبير عن عواصم الدول الأعضاء، خصوصًا العواصم الفاعلة، من حيث سداد الاشتراكات الأكبر والتمويل الأعلى، في وقت لا تستطيع فيه دول أخرى سداد اشتراكاتها، أو حتى تتأخر في السداد، وهو ما وضع الجامعة تحت ضغط مراكز قوى مالية وسياسية، لم تعد تفلح معها دعوات لعقد اجتماعات طارئة، أو إصدار قرارات إدانة تتعارض مع سياسات الدول المشار إليها.

نزيف الدم الفلسطيني من الواضح أنه سوف يستمر هذه المرة، دون مقابل على الجانب الآخر، في ظل امتلاك قوات الاحتلال زمام المبادرة والمفاجأة، من خلال انتهاج سياسات لا تتورع الحكومة الجديدة عن الجهر بها، تنطلق من استباحة قتل الشعب الفلسطيني في كل مكان وزمان، دون وجود سبب مباشر لذلك، سوى أن هذه هي سيكولوجية المتطرفين سياسيًا والمتشددين دينيًا، مع الوضع في الاعتبار أن المواجهات كلما تفاقمت ذروتها مع الشعب الفلسطيني، هدأت حدة الاحتجاجات الحالية في الشارع الإسرائيلي على ممارسات هذه الحكومة، ذلك أن دولة الاحتلال تستفيد منذ نشأتها من نظرية خلق عدو خارجي طوال الوقت، وضرورته مبررًا للالتفاف والتضامن الشعبي.

على الجانب الآخر، لن تظل المقاومة في غزة بالتأكيد في موقف المتفرج أو المراقب أكثر من ذلك، في الوقت الذي يشاهدون فيهم إخوانهم في الضفة يتساقطون بهذا الشكل المريع، وهو الأمر الذي ينذر بانتفاضة جديدة ومختلفة هذه المرة، في ضوء تطور صواريخ المقاومة هناك في السنوات الأخيرة، والتي أصبحت تصل (صاروخ عياش) إلى أبعد مدى في إسرائيل (140 كيلو مترًا)، وفي الوقت الذي دخلت فيه المقاومة بالقدس الشرقية على خط المواجهة خلال الشهور الأخيرة، وأيضًا في ضوء تعرض عرب 1948 في الداخل الإسرائيلي لمزيد من عمليات التمييز والاضطهاد وسن قوانين مجحفة بشأنهم في الآونة الأخيرة.

المقاومة هي السبيل

أعتقد أن المقاومة الفلسطينية بشكل عام، سواء في الضفة أو القطاع أو القدس، لم تكن في حاجة إلى تنسيق وتضامن وتنحية الخلافات جانبًا، بهذا القدر الذي تتطلبه الأوضاع الآن، ذلك أن مخطط تصفية القضية يسير على قدم وساق، من خلال بعض عواصم المنطقة كما هو واضح، وليس من خلال عواصم أجنبية كما كان الحال سابقًا، وهو ما يجعل من التعويل على العالم الخارجي عمومًا ضربًا من الخيال، لم تعد تتحمله القضية على أرض الواقع.

وإذا وضعنا في الاعتبار مرور 30 عامًا على اتفاقية أوسلو التي تم توقيعها في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1993 كأساس للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، انطلاقًا من قراري مجلس الأمن رقمي 242 و338، فإننا يجب أن نتذكر أن الاتفاقية قد نصت على 5 سنوات فقط، كحد أقصى لفترة مباحثات ينتقل بعدها الشعب الفلسطيني من الحكم الذاتي إلى التسوية النهائية، وهو الأمر الذي لم تلتزم به إسرائيل، بما يعني أن الجانب الفلسطيني قد استنفد السبل السلمية كلها من أجل الحصول على حقه.

الآن ومع وصول حكومة التطرف إلى الحكم في تل أبيب، لم تترك هذه الحكومة من خلال ممارساتها الدموية، سبيلاً أو طريقًا يمكن أن ينتهجه الشعب الفلسطيني سوى العودة للمقاومة المسلحة، دون الاعتماد أو الانتظار في الوقت نفسه لأي دعم عربي، والذي لن يتعدى بعض التصريحات ذرًا للرماد في العيون، وهو ما يعيه الشارع الفلسطيني جيدًا، خصوصًا في ضوء الأزمات الداخلية التي تعيشها معظم الأقطار العربية حاليًا، وتحديدًا دول المواجهة، وما أطلق عليه في السابق دول الصمود والتصدي، مع الوضع في الاعتبار أن عملية تحرير قطاع غزة من الاحتلال من خلال المقاومة المسلحة، سوف يظل شاهد عيان، ودليلًا لا يقبل الجدال، على أن ما أُخذ بالقوة، لا يُسترد بغير القوة.

المصدر : الجزيرة مباشر