اللاجئون السوريون ضحية إفلاس المعارضة التركية

ميرال اكشينار رئيسة حزب الجيد مع أكرم إمام أوغلو أحد المرشحين الرئاسيين المحتملين

 

بعد أن نضب معينها، وأخفقت في توظيف كارثة الزلزال لخدمة أجندتها التي تتمحور حول تشويه صورة حزب العدالة والتنمية الحاكم، وتأجيل الانتخابات المقررة في الرابع عشر من شهر مايو/آيار المقبل لأسباب عدة يتصدرها حجم الخلاف القائم بين ائتلافها الذي يضم ستة من الأحزاب المتباينة الأيدولوجية، لم تجد المعارضة التركية أمامها من سبيل سوى التفتيش في ملفاتها القديمة، لعل وعسى أن تجد في داخل جعبتها قضية ما تستطيع من خلالها جذب أنظار الأتراك بعيدًا عن تحركات الحكومة، وتعاطيها مع كارثة الزلزال التي أصبحت تثير إعجابهم واستحسانهم وتقديرهم، عوضًا عن إثارة غضبهم وحنقهم.

ونظرًا لحجم كارثة الزلزال وما خلفته من مآسٍ، فلا بد أن تكون القضية على المستوى نفسه من الأهمية، قضية ذات شؤون وشجون، وهل هناك ما هو مناسب لأداء هذه المهمة أكثر من قضية اللاجئين السوريين!! هذا الملف الذي يأتي دومًا بالنتائج المأمولة منه كلما قامت بتوظيفه لإثارة المواطنين ضد الحكومة ورموزها.

حكومة أبهرت العالم فكيف السبيل للنيل منها؟

العودة مجددًا لإثارة قضية اللاجئين السوريين في هذا التوقيت على وجه الخصوص تأتي في إطار المحاولة البائسة الأخيرة من جانب أحزاب المعارضة التركية للنيل من حكومة أبهرت العالم بتعاطيها مع كارثة الزلزال، حيث وظفت إمكانيات الدولة جميعها لخدمة المتضررين، وتوفير الخدمات كافة والاحتياجات الضرورية لهم، والعمل سريعًا على استعادة المنطقة المنكوبة لوجهها الحضاري، مع إعفاء سكان المحافظات الإحدى عشرة من المدفوعات كافة المرتبطة باستهلاك الكهرباء والغاز والماء، وتعويضهم ماديًا عن خسائرهم المالية أيًا كان حجمها، وتعهدها بإعادتهم إلى منازلهم في غضون عام من الآن، ومساعدتهم في قيمة إيجار المنازل التي سيقومون باستئجارها خلال هذا العام.

لذا كان التركيز هذه المرة على اللاجئين المقيمين في المناطق المنكوبة، حيث ادعى أوميت أوزداغ رئيس حزب النصر، وأحد أبرز الوجوه العنصرية داخل تركيا، أن اللاجئين السوريين كادوا أن يتسببوا في حدوث كارثة اجتماعية في مناطق وجودهم بعد أن قاموا بالسطو على المساعدات التي انهالت من كل حدب وصوب لإعانة المتضررين من كارثة الزلزال، في سبيل توفير أدنى سبل العيش لهم، وأن الدولة بمختلف أجنحتها الأمنية وقفت موقف العاجز عن مواجهتهم والتصدي لهم، ومنعهم من نهب هذه المساعدات!!

ادعاءات كاذبة من عقلية مريضة

ومؤكدًا أنه من خلال مصادره الخاصة علم أن الحكومة التركية، وفي سبيل منع انفجار الموقف بين الأتراك المتضررين من الزلزال وبين اللاجئين السوريين قررت ترحيلهم إلى إسطنبول على نفقتها الخاصة، بينما تركت مواطنيها الراغبين في الانتقال إلى أماكن أكثر أمنًا دون مساعدة تذكر، مما اضطر رجال الجيش والشرطة وأفراد العمليات الخاصة بالتبرع لدفع تكاليف انتقالهم..

محذرًا من أن على أهالي إسطنبول الاستعداد لهجوم عشرة آلاف لاجئ سوري جديد على مدينتهم!!
الغريب أن التصريح الذي أدلى به أوزداغ جاء على إحدى الفضائيات المعروفة بانتمائها لحزب الشعب الجمهوري المعارض، وهو الحزب الذي طُرد منه أوزداغ، وبدا على مقدم البرنامج الاستغراب والدهشة مما يعلنه الرجل، فهم كقناة إعلامية كانت وما زالت في موقع الحدث لم ترصد مثل هذه الأفعال، ولم ينم إلى علمها بوقوع مثل هذه الحوادث في مناطق الزلزال، وهو ما لم ترصده أيضًا أية وسيلة إعلامية أخرى مسموعة أو مرئية أو مكتوبة من تلك المحسوبة على المعارضة، التي حضرت في المناطق المنكوبة من أجل رصد السلبيات، وإبراز أي تقصير قد يحدث هنا أو هناك، لاستخدامها ضد الحكومة.

عنصرية أوزداغ جعلته يخلط بين التركي والسوري

لكن الحقيقة أن ما تم تناقله عبر وسائل التواصل الاجتماعي كان هذا الفيديو الذي سجله أحد الشباب الأتراك الذي بدا في قمة الغضب والضيق، وهو يسرد ما حدث معه عندما التقى مصادفة أثناء قيامه بتصوير الأماكن المتضررة من الزلزال أوميت أوزداغ الذي سارع باتهامه بسرقة الهاتف الذي يستخدمه في التصوير، قائلًا له: “أنت سوري، وسرقت هذا الهاتف من أحد الأتراك أليس كذلك؟”، ليؤكد الشاب أنه فوجئ بهذا الاتهام، وأنه حينما حاول الدفاع عن نفسه لم يمنحه أوزداغ الفرصة أبدًا، وظل يؤنبه ويزجره.

وعلى المنحى نفسه نحى الدكتور البروفسور أحمد إرجان أستاذ الجيوفيزياء الذي عبّر عن تخوفه من أن تتحول محافظة هاتاي التركية إلى محافظة سورية، مدونًا على تويتر: “بعد هجرة 45% من أهالي هاتاي نتيجة كارثة الزلزال الذي وقع وأصاب السكان بالهلع، وبما أن اللاجئين السوريين ممنوعون من مغادرة الولاية، فإن أكثر ما أخشاه أن هاتاي تقترب أكثر فأكثر من أن تصبح مدينة سورية بالكامل على أرض تركيا”.

حزب الجيد وقيادة الجناح الرافض للوجود السوري في تركيا

حزب الجيد لم يتأخر هو الآخر عن اللحاق بالركب، فتقدم بمقترح قانون للبرلمان، يقضي بسرعة العمل على ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا فورًا، مقترحًا ضرورة التخطيط العاجل، للبدء في عمليات ترحيل فوري لجميع السوريين المقيمين في المناطق التي ضربها الزلزال، وإعادتهم إلى وطنهم، كخطوة أولى في طريق إنهاء الوجود السوري في تركيا.

خاصة وأن الظروف التي تمر بها البلاد حاليًا، والنتائج المدمرة التي أسفر عنها الزلزال، تقتضي سرعة التحرك والعمل بكل جدية لغلق هذا الملف، تلافيًا للمخاطر السياسية والاقتصادية والديموغرافية التي يمكن أن تواجه الدولة التركية في القريب العاجل إذا ظل هذا الملف مفتوحًا دون حلول جذرية له.

تحرك حزب الجيد واجه معارضة شرسة من جانب نواب حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، الذين صوتوا جميعًا ضد المشروع، وهو الأمر الذي لم يمثل مفاجأة لحزب الجيد، الذي يبدو أن هدفه الأساس من وراء طرح هكذا مشروع قانون هو الظهور بمظهر المتزعم للجناح الرافض لاستمرار وجود السوريين داخل تركيا، وإثبات وجوده كطرف فاعل ومؤثر في الحملة الجديدة التي تستهدف اللاجئين السوريين.

توظيف ملف اللاجئين السوريين، والسعي إلى استغلال أية حادثة حتى وإن كانت مجرد محض افتراء يشير إلى إفلاس المعارضة التركية تمامًا، وعدم قدرتها على مواجهة حزب العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية، خصوصًا بعد أن بدأت استطلاعات الرأي العام تشير إلى تفوقهما وإمكانية حصولهما على نسبة مرتفعة من أصوات الناخبين إذا ما تمت الانتخابات في موعدها الذي حدده الرئيس أردوغان، وأكد تمسكه به دون تأجيل.

المصدر : الجزيرة مباشر