سلطان “البهرة” وطائفته.. لماذا يقدسون الحاكم بأمر الله وينفقون 85 مليون جنيه على مسجده؟

جئن من شرق أسيا للصلاة خلف زعيم الطائفة بمسجد الحاكم بأمر الله بالقاهرة (رويترز)

أعادت الحكومة المصرية فتح أبواب مسجد “الحاكم بأمر الله”، المُقام عام 989م، على شكل مستطيل وصحن مكشوف، وعلى واجهته مئذنتين، بجوار باب الفتوح- حي الجمالية، بعد تجديده وترميمه..

يُعد هذا المسجد ثاني أكبر المساجد القاهرية مساحةً واتساعاً (14 ألف متر مربع)، بعد مسجد ابن طولون (حوالي 6.5 فدان). مراسم الافتتاح للمسجد، جرت بمناسبة انتهاء أعمال تطويره، التي بدأت عام 2017، وطالت كل مكوناته وزخارفه، وتكلفت 85 مليون جنيه مصري (2.7 مليون دولار تقريبا)، على نفقة “طائفة البهرة الشيعية” الهندية.

الحاكم بأمر الله، هو رابع أقدم مسجد “جامع” بالعاصمة المصرية القاهرة.. يسبقه في الأقدمية؛ جوامع عمرو بن العاص (575م- 664م) المقام في القرن السابع الميلادي بالفسطاط (مصر القديمة حاليا)، وجامع ابن طولون بحي السيدة زينب عام 879م، الذي بناه أبو العباس أحمد بن طولون (835 – 884م)، والي “مصر” العباسي، الذي أسس دولته الطولونية في مصر، واستقل بها عن الخلافة العباسية.. ثم الأزهر الشريف (الجامع، والجامعة لاحقا)، الذي بناه جوهر الصقلي عام 992م.

لماذا إنفاق كل هذا المبلغ؟

لماذا يهتم “البهرة” بإنفاق كل هذا المبلغ على جامع الحاكم بأمر الله، رغم أن أعدادهم في مصر، لا تزيد عن 15 ألفا على الأكثر، إذ لا توجد إحصاءات رسمية عن تعدادهم؟ ما علاقتهم بالخليفة الفاطمي “الحاكم بأمر الله ومسجده هذا؟
للوقوف على علاقة البهرة بالحاكم بأمر الله، فإن “الدولة الفاطمية”، وفقا للمصادر التاريخية، أسسها في المغرب أول خُلفائها الإمام عبيد الله المهدي، المناهض للخلافة العباسية، وهو علوي، يرجع نسبه- حسب ادعاء الفاطميين- إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وزوجته فاطمة الزهراء أم الحسن والحسين، ولهذا سُميت الدولة بـ “الفاطمية”. و”الفاطميون” هم الدولة الوحيدة من دول الخلافة التي اتخذت من “المذهب الشيعي الإسماعيلي” مذهبا رسميا لها، ولذلك، فإن كل خليفة فاطمي، يكون حاكما وإماما في نفس الوقت، وهم “شيعة إسماعلية”، لكون إسماعيل بن جعفر الصادق (من أحفاد الحسين بن علي بن أبي طالب)، هو الإمام المؤسس للمذهب الشيعي.

ولقد دخلت مصر العصر الفاطمي (من 969- 1171م)، مع قدوم القائد جوهر الصقلي (شيعي) بحملته إليها عام 969م، وحكمها لمدة أربع سنوات، أسس خلالها القاهرة الفاطمية لتكون عاصمة الخلافة، في عصر المعز لدين الله، وما تلاه من خلفاء فاطميين. كان الجامع الأزهر عند ميلاده ينشر المذهب الشيعي، عندما أمر الخليفة الخامس للدولة الفاطمية العزيز بالله عام 989 م، بإنشاء مسجد خارج باب الفتوح بشارع المعز لدين الله، ليُسهم مع الأزهر في تسريع نشر المذهب الشيعي.. لكنه توفي قبل إتمامه.

اعتلى المنصور بن العزيز (الحاكم بأمر الله) العرش خلفا لوالده، ليكون الخليفة الفاطمي السادس (985- 1021م، وهو بعُمر 11 عاما فقط، بما خلق صراعا في دائرة الحكم، وتسلط مربيه برجوان الصقلي استفرادا بالسلطة.. لكنه سُرعان ما أدرك خطورة منصبه، فنجح بعد سنوات قليلة في التخلص من برجوان، وغيره، بإيقاع الفتنة بينهم، بما أدى لقتلهم.. كما أتم بناء المسجد وصار باسمه.

حكام مصر وسلاطين البهرة

عودة لـ “طائفة البهرة”.. المعلومات المُتاحة عنهم، تفيد بأنهم طائفة شيعية إسماعيلية مستعلية نسبة إلى الخليفة والإمام الفاطمي التاسع المستعلي بالله أحمد (1095- 1101 م)، فهم أحفاد للفاطميين، ويُقدسون أئمتهم خُلفاء الدولة الفاطمية، ومنهم الحاكم بأمر الله.. تتركز هذه الطائفة في الهند، ومقر سلطانهم في بومباي، ولهم أتباع في باكستان، واليمن، وغيرها، ويقدر تعدادهم في العالم، بمليون فرد. تتميز مصر بالتسامح الديني دوما.. لذا، فرؤساء مصر، يرحبون بالبهرة، كما غيرهم، فالرئيس عبد الفتاح السيسي استقبل “سلطان البهرة مفضل سيف الدين”، مرتين عامي 2021، 2022، وأشركه في افتتاح مسجد سيدنا الحسين في أبريل/ نيسان الماضي، بعد تجديده.. كما سبق للرئيس الراحل حسني مبارك أيضا استقبال سلطانهم السابق محمد برهان الدين في عامي 2005 و2007. الرئيس الراحل “أنور السادات”، كان قد سمح للبهرة بالعودة إلى مصر منذ عام 1979، والاستثمار والتجارة والتملك، وإن تعرضوا للتضييق شأن باقي الجماعات الدينية، عقب اغتياله عام 1981م.. البهرة خرجوا من مصر، بعد سقوط الدولة الفاطمية في مصر عام 1171م، على يد مؤسس الدولة الأيوبية الناصر صلاح الدين الايوبي (1138-1193م).

20% من الأرباح للسلطان وتجارة البخور

“البهرة”، تعني التجارة، وأغلب أفراد الطائفة يعملون تُجارًّا، ويؤدي كل فرد 20% من أرباحه للسلطان، وهم منغلقون، لا يميلون للانخراط مع غيرهم، ولا يمارسون التبشير بدعوتهم، ويقدسون “الحاكم بأمر الله”، و”مسجده”، ولديهم اعتقاد بوجود بئر مياه مقدس فيه، لذا يتبركون به، ويسكنون في المناطق المحيطة به، وبمساجد آل البيت.. ويتاجرون بمصر في الحلويات، والمجوهرات، والبخور، والورق، والرخام.
الحاكم بأمر الله، كان غريب الأطوار، اشتهر بتناقض وغرابة قراراته، على شاكلة تحريم أكل الملوخية.. كان يُكثر القتل في الناس ممن في خدمته، ورعاياه، لأسباب واهية.. بعض الدُعاة نادوا به إلها، وراق له الأمر.. يوم 21 فبراير/ شباط 1021، خرج متنكرا في ثياب راهب، لرصد النجوم للمرة الأخيرة ولم يعًد، فقد قُتل، وتضاربت الروايات حول قاتله، والمًدبر لقتله.

رغم كل ما هو عالق بسيرة الحاكم بأمر الله، فإن طائفة “البهرة”، يقدسونه.. إنه “الاعتقاد” بقداسته، حُكم جازم قاطع لا يقبل نقاشا ولا تشكيكا.

ماذا نقول؟.. لله في خلقه شؤون.

من داخل صحن مسجد الحاكم بأمر الله بالقاهرة (رويترز)

 

المصدر : الجزيرة مباشر