إجادة الآلمانية شرط جديد للإمامة..ما الذي يزعج ألمانيا؟!

مسجد في برلين

تسعى ألمانيا منذ عدة سنوات إلى تأسيس منهج جديد يختص بحياة المسلمين في هذا البلد، يرتكز في مفهومه على تعيين أئمة مساجد ألمان من الداخل الألماني، ولدوا، ودرسوا، وتدربوا في ألمانيا  ليتولوا أمر قيادة المساجد هنا بدلا من أئمة الخارج.

في مؤتمر “الإسلام في ألمانيا” هذا العام -وهو مؤتمر يعقد سنويا منذ عام 2006 لمناقشة أوضاع وطرق تفاهم واندماج المسلمين في محيطهم الألماني- ذكرت “نانسي فيزر” وزيرة الداخلية الألمانية أنها عازمة على تقليل الاستعانة بأئمة المساجد من خارج ألمانيا، وقالت: “إن خطوات جادة تم اتخاذها على أرض الواقع من أجل تولي أئمة ألمان درسوا وتدربوا في ألمانيا أمر المساجد”. فهل تنجح في ذلك؟

أول كلية إسلامية لتأهيل أئمة المساجد في ألمانيا

لا شك أن الأمر ليس بالسهل عندما تقرر دولة ليست إسلامية القيام بهذا الدور بعيدا عن الاستعانة بأئمة تخرجوا من الجامعات الإسلامية المعروفة في العالم الإسلامي كجامعة الأزهر العريقة مثلا!!

إن تدريس العلوم الإسلامية موجود في عدد من الجامعات الألمانية مثل مونستر، وتوبينجن وأوسنابروك، وفرانكفورت، وبرلين. لكن كل هذه الجامعات لا تؤهل الدراسة فيها لممارسة عمل الإمام بصفة تلقائية؛ لأن الخريجين يحتاجون بعد الدراسة إلى التجربة العملية. لهذا أوصى المجلس العلمي الذي يعد أهم هيئة استشارية للسياسات التعليمية في ألمانيا عام 2010 بتأسيس أقسام للدراسات الإسلامية على أن يكون الهدف منها هو تأهيل أئمة ومدرسين يسمح لهم بأمر تدريس مادة التربية الإسلامية في ألمانيا.

من هنا جاء قرار تأسيس كلية إسلامية في مدينة “أوسنابروك” سنة 2019 تعتني بهذا الأمر، ويكون منوطا بها تخريج أئمة ومدرسين للتربية الدينية وفق الشروط الألمانية التي تركز على إجادة الطالب اللغة الألمانية، وأن يكون مقيما في ألمانيا، وأتم دراسة العلوم الإسلامية في إحدى الجامعات، وبعد سنتين من الدراسة والتدريب في هذه الكلية يتخرج الطالب إماما معترفا به في ألمانيا.

خلافات ألمانية تركية حول قيادة العمل الإسلامي

كانت ألمانيا متحمسة دائما لإنشاء مثل هذه الكلية لتدريب أئمة مسلمين معترف بهم رسميًّا من قبل الدولة، وكانت المستشارة الألمانية سنة 2018 قد تحدثت أمام البوندستاغ الألماني عن هذا الأمر قائلة: إن ذلك سيجعلنا أكثر استقلالية، وهذا ضروري للمستقبل!

لكن ما الذي يزعج ألمانيا في أئمة الخارج؟

يعود الأمر إلى سنوات عديدة مضت ومخاوف ألمانية من نشاط الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية (DITIB) في ألمانيا، فهو الجهة التي كانت في الغالب تشرف على تأهيل الأئمة في مساجدها بعد أن تأتي بهم من تركيا، وكانت السلطات الألمانية تنظر دائما بعين الشك إلى ذلك، خاصة في خضم خلافها السياسي مع الرئيس التركي طيب أردوغان، ولم تكن أبدا راضية عن إشراف “DITIB” وحدها على نشاط الأئمة في ألمانيا، وكثيرا ما تعرض الاتحاد الإسلامي التركي لسيل من الانتقادات الصحفية الألمانية، واتهمته الصحافة أكثر من مرة بالتجسس على أتراك معارضين، ومساندة التدخلات التركية المسلحة في دول الجوار، إضافة إلى مشاركة ممثلين من الإخوان المسلمين في إحدى الفعاليات.

معارضة المشروع

لكن الاتحاد الإسلامي التركي وكل المنظمات التي يشرف عليها ترفض تلك المزاعم، ويقول متحدث باسم الاتحاد إن القائمين على 500 مسجد فقط من أصل 2600 هم الذين يؤيدون خطوات الحكومة الألمانية لتعين أئمة ألمان بدل أئمة الخارج، وإثر هذا الخلاف أرسلت وزيرة الداخلية “نانسي فيزر” وكيلة الوزارة إلى تركيا لإجراء مزيد من المباحثات حول هذا الأمر، وتقول وزارة الداخلية الألمانية إن الأمر لا يتعلق بإضفاء طابع ألماني على الإسلام، بل بتوطين الإسلام في ألمانيا، والهدف هو أن يشعر المسلمون الذين يعيشون في ألمانيا بأنهم جزء من ألمانيا وإثراء لها.

كان أول المؤتمرات الإسلامية في سنة 2006 قد نبه إلى أن ألفين من الأئمة الذين جاؤوا من الخارج هم من يتولون إدارة المساجد آنذاك، وفي توصيات المؤتمر جاء أن ذلك الأمر لا يساهم في دمج المسلمين لأن الأئمة لا يتقنون اللغة الألمانية، ولا يعرفون طرق ومعيشة ومشاكل المسلمين في هذا البلد.

تأييد ألماني كبير

كل السياسيين الألمان أيدوا فكرة الأئمة الألمان، وكان من المفترض أن تبدأ الدراسة في كلية الإسلام عام 2020 إلا أن جائحة كورونا عرقلت الانطلاق حتى يونيو 2021.

رئيسة مجلس إدارة كلية الإسلام الألمانية “أسناف بيجيتش”، تقول إن جميع الدروس تُقدَّم باللغة الألمانية، وستكون انعكاسا لواقع وحياة المسلمين في ألمانيا، وستتكون الدفعة من 35 طالبا وفتاة، حيث يدرسون سبعة اختصاصات مختلفة، يتم تأهيلهم فيها نظريا وعمليا. ويشمل المنهج الدراسي تدريس وإعداد الخطب، وتلاوة القرآن الكريم، والتثقيف السياسي، وممارسة العبادات، والعمل الاجتماعي.

الجهة المشرفة على وضع المناهج الإسلامية

ثمة اختلاف في وجهات النظر بين الاتحادات الإسلامية في ألمانيا والحكومة، فالقيادة الإسلامية ترى أنها هي الأحق بوضع المناهج والإشراف على الأئمة، في حين ترى الحكومة أن المجلس الأعلى للمسلمين، وشخصيات علمية، واجتماعية أخرى ستهتم بالأمر.

تجربة جدية بلا شك، لا يمكن تقييم نجاحها أو عدمه إلا بعد أن يبدأ العمل بها، وعندئذ سيكون الحكم الصواب!

المصدر : الجزيرة مباشر