قصة فيلم قليل العرض التلفزيوني.. لماذا؟!

عصابة التفت حول الراقصة مراهم صاحبة الكلوب المصري ملهى الرقص والغناء، استغلوا جهلها وحبها للوطن رغم مهنتها أقنعوها أنهم يحاربون الإنجليز الذين يحتلون مصر، والملك الذي لا يقاوم الإنجليز، أدعوا أنهم فدائيون، اتفقوا مع أحدهم ليقوم بدور الجندي المحتل وفي كل مرة يقتلونه، ويدعون لمراهم أنه جندي محتل.
تطلب منهم مراهم مناضلًا متعلمًا ومثقفًا ليقود معهم الحركة الوطنية المقاومة للاحتلال والملك، وفي اللحظة نفسها تظهر عناب ابنة أخت قائدة الوطنية مراهم!!، لتوصيها خالتها قبل الموت بالاستمرار في دعم الخلية الوطنية، لكن عناب شابة وبنت مصرية جدعة تراقب الجماعة المنتحلة لصفة الوطنية، الذين يتخذون من الشعارات سبيلًا لسرقتها كما كانوا يسرقون خالتها، تبدأ عناب مراقبتهم لتكتشف أنهم مجرد عصابة يضحكون عليها كما خالتها باسم الوطنية، خاصة بعدما تركوها فريسة للملك وهربوا بأنفسهم.
هذا هو المحور الرئيس لفيلم يا مهلبية يا.. تأليف ماهر عواد وإخراج شريف عرفة من إنتاج عام 1991، وهو اللقاء الثالث بين الثنائي عرفة وعواد بعد فيلمي الأقزام قادمون، والدرجة الثالثة، أما آخر أفلامهما معًا فكان فيلم سمع هس، وتميزت أفلامهما الأربعة بالطابع الموسيقي الذي أبدعها مودي الإمام في هذه الأفلام، والانتصار لقضايا المهمشين.
صعوبة الإنتاج السينمائي
فيلم يا مهلبية يا.. قليل العرض التليفزيوني جدًا، بل هو نادر بحثت عنه طويلًا وصدفة قادتني إليه، أتذكر مشاهدته في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي في عام إنتاجه، وكانت معظم أفلام هذه المرحلة بعيدة إلى حد ما عن الإنتاج الجيد، إلى أن قاد مجموعة السينما الجديدة عاطف الطيب، رأفت الميهي، محمد خان، وخيري بشارة، بشير الديك، وشريف عرفة مع منتصف الثمانينيات وبداية التسعينيات، الموجة الجديدة للسينما، لحقهم رضوان الكاشف، ويسري نصر الله بعدهم بسنوات قليلة.
الفيلم يطرح هذه القضية من خلال مخرج سينمائي ومؤلف يريدون إنتاج فيلم خاص بهم، لكنهم يصطدمون بمنتج من تجار الانفتاح، نقابات متعسفة، وضرائب جزافية، يقرر المخرج تحويل مخزن ورثه عن والده إلى أستوديو لإنتاج فيلمه التي تدور أحداثه حول الراقصة عناب، وعصابة ادعاء الوطنية والنضال، وبالتوازي بين الأحداث حول إنتاج الفيلم للمخرج وخداع أرزقية الوطنية.
الملك هو الملك
يقنع أفراد العصابة عناب الراقصة أنهم يريدون التخلص من الملك، ويضعون خطة من خلالها لوضع السم في طبق المهلبية التي يأكلونها معه عندما يتم إغراؤه بعناب الجميلة، ولأنهم مدعون يريدون ابتزاز عناب وسرقة أموالها فقط يضعون شطة بدلًا من السم، ويهربوا تاركين عناب مع الملك، وما أدراك ما الملك؟ وكل ملك له خباياه في كل مكان وزمان.
تكتشف عناب اللعبة بعد أن تسقط، وفي الوقت ذاته يحاصرها الأمن ويبدأ في محاصرة الكلوب، يحبس أحد العاملين لأنه في منولوج جاء فيه اسم الملك، ثم يغلق الملهى، لكن عناب تكون قد اكتشفت اللعبة.
بالتوازي يلاحق مندوب نقابة الموسيقيين المخرج لاستخراج تصاريح موسيقية وغنائية لكل العاملين في الفيلم، يتخلصون من مندوب النقابة بالرشوة، مندوب الضرائب الذي يطالب المخرج بأربعة ملايين جنيهًا ضرائب على الأستوديو، والمنتج الذي يحارب فيلمهم فهو يريد لهما العمل في أفلام تجارية.
إلى فلسطين
تعود عناب إلى الملهى بعد أن تطرد الوطنيين المزيفين، وفي الوقت نفسه تلتقي أحد الشباب الوطني يجمع تبرعات لفلسطين، تثق عناب في الشاب، ثم تقوم عن طريق الوساطة بتجنيد العصابة الوطنية المزيفة، لتنشب حرب 1948 في فلسطين، يذهب هؤلاء إلى فلسطين للحرب من دون سلاح، والسلاح القليل غير صالح (حسب رواية الفيلم)، وهناك يواجهون الموت الحقيقي ويدركون معنى الاحتلال والعجز، ليعودا من هناك وقد تعلموا الدرس، وأن البداية من القاهرة، وهذه المرة يحاولون التخلص حقيقة من أسباب الهزيمة.
في المشهد النهائي بعد أن يتطهر الذين كذبوا وزيفوا وادعوا تكون المحاولة الجادة للتخلص من الملك هذه المرة بتفجير حفل راقص يقيمه الملك ويشاركون فيه، وتحدث المفاجأة ويكتشف الملك اللعبة وخلال هذه تنفجر قاعة احتفالات الملك، وكان عامل الخدع السينمائية اختلط عليه الأمر لينفجر الأستوديو، فيتم القبض على المخرج والممثلين، ولكنهم كانوا قد أتموا العمل رغم المعوقات كلها، أيضًا يكون أفراد الاسترزاق بالوطنية قد تخلصوا من الزيف وسعوا لوطنية حقيقية.
هشام سليم وليلي علوي
قدّم هشام سليم في الفيلم دور مليم فقر ناشف سارق الحقائب، الذي يتحول إلى أحمد أفندي المثقف على يد عصابة عناب، وهشام سليم بدأ التمثيل مبكرًا مع فاتن حمامة في فيلم إمبراطورية ميم 1972، وقدّم هشام ما يقرب من 102 عملًا سينمائيًا وتلفزيونيًا، في السينما ومنذ دوره في فيلم عودة الابن الضال ظهر لنا نجمًا سينمائيًا متألقًا، وفي مشواره السينمائي الكثير من الأعمال المتميزة لعلنا لا ننسى أدواره في الهجامة، ميت فل، العاصفة، يا دنيا يا غرامي، ودوره الرائع في فيلم الأرجوز مع عمر الشريف ومن إخراج هاني لاشين.
وقد كون هشام سليم مع ليلى علوي ثنائيًا فنيًا قدموا أربعة أفلام هي يا مهلبية يا، الهجامة تأليف أسامة أنور عماشة وإخراج محمد النجار، قليل من الحب كثيرًا من العنف تأليف فتحي غانم وإخراج رأفت الميهي، يا دنيا يا غرامي تأليف محمد حلمي هلال وإخراج مجدي أحمد علي، وقد تميزت أعمال هشام مع ليلي بالتعبير عن السينما الواقعية وأيضًا الحياة الشعبية البسيطة.
قدّم سليم في الدراما التليفزيونية الكثير من الأعمال الناجحة والمتميزة التي لا يمكن حصرها مثل الراية البيضا، ليالي الحلمية، حسن أرابيسك، المصراوية، وجميعها من تأليف أسامة أنور عكاشة، حرب الجواسيس، ظل المحارب، هوانم جاردن امرأة في زمن الحب والثلاثة أعمال لعكاشة، ويعدا أيضًا ثنائيًا تليفزيونيًا، وظل سليم حتى وفاته العام الماضي مثالًا للفنان الملتزم الذي يدرك رسالته ويقدمها بأخلاقيات رفيعة.