نتائج انتخابات الصحفيين في مصر ونهاية السبع العجاف

جلسة انعقاد الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين (17 مارس/آذار)

 

جاءت نتائج انتخابات نقابة الصحفيين في مصر أخيرا لتعكس رفض استمرار سياسة التكميم والتغييب خلف القضبان وإملاء الأوامر والأشخاص على الجمعية العمومية، وهو ما كشفته النتائج الأخيرة لهذه الانتخابات بالإطاحة بالمرشح الحكومي لمنصب النقيب وثلاثة من أربعة من المحسوبين على السلطة بالمجلس أيضا، وأتت الجمعية العمومية بنقيب معارض وله مشكلاته مع السلطة في أكثر من مناسبة، وكذلك اختيار أربعة من بين ستة أعضاء من تيار الاستقلال المعارض لوصاية السلطة على النقابة،  لتنهي الجمعية بذلك سبع سنوات عجاف عاشتها النقابة منذ اقتحامها في مايو/أيار 2016 وحتى مارس/آذار 2023 على الأقل على مستوى مقاعد المجلس والنقيب وإدارة شؤون النقابة.

السبع العجاف

ومنذ 2016، بدأت السنوات العجاف بواقعة لم تحدث في تاريخ النقابة من قبل، وهي اقتحامها وإلقاء القبض على زميلين، وكنت يومها شاهد عيان على هذه الواقعة، وكانت هناك محاولة للقبض عليّ مع الزميلين بسبب رفضي وزملاء آخرين ما جرى، وبالفعل تم اقتيادي عدة أمتار من قِبل أحد الضباط مع محاولة للاعتداء عليّ، وعندما شاركنا الخبر على صفحاتنا وقتها وتواصلت معنا قناة الجزيرة، لم يكن المذيع مصدقا ما جرى، وفي كل سؤال يؤكد أن هذا الكلام على مسؤوليتي من هول المفاجأة وعدم توقع أحد ما جرى، الذي كان عقابا للنقابة ولأبنائها لتنظيم مظاهرات رافضة للتنازل عن الأرض، وكان اعتصام الزملاء بمقر النقابة القشة التي قصمت ظهر البعير، نظرا للغصة التي يشعر بها الجميع.

تحدٍّ وجودي

منذ ذلك اليوم، فإن الحفاظ على النقابة -المعنى والمبنى- كان أحد الأهداف المهمة للجمعية العمومية، خاصة بعد تكفين النقابة وتغييبها لمدة أربع سنوات، بالإضافة إلى اعتقال صحفيين، وتكميم وقمع كل من يريد أن يمارس مهنته بحق، وكذلك حجب المواقع والصحف وتجويع الصحفيين -إذا جاز التعبير- بسبب إغلاق الصحف وعدم وجود مساحات للحركة والعمل، وهو ما أدى إلى بطالة غير مسبوقة وظروف اقتصادية غاية في الصعوبة، للدرجة التي دفعت بعض الصحفيين إلى هجرة المهنة والعمل بمهن أخرى.

لهذا كله، باتت الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين أمام اختبار صعب وموقف تاريخي، بل وربما أمام تحدٍّ وجودي للنقابة وأعضائها، وكان عليهم أن ينهوا هذه السنوات العجاف أو يذهب وضعهم إلى الأسوأ، هنا كانت هذه الانتفاضة التي فاجأت الجميع وعلى رأسهم السلطة والجهات المشرفة على الإعلام والصحافة في مصر، التي تولت هذا الملف وتعاملت معه بكل قسوة إمعانا في قهر الصحفيين وإذلالهم.

أداء النقيب والمجلس وموقف السلطة

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل بهذا النجاح لتيار الاستقلال -مجلسا ونقيبا- تكون السنوات العجاف قد انتهت بالفعل؟

في تقديري أنه من حيث الحضور في إدارة النقابة والمشهد الصحفي انتهت بالفعل، لأن الأغلبية صارت لهذا التيار، ولكن عمليا على الأرض الإجابة هنا محكومة بمعيارين، المعيار الأول هو أداء هذا المجلس والنقيب وقدرتهم على التعامل مع الملفات الصعبة في مجال المهنة والتركة الثقيلة التي ورثوها من مجلس حكومي كان من المفترض أن يسهم في حل بعض المشكلات، ولكن همه الأول كان المناصب والمكاسب الشخصية، وهنا يجب على النقيب الجديد ومجلسه أن يبذل قصارى جهده للتعامل مع واقع صحفي ملغم، وملفات لها الأولوية يأتي على رأسها ملفان، أولهما ملف الحريات والإفراج عن الصحفيين المعتقلين وحرية العمل الصحفي، والثاني ملف الأجور والبطالة حيث المعاناة الاقتصادية الرهيبة لقطاع كبير من الصحفيين، ثم تأتي بعد ذلك ملفات أخرى منها الصحف المغلقة والمواقع المحجوبة، والعلاج والرعاية الصحية والتشريعات الصحفية وغيرها، وكل هذا يتطلب جهدا كبيرا، ويجب إشراك الجمعية العمومية في علاج هذه الملفات بطريقة أو بأخرى للإسهام في حلها.

أما المعيار الثاني للنجاح وإنهاء السنوات العجاف، فهو تعامل السلطة مع النقيب الجديد ومجلسه، وهل ستكون مرنة معه وهناك قدر من التفاهم، أم سيكون هناك عقاب للجمعية العمومية على اختيارها؟ فمن الوارد أن السلطة أو بعض الأجهزة تحديدا ستتعامل بشكل خشن ومعقد مع النقيب ومجلسه، لأن هذه الأجهزة كانت داعمة للمرشح خالد ميري من ناحية، ولها موقفها من صحفي معارض من ناحية أخرى، طالما دخلت معه في مشكلات ومواجهات، سواء بالحكم عليه بالحبس لمدة عام أو استدعائه في بلاغات، أو حجب أي موقع يعمل به، وهو ما ستكشفه الأيام القادمة، ومرهون بالقيادة السياسية والعقلاء حولها، وما إذا كانت راغبة في تحريك بعض الملفات وتقديم صورة للخارج تخدمها في الانتخابات الرئاسية القادمة، أم ستصر على سياسة العصا الغليظة وتستمر في قمع الصحافة والصحفيين إلى ما لا نهاية؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة، ونحن في انتظار هذه الإجابة.

المصدر : الجزيرة مباشر