مصر.. انتخابات الصحفيين مجرد “صدفة” أم زلزال لتصحيح المسار؟!

الجمعية العمومية للصحفيين

 

ألقت نتائج انتخابات نقابة الصحفيين في مصر بحجر ضخم في بحيرة راكدة منذ سنوات. اعتقد البعض أن فوز المرشح لمنصب النقيب خالد البلشي ومعه 4 من أعضاء تيار الاستقلال لمجلس النقابة مجرد “صدفة” تاريخية تكررت من قبل، أو تصويت عقابي ضد المرشح الحكومي خالد ميري الذي لم يكن على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه. ذهب آخرون إلى أن الانتخابات أحدثت اختراقا في النظام القمعي المفروض على الحياة السياسية، وفتحت باب أمل للتغيير. بالغت نخبة فرأته زلزالا سيتبعه هزات، ستدفع النظام إلى فتح أبواب الحرية أمام الناس خشية تعريض البلد لطوفان غضب مكبوت، لا يعلم المسؤولون خطورة استمراره، مع تصاعد كل الأسباب المادية والاقتصادية المؤدية إلى انفجاره.

تظل الحقيقة بين أصحاب الآراء المتعددة أحادية الجانب، إلى أن ترى دوافع الناخبين القوية لإحراز فوز كاسح، عملت من أجله لفترة وبتكاليف بسيطة اقتصرت على بطاقات تعارف والتواصل مع الناخبين أعضاء الجمعية العمومية، البالغ عددهم نحو 12 ألف صحفي، في أماكن عملهم وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.

قضايا ساخنة

سبق خوض الانتخابات استطلاعات رأي داخلية حول منصب النقيب وبعض المرشحين لعضوية مجلس النقابة، بينما علم الناس بقوائم المرشحين المحسوبين على الحكومة من الإعلام الرسمي الذي تجاهل نشر معلومات عن المنافسين الآخرين.

سيطر الشباب على مناقشات القضايا الساخنة، التي تركزت حول تردي أوضاع المهنة وتراجع حقوق الصحفيين وسوء الأوضاع المالية والإدارية بالمؤسسات، بدون فرق بين مؤسسات حكومية وحزبية وخاصة، بما فيها العمل بنظام السخرة لسنوات من دون أجر، والتعيين بعد مُدد طويلة بأجور زهيدة، وحرية الإدارة في فصل أو تعديل عمل الصحفيين، وتشغيلهم وفقا لأوامر أمنية وإدارية، وتركهم دون حماية مهنية أثناء العمل في الشوارع والمناطق الخطرة أو التعامل مع الجمهور والمصادر الرسمية.

احتلت قضية المهنية الأولوية القصوى بين كبار السن، ممن فقدوا القدرة على الكتابة أو أحالتهم المؤسسات إلى التقاعد عند بلوغهم سن الستين، بحجّة ترشيد النفقات ومواجهة خسائر التشغيل، بينما تحافظ على بقاء بعضهم وتمنحهم امتيازات مالية، وتغدق على نخبة منهم ملايين الجنيهات، دون ضابط ولا رابط. اعترض الشباب والكبار على أن تصبح مناصب البعض في النقابة مطية للمرشحين لتولي مناصب بالمؤسسات وعضوية البرلمان، والحصول على امتيازات، دون أن يحققوا مكاسب للناخبين، وابتعادهم عن مناقشة أمورهم، حتى داخل اجتماعات شهرية بالنقابة.

البحث عن البدل والبديل

اشتركت الأغلبية في البحث عن بدائل، بعد أن تحول مسؤولون ببعض الصحف إلى أداة قهر لزملائهم، بكتابة تقارير أمنية، تعزلهم من وظائفهم أو تبعدهم عن الكتابة، بالإضافة إلى تحدّث عدد كبير منهم داخل النقابة والمؤسسات باسم “الأجهزة العليا” لإقصاء أي أصوات معارضة، وتخويف مَن حولهم وإجبارهم على الولاء وفقا للسمع والطاعة والسير في ركاب السلطة، وإلا تحول المخالف إلى “خائن أو إرهابي محتمل”.

تحولت قضية المعتقلين من الصحفيين وسجناء الرأي إلى نقطة نقاش عامة تلقى اهتماما واسعا، في ظل تجاهل كبير من رؤساء المؤسسات والصحف، وقصر الاهتمام بها على النقيب المنتهية ولايته ضياء رشوان، مع عدم قدرته على إغلاق ملف المعتقلين بالكامل قبل رحيله، وفقا لما وعد به طوال سنوات.

دفع تلكؤ السلطة بالإفراج عن المعتقلين، مع التوسع في إلقاء القبض على أصحاب الرأي، الذي طال  أطياف المجتمع كافة، ورموزا بالتيارات السياسية خاصة الناصريين واليساريين الداعمين لنظام 3 يوليو/تموز 2013، وعدم قدرة الصحفيين على التعبير عن آلام المعتقلين وعائلاتهم، أشعرهم بالضعف والهوان في مواجهة المجتمع، في وقت يتعرضون فيه لإهانات مهنية أثناء عملهم أو تحركهم بمعدات التصوير داخل مترو الانفاق والمواصلات العامة. أصبح هم الشباب نيل حقوقهم المادية المسلوبة، والحصول على قسط من المجد الذي يتحاكى عنه شيوخ المهنة، وإزالة الأكفان والبوابات الأمنية على النقابة التي طالما حالت دون دخولهم النقابة، لعرض شكواهم من مؤسساتهم قبل مرحلة التعيين وتجاهل مطالبهم في المراحل التالية.

الشباب يطلب التغيير

تمخضت الرغبة بالتغيير في ذهن الشباب بدرجة أقوى من الكبار الذين فضل عدد كبير منهم الانسحاب من المشهد، واكتفى بعضهم بالتعبير عن مخاوفه على مستقبل المهنة، بالكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل ظروف لا تسمح بمناقشة قضاياهم المهمة في اجتماعات عامة أو عبر الصحف أو وسائل الإعلام التي أممتها السلطة تحت رقابة حراس البوابات الحريصين على استمرار امتيازاتهم بالامتثال للتعليمات التي تأتيهم عبر الهواتف أو مكتوبة أو تُلقى عليهم في اجتماعات خاصة.

زاد الطين بلة بأن أصبح هؤلاء المستفيدون “ملكيين أكثر من الملك”، فانشغلوا بملاحقة الصحفيين، بما أنساهم أصول المهنة وتجويدها، الذي دفع الرئاسة إلى إظهار شكواها علنا مرات عدة من أدائهم الضعيف، وطلبها من الأجهزة البحث عن شخصيات أفضل قادرة على صنع إعلام دعائي أكثر قيمة ومشاهدة، يعيد إليهم الجمهور الغائب الذي يتابع شؤونه عبر إعلام الخارج.

الطامة الكبرى

جاءت الطامة الكبرى مع اقتراب أيام الانتخابات، حيث اقتصر أعضاء المجلس والنقيب الحكوميون، من خريجي مجموعة “تصحيح المسار” التي شكلتها الأجهزة الأمنية لضرب وحدة النقابة، بعد تظاهر المواطنين أمام بواباتها لأيام، احتجاجا على أزمة الجزر. وفي المقابل، انشغل المنافسون بإطفاء مشكلات توقف صرف الرواتب بصحف حزبية وخاصة، والبحث عن حلول عاجلة لقضايا المعتقلين.

تبع ذلك تدخّل حزب “مستقبل وطن” المخلوق أمنيا في انتخابات النقابة علنا وبتبجح في ظاهرة لم تشهدها النقابة بأحلك فتراتها سوادا، مع تبرّع رجال أعمال بنفقات المرشح لمنصب النقيب، وتدخّل وزارات بتعويم مرشحين دون غيرهم برشاوى انتخابية، وتشكيل مجموعات لمساعدة نفر منهم لإدارة الانتخابات، على مرأى ومسمع من الجميع.

وسط أزمة مالية حادة، أيقن شباب الصحفيين أن المنحة التي قررها رئيس الوزراء لتعويم مرشحه، بنحو 600 جنيه، لا تكفي لشراء 3 دجاجات، بينما أصبح بدل التكنولوجيا المنحة الحكومية، العائد الوحيد شهريا، أو الأكبر لنحو نصف أعضاء النقابة، إذ يبلغ 3500 جنيه (نحو 113 دولارا) لن يكفي التزاماتهم اليومية، ولن يغني عوائلهم الغاضبين من دخولهم المتردية.

وانفجر الغضب

جاءت الأسباب كلها لتفجّر موجة الغضب لدى الأغلبية التي شاركت في تصويت عقابي ضد الذين استباحوا حرمة المهنة واستقلال النقابة، والباحثين عن تغيير وإعادة الدور الريادي إلى النقابة في توعية الناس وقيادة الرأي العام، والشباب الحريص على “كنس” أدوات الفساد، التي تحول دون شعوره بفخر الانتساب إلى مهنة طالما حلموا بشرف الانتماء إليها.

ثار الباحثون عن الشرف والمجد والتغيير إلى الأفضل، فجاؤوا بنقيب منهم، و6 أعضاء بالمجلس يحبونهم ويخدمونهم بصدق. وفي رسالة موجهة إلى النظام، طردوا أشباح لجنة “تصحيح المسار” الذين حاولوا تفتيت وحدة الصحفيين على مدار 8 سنوات، وظنوا أنهم باقون في مقاعدهم إلى الأبد.

المصدر : الجزيرة مباشر