لعلها بداية الغيث.. البلشي المحاصر صحفيا نقيبا

خالد البلشي الفائز بموقع نقيب الصحفيين المصريين

كأنها نقطة ماء في صحراء قاحلة لا زرع فيها ولا ماء، في طريق طويل ليس فيه سوى شمس حارقة جففت حلوقنا فجاء الغيث والبشرى من الله بأننا نستطيع رغم كل الأهوال والأوهام.. أو كأنه الضوء في نهاية نفق مظلم استمر سنوات عشرا عجافا، عشرية سوداء في تاريخ الوطن، وكأنه الأمل لمن فقده من طول الطريق والظلام.

هكذا جاء خبر فوز خالد البلشي الصحفي المحجوب موقعه في مصر المحاصر في قلمه، نقيبًا للصحفيين، بعد سنوات من استيلاء سلطات الأمن وتابعيها من أصحاب المناصب في مؤسسات الحكومة على النقابة، فوز النقيب الذي منع من الكتابة في مصر سنوات وعوقب على موقفه في قضية الجزر فأسقط في الانتخابات السابقة يعني أن بوابة الأمل مفتوحة لمن يدرك الغاية والسبيل، فلكل غاية طريق إليها، ولا خلط في الطرق.

توحدوا فانتصروا

توحدت الجماعة الصحفية خلف صحفي عاش سنواته الصحفية مدافعا عن الحرية: حرية الصحافة والصحفيين، لم يترك صحفيا اتهم في قضايا النشر إلا وسعى معه وخلفه للإفراج عنه، أدرك الصحفيون أخيرا أن قوة الجماعة الوطنية كافة في وحدتهم، ولم تر مصر فرحة كتلك الليلة منذ سنوات.

توحد الصحفيون في كل الأرجاء مع النقيب وخلفه في المعركة، فليست نقابة الصحفيين كأي نقابة، فقد كانت هي ونقابة المحامين قبلة الأحرار والثوار عقودا طويلة، وكانت سلالم النقابتين عنوانا للحرية، وتوحدت مصر كلها بكل الأطياف في الفرحة، من أقصى بقاع الأرض زغردوا فرحا بنصر بسيط ولكنه بوابة الأمل لانتصارات أخرى، لم يغب صحفي شريف من أبناء الجماعة الوطنية عن دعمه ورفاقه أعضاء المجلس فكانت النتيجة الجميلة بنجاحه وأربعة صحفيين من تيار الاستقلال الصحفي هم: جمال عبد الرحيم، وهشام يونس، ومحمد الجارجي، ومحمود كامل، ليصبح في المجلس أول مرة أغلبية لتيار الاستقلال، ولأنى أعرف بعض من نجحوا من خارجه أقول إن المجلس ستكون أغلبيته لصالح الصحافة والصحفيين.

انتصرت إرادة الصحفيين على كل أدوات التزييف من عطاءات ومنح ورشى مقننة أو غير مقننة، على أساليب شرعية أو غير شرعية، انتصروا لأنهم أدركوا أن وحدتهم خلف صحفيين يدركون معنى المهنة وحريتها هي طريق تقدمهم وانتصارهم، لا يهم انتماؤه بل مهنيته وأن يكون حرا مدافعا عن حريتهم.

العشرية السوداء تنكسر

عشر سنوات والنقابة محاصرة، النقابة تُقتحم، ويُعتقل صحفيون من النقابة ويحبسون في واقعة كانت تاريخية ووحيدة في تاريخها، صحفيون يحبسون فقط لأنهم مارسوا المهنة، أو عبروا عن آرائهم على صفحات التواصل الاجتماعي، أمضى بعضهم سنوات في السجن والاعتقال وخرجوا، ولا يزال بعضهم يمضي سنوات في السجون، أكثر من 35 صحفيا لا يزالون هناك في غياهب “الجب المغولي”.

منذ أربع سنوات ونقابة الصحفيين مغطاة برداء أسود سماه الصحفيون كفن النقابة، وتذكروا مؤخرا قبل الانتخابات أن يزيلوه، فكان أجمل لقطة شهدتها النقابة في سنواتها الأربع الأخيرة حينما جلس النقيب والصحفيون عليه تيمنا برمزيته التاريخية كسلم للحريات، لم تكن لقطة عابرة بقدر ما كانت مؤثرة ومبكية، نعم بكيت وأنا البعيد عنها عندما رأيت جلوس خالد البلشي ورفاقه على السلم التاريخي لنقابة الرأي والحرية.

نعم من حقنا الفرح بنجاح رفاق طريق في مجلس النقابة، إنها الهزة الأولى في زلزال التغيير المنشود والمنتظر، أجل سبقته نجاحات في نقابة الأطباء، ونقابة المهندسين، لكن لنقابة الصحفيين مذاقها الخاص، فهي نقابة الكلمة وللكلمة قيمتها، أليس شرف الإنسان هو الكلمة؟ ما دين الرجل سوى كلمة بحسب تعبير الشاعر المفكر الراحل عبد الرحمن الشرقاوي، أليست الحرية كلمة؟

من حقنا نفرح بأن كل القوى الوطنية أدركت أن نبذ الخلافات والإقصاء والتناحر هو طريق انتشال نقابتهم ووطنهم، ألا نبكي فرحًا أن توحدت مصر أخيرا على فرحة جامعة لا تفرق بين المواطنين، بل كان الطريق إليها هو وحدتهم في العمل، وعندما توحدوا عملا انتصروا ففرحوا جميعا.

الغاية الكبرى

إنها الغاية والملتقى، السعي واللقاء، إننا نبغيها ونسعى إليها، درة بلاد الشرق، مفتاح العالم وسر السيطرة عليه، مصر الوطن قلب الأمة ومفتاحها، بوابة العلم والتوحيد، نفرح لها وبها، نناجيها ليل نهار، يقظة وحلمًا، نعم هي الغاية والسبيل، الغاية عودتها إلى أبنائها، والسبيل لعودة أمتنا العربية والإسلامية، نعم مصر بكل مكوناتها وكل تاريخها وأطيافها هي الغاية، وبكل هؤلاء هي السبيل.

لكن لكل غاية طريق، فليس طريق هذه يكون طريق تلك، في الجبال لا تجدي السيارة، وفي السهل يكون لها طريق أيسر، لكن الأمل ولد في تلك اللحظات التي توحدت فيها إرادة الصحفيين، فكانت فرحة المصريين، وبداية الغيث قطرة وقد بدأت تمطر فإلى أمطار الحرية للوطن نتشوق وقد عرفنا السبيل، في وحدتنا قوتنا، وفي تآلفنا انتصار الحرية للأوطان، في تواري الذات والمصالح والانتهازية وإنكار الذات بداية اللقاء مع الغاية في نهاية الطريق الوعر الذي عشناه سنوات طويلة، وعلى الله قصد السبيل.

المصدر : الجزيرة مباشر