المزاج العام للمصريين.. من السياسة إلى الرياضة

أحمد عبد القادر (يمين) من الأهلي في مواجهة بيتر شالوليلي (يسار) ماميلودي خلال مباراة المجموعة الثانية بدوري أبطال أفريقيا بين الأهلي المصري وجنوب أفريقيا صنداونز

حالة من الحزن عاشتها جماهير الكرة في مصر، أو إن شئت قل شعب مصر، في أعقاب الهزيمة الكبيرة التي لحقت بفريق الكرة بالنادي الأهلي، من فريق (صن داونز) الجنوب أفريقي (5- 2)، في دوري أبطال أفريقيا، ثم الهزيمة غير المتوقعة للزمالك من فريق إنبي، متذيل جدول الدوري المحلي (2- صفر)، وذلك بالتزامن مع هزيمة ليفربول (النادي الذي يلعب به المحترف محمد صلاح) في الدوري الإنجليزي (1-صفر) من بورنموث، متذيل الجدول أيضا، وذلك لأن ليفربول، من أجل عيون محمد صلاح، ينافس كلًّا من الأهلي والزمالك في دائرة الاهتمام لدى مشجعي الكرة المصريين.

حالة الحزن أو الغضب كانت واضحة في الشارع، في المقاهي، في مواقع العمل، في مواقع التواصل الاجتماعي، في المنازل، في الاتصالات الهاتفية، في كل مكان تقريبًا، حتى في برامج (التوك شو)، وهو ما لم نعد نشاهده في القضايا السياسية، لم نعد نشاهده مع اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلية لنابلس بالضفة الغربية، ولا في قصف دولة الاحتلال للأراضي السورية، لم نعد نشاهده في اشتباكات مسلحة باليمن السعيد، ولا في انفجارات بالعراق الشقيق، ولا في مظاهرات الأشقاء بالسودان، ولا في احتجاجات الإخوة التونسيين، ولا في غير ذلك مما كان يشكل الشغل الشاغل للمصريين يومًا ما، على امتداد القرن الماضي بشكل خاص.

تبدل اهتمام المصريين

الآن تبدلت اهتمامات المصريين، لم يعد يعنيهم وجود برلمان على مستوى برلمانات القرن الماضي، لم يعد يعنيهم وجود أحزاب النصف الأول من ذلك القرن، ولا صحافة معارضة النصف الثاني، لم يعد الشعب يهتم بشراء الصحف، ولا بمشاهدة نشرة أخبار التاسعة مساء، لم يعد يهتم بالشأن السياسي الداخلي، ولا بالتطورات الخارجية المتسارعة، لا الإقليمية منها ولا العالمية، باختصار: لم يعد الشعب مسيسًا إن صح التعبير، ليس ذلك فقط، بل لم يعد يبالي بكل شيء ولا بأي شيء.

كان الشعب المصري في السابق، ينتظر نشرات أخبار إذاعة الـبي بي سي، وصوت أمريكا، ومونت كارلو، كان ينتظر صدور مجلات العربي الكويتية، والدوحة القطرية، والفيصل السعودية، والحوادث اللبنانية، كان يقرأ بشغف مجلات المصور، وآخر ساعة، والدعوة، والاعتصام، وروز اليوسف، وحتى الموعد، والشبكة، والإذاعة والتلفزيون، كان يقتني صحف الشعب، والأهالي، والأحرار، والوفد، كان العدد الأسبوعي لصحيفتي الأهرام وأخبار اليوم يوزع نحو مليون نسخة، في الوقت الذي كان عدد السكان لا يزيد على 40 مليون نسمة.

ما الذي حدث للمصريين، ومزاج المصريين، والحالة العامة للمصريين؟ هل كان ذلك التحول صدفة، أم نتاج أحوال اجتماعية طارئة، واقتصادية متردية، وسياسية مرتبكة، أم أنه نتاج مخطط متقن نجح بامتياز في تحييد شعب كامل حتى عن أهم قضاياه؟ مما جعل مباراة في كرة القدم، أو بيع وشراء لاعب، أكثر أهمية من تنازل عن أرض، أو تفريط في مصدر مياه، أو حتى بيع أصول ما كان يمكن تخيل بيعها في الأحلام والكوابيس، علمًا بأن اهتمام الشعب المصري بالشأن الرياضي كان حاضرا طوال الأزمنة المنصرمة، إلا أن ذلك لم يشغله أبدًا عن قضايا وطنه، ولا حتى قضايا إقليمه.

74 شابًّا في عمر الزهور، من جماهير النادي الأهلي، لقوا حتفهم في ظروف ملتبسة بملعب بورسعيد في شهر فبراير/ شباط عام 2012، وكان ذلك حدثًا كفيلًا بإغلاق ملف الرياضة في مصر، أو في النادي الأهلي على أقل تقدير إلى أجل غير مسمى. 22 شابًّا في مقتبل العمر، من جماهير نادي الزمالك لقوا حتفهم بملعب الدفاع الجوي في شهر فبراير عام 2015 في ظروف مريبة أيضا، وكان كفيلًا بإعادة النظر في هذا الوضع كله، أيضا منع الجماهير من حضور المباريات تمامًا، ثم السماح الآن بحضور أعداد هزيلة (لأسباب أمنية) إجراء غير مسبوق لا يشجع أصلًا على نمو النشاط الرياضي، لا على المستوى المحلي ولا الدولي، إلا أن المزاج المصري مستمر بشغف في متابعة هذا النشاط المخضب بالدماء والتآمر، لأسباب لم تنل نصيبها من البحث والدراسة.

الوفرة في المحللين الرياضيين

على العكس من كل ذلك، سوف يكتشف المراقب للأحداث، نمو عدد القنوات التلفزيونية الرياضية في السنوات الأخيرة بشكل واضح، وسوف يكتشف أيضا الزيادة المضطردة في عدد البرامج الرياضية بالقنوات غير المتخصصة، وسوف يكتشف وفرة غير مسبوقة في عدد المحللين الرياضيين، من إعلاميين، ورياضيين، ومنتسبين، وهواة، وسوف يكتشف مهاترات واشتباكات وسجالات وقضايا جنائية وإدارية لجذب المشاهدين، مما كان له أكبر الأثر في هذه الحالة التي أشرنا إليها، والتي جعلت قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية بشكل خاص، تتوارى إلى الخلف، من دون أدنى انزعاج من رجل الشارع.

لن أكون مبالغاً إذا قلت إن أكثر من 90%؜؜ من الشعب المصري لا يعلم أن هناك عشرات الآلاف في السجون ينتظرون الرحمة بقرار سياسي يعيدهم إلى أسرهم بعد سنوات من القهر، لن أكون مبالغًا إذا قلت إن غالبية الشعب الآن لا تعنيها حرية صحافة، ولا استقلال إعلام، ولا قضايا الرأي، ولا حقوق الإنسان، ولا حرية السفر، ولا قضايا التحفظ، ولا أي شيء من هذا القبيل، لن أكون مزايدًا إذا قلت إن حالة اللاوعي هذه، هي أسوأ ما تعرض له الشعب المصري عبر تاريخه القديم والحديث معًا، وهي المتعلقة بتجهيله وتغييبه وإبعاده عن مجريات الأحداث داخليًّا وخارجيًّا.

أعتقد أن إغلاق مئات المواقع الإلكترونية الإخبارية، المحلية والإقليمية والدولية، هو وحده كفيل بنشر هذه الحالة من التغييب، أيضا عشرات الكتائب الإلكترونية التي تنشر على مدار الساعة ما يضيف المزيد من البلادة والغباء، إشاعة أجواء الرعب والخوف من الاعتقال والحبس ساهمت بشكل كبير في ابتعاد المثقفين عن الشأن العام، لذا كان من الطبيعي أن يتجه الشارع إلى عالم الرياضة، رغم رائحة الموت، وما يحيط بالنشاط من تراجع قاري، وفساد مستشر، جعل الجماهير تعيش ليالي طويلة من الحزن، فهربت منه معظم الوقت إلى الدوريات العالمية، وفي مقدمتها الدوري الإنجليزي، على اعتبار أنها نوع من الهجرة، إلا أنها هجرة شرعية.

المصدر : الجزيرة مباشر