مصر.. هل يتكرر ما حدث بنقابة المهندسين في الصحفيين؟

مظاهرات الصحفيين المصريين احتجاجا على اقتحام الشرطة مقر نقابتهم عام 2016

 

في 11 مارس/آذار من العام الماضي، تم الإعلان عن فوز الدكتور عبد الستار يمامة، في انتخابات رئاسة حزب الوفد علي بهاء الدين أبو شقة رئيس الحزب، رغم أن اسم الدكتور يمامة لم يكن معروفا لأحد بينما يشغل منافسه منصب وكيل مجلس الشيوخ، وبعد يومين فقط تم الإعلان عن فوز المهندس طارق النبراوي بمنصب نقيب المهندسين، على المرشح الحكومي هاني ضاحي نقيب المهندسين وقتها ووزير النقل الأسبق.

ومع مواكبة ذلك للإفراج عن عدد قليل من المعتقلين، راح البعض يتحدث عن تغير في المشهد السياسي باتجاه المزيد من الحريات، لكن خبراء على صلة بالملف الحقوقي قالوا إن الأمر مصادفة، حيث كان مقررا في تلك الأثناء حضور اثنين من المسؤولين الأمريكيين لبحث ملف حالة حقوق الإنسان في مصر، وأرادت الإدارة المصرية تقديم برهان علي حدوث تغير قبل حضورهما، لكن الزيارة أُلغيت.

وأثبتت الفترة التالية بما شهدته من استمرار الممارسات نفسها ضد الحريات صحة ذلك التفسير، ولعل منها ما قيل عن إجراء حوار وطني ظل يتم تأجيله حتى الآن، حتى المؤتمر الاقتصادي قال الجنرال في ختامه للحضور، إن أي طالب في بداية الدراسة بكلية التجارة أو الاقتصاد كان سيقول ما قالوه في المؤتمر!

أذكر تلك القصة بسبب ما يردده البعض حاليا، من توقعهم تكرار ما حدث بنقابة المهندسين من تفوّق المرشح اليساري على المرشح الحكومي، خلال انتخابات نقابة الصحفيين التي ستجري تلك الأيام، مستندين الي أن اليسار اتخذ موقفا مساندا للجنرال منذ البداية، ووافق على الاشتراك في الحوار الوطني ولم ينسحب منه رغم تكرار التأجيل وعدم تحديد موعد حاسم، ومن ثم فإنه مضمون عدم تجاوزه الخطوط الحمراء.

صوت غير مسموع لنقابة المهندسين

لكن المقارنة في رأيي ليست متكافئة، فالمهندس طارق النبراوي كان خصما للإسلاميين، خلال تقلدهم نقابة المهندسين قبل فرض الحراسة علي  النقابة عام 1994، وتمت الاستعانة به من قِبل النظام الحالي كي يحل محل المجلس الذي تم انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وهكذا لم يسمع أحد له رأيا في توسعة قناة السويس أو غيرها من المشروعات مثل العاصمة الإدارية، رغم أنه حسب المادة الأولى من قانون نقابة المهندسين، فإن النقابة تُعَد هيئة استشارية للدولة في مجال تخصصها، كما أن من أهدافها حسب المادة الثانية من قانونها الإسهام في دراسة خطط التنمية الاقتصادية والمشروعات الصناعية والهندسية.

أما نقابة الصحفيين فهي نقابة رأى، والمرشح اليساري لمنصب النقيب كان رئيسا للجنة الحريات خلال عضويته بمجلس النقابة، وكانت له آراء ومواقف تسببت في الحكم عليه بالحبس عاما مع إيقاف التنفيذ، في مارس/آذار 2017 مع نقيب الصحفيين حينئذ وعضو آخر بمجلس النقابة، بسبب اعتراضهم على اقتحام الشرطة مقر النقابة في مايو/أيار 2016.

ولهذا فإن الدولة مستعدة لبذل الكثير من المال للحصول على إسكات نقابة الصحفيين، بينما إسكات نقابة المهندسين مضمون من خلال الأغلبية بمجلس النقابة، أو بالتهديد بما تم في يناير/كانون الثاني 2014 من خلال تقدم 176 عضوا بالنقابة بطلب سحب الثقة من النقيب المنتخب ومن مجلس النقابة، وهو ما تم تنفيذه عمليا من خلال وزير الموارد المائية الذي يشرف قانونا على النقابة.

وللتأكيد على الرأي السابق، دعونا نتناول الموقف المالي لكلتا النقابتين حسب آخر بيانات مالية تخص العام الماضي، مع الأخذ في الاعتبار الاختلاف الكبير في حجم العضوية بينهما، التي تبلغ 796 ألف عضو بنقابة المهندسين بنهاية عام 2021، مقابل 11 ألفا و527 عضو بنقابة الصحفيين في الوقت ذاته.

ففي نقابة المهندسين، وحيث جري العرف على استعراض الموقف المالي من خلال أربعة صناديق هي: المعاشات والنقابة والرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية، فقد قمنا للتبسيط بدمج تلك الحسابات للصناديق الأربعة للخروج ببيانات موحدة للنقابة، حيث بلغ اجمالي إيرادات النقابة مليارين و890 مليون جنيه، وهو ما يُعَد الرقم الأكبر بين إيرادات النقابات المهنية المصرية.

  1.8 مليار جنيه من الدمغة الهندسية

وبالتعرف على مصادر تلك الإيرادات يتضح مدى استغناء النقابة عن الدعم الحكومي، حيث كان المورد الأكبر متمثلا في الدمغة الهندسية المفروضة قانونا، بقيمة مليار و801 مليون جنيه أي بنحو 62% من إجمالي الإيرادات، و229 مليونا من اشتراكات العلاج، و207 ملايين من بيع وحدات سكنية، و165 مليونا من عوائد أذون الخزانة التي  تستثمر فيها جانبا من أموالها، و107 ملايين من استثمارات في شركات شقيقة، و69 مليونا من شهادات الإشراف الهندسي والتصالح، و64 مليونا فوائد للودائع، و42 مليونا رسوم قيد، و19 مليونا رسوم دورات تدريب، و17 مليون جنيه من اشتراكات الأعضاء.

بينما نجد الموقف المالي في العام الماضي بنقابة الصحفيين مختلفا تماما، ونظرا لوجود أربعة حسابات فرعية بالنقابة تخص: الأنشطة والعلاج والمعاشات وبدل التدريب والتكنولوجيا، فقد قمنا بدمجها معا للتبسيط في عرض موقف مالي موحد، حيث بلغت إيرادات النقابة نحو 276 مليون جنيه، منها 172 مليونا من وزارة المالية لبدل التدريب والتكنولوجيا، و88.6 مليون جنيه دعما حكوميا من وزارة المالية عبر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وهكذا يمثل الدعم الحكومي نسبة 95% من الإيرادات.

بالإضافة إلى إيرادات تقوم النقابة بتحويلها إلى جهات أخرى تبلغ 8.6 ملايين جنيه، موزعة ما بين 6 ملايين اشتراكات بمشروع العلاج و2.2 مليون اشتراكات في رحلات الحج والعمرة، و423 ألف جنيه اشتراكات بالمصايف والرحلات.

لتتبقى الموارد الدائنة للنقابة بقيمة 6.1 ملايين جنيه تمثل نسبة 2% من إجمالي الإيرادات، وباستعراض نوعيات تلك الموارد الذاتية، نجد 1.649 مليون جنيه قيمة إعلانات بدليل مشروع العلاج، و1.580 مليون اشتراكات، و1.053 مليون فوائد للودائع التي حصلت عليها النقابة من الدعم الحكومي، و404 آلاف جنيه رسوما إدارية بمشروع العلاج، و362 ألفا من الدمغة الصحفية، و270 ألفا رسوم التنازل عن وحدات سكنية في مدينتي، و261 ألفا من نسبة 1% المفروضة على الإعلانات بالصحف لصالح النقابة، و209 آلاف من بطاقات الصحفيين، و161 ألفا من بطاقات العلاج، و122 ألف جنيه لرسم القيد، أما حصيلة تأجير قاعات النقابة للأحزاب والجمعيات الأهلية  فكانت صفرا لأسباب يدركها الجميع.

  الدعم الحكومي وراء الفائض في الصحفيين

والغريب أنه رغم الدعم الحكومي السخي الذي حصل صندوق المعاشات منه على 46.6 مليون جنيه، فقد حقق الصندوق عجزا بلغ 2.8 مليون جنيه، والأمر نفسه بمشروع العلاج الذي حصل على دعم حكومي بقيمة 14.5 مليون جنيه، ورغم ذلك فقد حقق خسارة بلغت 3.2 ملايين جنيه، وعوّض تلك الخسارة الفائض الذي حققه حساب الأنشطة بنحو 10 ملايين جنيه، في ظل حصوله على دعم حكومي بلغ 27.5 مليون جنيه، وفائض حساب بدل التدريب البالغ نحو مليون جنيه.

وهكذا نجد نقابة المهندسين قد حققت خلال العام الماضي فائضا بلغ 466 مليون جنيه من مواردها الذاتية، فرقا بين الإيرادات البالغة مليارين و890 مليونا، والمصروفات البالغة مليارين و424 مليون جنيه، في حين بلغت فوائض نقابة الصحفيين 5 ملايين جنيه، فرقا بين الإيرادات البالغة 275.6 مليونا والمصروفات البالغة 270.6 مليون جنيه.

وفي إطار التجهيز للانتخابات الحالية، قال مرشح الحكومة إنه قد حصل على 100 مليون جنيه من وزارة المالية، لزيادة بدل التدريب بقيمة 600 جنيه للصحفي، وزيادة المعاشات بقيمة 500 جنيه لكل صاحب معاش، ودعم مشروع العلاج، وأضاف في حديثه للصحفيين بوكالة أنباء الشرق الأوسط المنشور بصحف اليوم الثاني عشر من الشهر الجاري، أن ذلك يعني أن الدولة تدعم النقابة بقيمة 580 مليون جنيه سنويا!

وهكذا يبرهن النظام الحالي على أنه مستعد لإنفاق مئات الملايين من الجنيهات، رغم الأزمة الاقتصادية والعجز الضخم بالموازنة الحكومية، لإسكات صوت نقابة الصحفيين، امتدادا لما ينفقه على الفضائيات والإذاعات وإنتاج الأفلام والمسلسلات، سعيا لهيمنة إعلام الصوت الواحد.

المصدر : الجزيرة مباشر