الصحفيون المصريون يحصدون ما يزرعون!!

جانب من المظاهرات التي شهدتها نقابة الصحفيين المصريين احتجاجا على اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لمراسلة الجزيرة "شيرين أبو عاقلة"

 

انتخابات نقابة الصحفيين المصريين التي تجري الجمعة 17 مارس/آذار ليست الأقوى أو الأهم وإن زعم البعض ذلك، بل ربما هي واحدة من أبهت الانتخابات، نظرا لإجرائها في مناخ عام مغلق من ناحية، ولغياب المنافسة القوية من ناحية أخرى، وغياب عشرات الصحفيين خلف القضبان، لكنها رغم كل ذلك تبقى فرصة جديدة أمام الصحفيين لاستعادة حريتهم وكرامتهم التي هي طريق لاستعادة حرية وكرامة الوطن.

مرت نقابة الصحفيين بتجارب انتخابية تنافسية عديدة، ينبغي على الأجيال الجديدة أن تعرفها، وحين أحسن الصحفيون اختيار ممثليهم في بعضها فإنهم حصدوا ثمار ذلك مجالس قوية دافعت عن أوضاعهم المعيشية، كما دافعت عن حرياتهم وكرامتهم المهنية، ولنتذكر هنا المؤتمر الاقتصادي، وتحسين عقود عمل الصحفيين، ومواجهة مسعى السادات لتحويل النقابة إلى نادٍ اجتماعي عقابا على موقفها الرافض للتطبيع، أو مواجهتها لمبارك في أزمة القانون 95 لسنة 1993، وفي المقابل حين أساء الصحفيون الاختيار فإنهم حصدوا ثمار ذلك مجالس ضعيفة سلمتهم للشرطة، وكفنت النقابة نفسها، وأغلقت قاعاتها واستراحاتها، بل أغلقت هواتفها في وجه زملائهم، ولم تحرص على انتظام اجتماعاتها وفقا للقانون، واكتفت بالإدارة عن بُعد.

صحفيون سائقو أجرة

كغيرهم من فئات المجتمع، يعاني الصحفيون المصريون أوضاعا اقتصادية متردية، دفعت الكثيرين منهم إلى العمل في أكثر من مكان، بل دفعت بعضهم للعمل سائق أجرة إضافة إلى عمله الصحفي، ودفعت البعض الآخر لهجر المهنة إلى مهن أخرى، مثل أعمال البناء والمقاولات، ليس مقاولين أو مطورين عقاريين ولكنْ مشرفين، وموردي عمال يومية.

وكغيرهم من فئات المجتمع، يعاني الصحفيون الاستبداد السياسي والقمع الأمني، الذي أودى بحياة بعضهم بالفعل خلال السنوات العشر الماضية خلال أدائهم عملهم في تغطية المظاهرات (ميادة أشرف نموذجا) أو على حواجز حظر التجوال الليلي (تامر عبد الرؤوف نموذجا) أو في غياهب السجون أو بسببها (محمد منير وشادي حبش نموذجين) كما تعرّض عشرات بل مئات الصحفيين للحبس والاعتقال لمدد متفاوتة خلال السنوات الماضية، ووصل عدد من مرّوا بتجربة الاعتقال المؤقت أو المستمر نحو 300 صحفي وإعلامي بقى منهم في الحبس حتى هذه اللحظة ما يقرب من الخمسين، ناهيك عن حالة التأميم شبه الكامل للإعلام الخاص، الذي أعاد إلى الصحافة المصرية رونقها من قبل، والذي أسهم بدرجة كبيرة في تحسين أوضاع الصحفيين المعيشية. إنها سياسة “اضرب المربوط يخاف السايب” والهدف نشر الخوف بين الصحفيين والإعلاميين حتى ينسوا تماما أصول مهنتهم، ويلتزموا فقط بما تطلبه منهم الأجهزة الأمنية عبر تعليمات “السامسونج”.

الحصاد المر

ما تعانيه الصحافة المصرية سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي هو جزء من سياق عام نشأ وترعرع عقب انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، وأدخل الدولة في دوامة الديون الخارجية والأزمات الاقتصادية، لكن لنعترف بأن الوسط الصحفي كان مساهما في غالبيته في إيصال مصر إلى هذه الحالة، وهو بذلك يجني ثمار ما زرعت يداه (نستثني من ذلك الذين حافظوا على احترامهم لأنفسهم ومهنتهم ونقابتهم).

في النضال الذي سبق ثورة يناير وقاد إليها، كان للصحفيين نصيب مقدَّر، وكانت سلالم نقابتهم حاضنة للاحتجاجات الشعبية لكل الفئات، حتى ليمكننا القول إن ثورة يناير وُلدت عليها، وحين انتصرت الثورة في جولتها الأولى ولمدة عامين ونصف العام جنى الصحفيون ثمار إسهام بعضهم فيها، فبلغت الحريات العامة -وفي القلب منها حرية الصحافة- عنان السماء، وانتعشت السوق الصحفية نتيجة المنافسة القوية بين الصحف والقنوات، وارتفعت تبعا لذلك أجور الصحفيين والإعلاميين ومكافآتهم، باختصار عاشت الصحافة عصرها الذهبي، بينما هي اليوم تعيش أسوأ أيامها، وتحتل مصر المرتبة 168 عالميا في مؤشر حرية الصحافة العالمي، قابعة في المنطقة السوداء طيلة السنوات العشر الماضية.

التمرد على نعمة الحرية

لم يحفظ المتصدرون للمشهد الصحفي والإعلامي تلك النعمة بعد الثورة فتمردوا عليها، وشاركوا بوعي أو بدون وعي في وأد تلك الديمقراطية الوليدة، ورقص بعضهم على أشلاء المدافعين عنها (وبينهم بعض زملائهم الذين قُتلوا غدرا خلال أداء عملهم)، وراح الكثيرون منهم يبررون القمع والاستبداد حتى بحق زملائهم، ونسوا أن موجة القمع لا تحدها حدود، ولا تقنع بالقليل، وها هي قد طالت الكثيرين، لكن الأقسى هو تلك المعيشة المُرة التي يعانيها الجميع الآن، والتي تزداد سوءا يوما بعد يوم.

الحالة المزرية التي بلغتها الصحافة المصرية لم تقتصر على فقدانها الحرية بل تهدد أصل وجودها، مع انصراف الجمهور عنها إلى غيرها من منابر إعلامية حرة تبث من خارج مصر أو عبر الفضاء الأزرق، وهذا يعني ببساطة المزيد من البطالة السافرة والمقنعة، ويعني تراجع الدخول لمن بقوا على رأس عملهم، وها نحن نتابع قوائم الانتظار لتلقي إعانات البطالة في النقابة، وهي بالتأكيد لن تكون قادرة على استيعاب الجميع.

الانتخابات الحالية هي فرصة للصحفيين للتطهر من أخطاء الماضي القريب، وإنقاذ مهنتهم، واستعادة هيبتهم وحريتهم وكرامتهم، وإنقاذ زملائهم المعتقلين، بل إنقاذ أنفسهم من اعتقال محتمل.

المصدر : الجزيرة مباشر