ممنوع من النشر.. بالمصادرة أو الحبس!

أنور الهواري مؤلف كتابي "ترويض الاستبداد" و"الديكتاتورية الجديدة"

 

منذ أيام، جددت نيابة الإسكندرية (شمالي مصر) حبس الشاعر محمد فريد 15 يوما على ذمة التحقيق في اتهامه بنشر أخبار كاذبة، وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض عليه منتصف فبراير/شباط، وقررت حبسه خمسة عشر يوما، الغريب أن آخر أعمال فريد كانت أغنية “الخير جوانا” التي تم تقديمها في احتفالية عيد الميلاد وعيد الشرطة الماضي، وغناها المطرب أحمد إسماعيل.

الأسبوع الماضي، بدأ الشاعر جلال البحيري إضرابه عن الطعام في محبسه بعد مرور خمس سنوات على حبسه احتياطيا على ذمة قضية نشر أخرى وهو مؤلف أغنية أيضا، ويبدو أن الحبس صار أحد طرق منع النشر المتعددة التي أصبحت تُستخدم حديثا، فقديما كانت المصادرة هي الوسيلة الوحيدة للمنع من النشر، وكانت الرقابة على المصنفات هي جهة المنع، ومع التطور في وسائل المنع صار لدينا أشياء جديدة.

العشرات من الكتاب والصحفيين والإعلاميين المصريين يقبعون الآن في السجون بتهمة نشر أخبار كاذبة، بينهم صحفيو الجزيرة مباشر الثلاثة، والإعلاميات هالة فهمي وصفاء الكوربيجي ومنال عجرمة من اتحاد الإذاعة والتلفزيون، والصحفي محمد مصطفى موسى من صحيفة (اليوم السابع)، هذا بالإضافة إلى مئات المواطنين إن لم يكن الآلاف.

ممنوعات معرض الكتاب

شهد معرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الأخيرة، العديد من المصادرات لبعض الكتب، فقد أعلن الكاتب الصحفي أنور الهواري عن رفع كتابين له من أرفف دار النشر التي طبعت كتبه بعد يوم من بداية المعرض، الكتابان هما (ترويض الاستبداد) و(الديكتاتورية الجديدة) الصادران عن دار روافد، وكتاب ترويض الاستبداد هو مجموعة مقالات عن تاريخ الاستبداد والتسلط عبر التاريخ ونهاية بما يحدث في مصر خلال السنوات العشر الأخيرة.

يرى أنور الهواري “الحلم الديمقراطي كان أكبر من الواقع، فقد تبين أن البنية التحتية للديكتاتورية كانت أكثر قوة مما كنا نظن، وأن مشكلة مصر سياسية بالدرجة الأولى، مشكلة من يحكم؟ وكيف يصل إلى الحكم؟ وكم يبقى فيه وكيف يمارسه؟ فبلادنا رغم التفاوت بين الملكية والجمهورية لا تزال تسمح للحاكم بقدر من السلطات يُمكّنه من الخلود في السلطة حتى بعد أن يشيخ ويهرم”.

وقد لاقى الكتاب قبل مصادرته وبعدها ترحيبا كبيرا، ولا يعرف الكاتب لماذا صودر كتاباه بعد طبعهما، وفي غلاف الكتاب يقول “الحرية هي اختيار واع له مسار طويل وشاق ومعتقد نتوارثه وتكافح له الشعوب، وليست مجرد تدفق مباغت أو مفاجئ يظهر عقب سقوط الديكتاتوريات، ثم يختفي بعد قليل ليفسح الطريق لديكتاتوريات جديدة”.

شهد معرض الكتاب أيضا مصادرة كتاب (تاريخ الحركة الصهيونية وتنظيماتها) للدكتور محمد مدحت مصطفى، وهو كتاب أكاديمي يحكي عن التنظيمات الصهيونية في مصر وتنظيماتها قبل ثورة يوليو/تموز 1952، فقد فوجئت دار نشر المنتدى بطلب من الأجهزة الأمنية برفع الكتاب من أرفف الدار.

حاولت الدار معرفة الأسباب إلا أنها لم تجد إجابة، وبعد يومين من تحييد الكتاب فوجئت الدار بطلب رفع مجموعة قصصية لمدير الدار حينئذ الكاتب الصحفي سيد صابر بعنوان (سوتي والجنرال)، ليصادَر كتابان للدار التي تعرضت بعدها لرفع كل إصدارتها من المعرض، وعللت إدارة المعرض ذلك بأنها مشاركة دار أخرى في جناحها وليست متعاقدة مع المعرض، وتم سحب الكتب جميعا قبل افتتاح المعرض بأربعة أيام.

الأسبوع الماضي، أعلن الدكتور محمد مدحت مصطفى مؤلف كتاب (تاريخ الحركة الصهيونية وتنظيماتها) نشره إلكترونيا بعد عدم قدرته على بيعه في منافد التوزيع.

المنع من المنبع

العديد من الأصدقاء يبحثون عن دور نشر لتقديم كتبهم إليها، ورغم قسوة شروط الناشرين في تعاملهم مع الكتّاب وخاصة الذين تشتهر كتاباتهم بأنها جدية وسياسية، حيث تشترط دور النشر أن يتحمل المؤلف تكلفة الطبعة الأولى على الأقل، ثم يتم الاتفاق على نسبة من التوزيع، رغم ذلك فإن الكثير من المؤلفين يقبلون الشروط أملا في وصول أفكارهم إلى القراء.

وقبل شهور، حدثني الصديق الكاتب الصحفي مجدي الحداد عن كتاب له يتناول الأوضاع بعنوان (رحلة الصفر)، ويطلب مني مساعدته في النشر، ولأنني أعرف بعض الأصدقاء من أصحاب أو مديري دور نشر، مددته بأرقام الاتصال بهم، إلا أنهم أهملوا اتصالاته.

بعد شهر، حدثني فرحا عن دار نشر صغيرة في مدينة بإحدى المحافظات وافقت على نشر كتابه، وما أن وقّع العقد حتى فوجئ بصاحب الدار يخبره بعدم قدرته على نشر الكتاب، إذ زاره عدد من ضباط الأمن وطلبوا منه عدم النشر، وكان منع الكتاب قبل الطبع، ليضاف إلى عشرات من الكتب التي أعرف أصحابها، وترفض دور النشر طبعها وبيعها، ومؤخرا نشر أحد الكتّاب صورة لدار الثقافة المصرية، وقد تحولت إلى معرض لبيع أجهزة كهربائية منزلية.

المنع من الإنتاج

قبل أيام، وبينما كنت أعد مقالي عن فيلم “هي فوضى” لفت انتباهي أن مؤلفه ناصر عبد الرحمن لا تُنتَج له أفلام سينمائية منذ آخر فيلم له عن ثورة يناير الذي أُنتج في العام ذاته (2011) بعنوان “18 يوم”، وناصر (53 عاما) قضى سنوات الأربعينات من عمره كلها بدون إنتاج سينمائي.

ناصر ليس الوحيد الذي عانت كتاباته من عدم النشر، فقد شكا لي الكاتب الكبير الراحل يسري الجندي قبل سنوات طويلة من رحيله وحتى آخر أيامه من عدم إنتاج أعماله الدرامية، وعندي ملخصات لمسلسلَي (سلمان الفارسي) و(شجرة الدر) أمانة لديّ أبحث لهما عن شركة إنتاج، وشجرة الدر قبع في أروقة قطاع الإنتاج بالتلفزيون المصري 10 سنوات قبل هدمه بدون أن يرى النور.

الكاتب الكبير أيضا محمد جلال عبد القوي صاحب أشهر المسلسلات التلفزيونية (منها: أولاد آدم، غوايش، الرجل والحصان، نصف ربيع الآخر، شرف فتح الباب) يعاني أيضا من عدم إنتاج مسلسله، بل يمكننا القول إن إنتاجه مثل يسري الجندي مقيَّد ضمن إقامة جبرية، وكان آخر أعمال عبد القوي مسلسل (هز الهلال يا سيد) عام 2013، ولم يُعرَض تلفزيونيا حتى الآن، ولا سبب معقول، خاصة أنه كان من داعمي النظام ويشيد دائما بإنجازاته.

المصدر : الجزيرة مباشر