من الدعوة لأكل أرجل الدجاج.. إلى لحوم الحمير والكلاب .. يالها من وقاحة!

 

فجأة، بدأت تصدر دعوات مريبة من أكاديميين، وأصحاب عمائم، وإعلاميين، وكتائب إلكترونية، لترغيب الناس في أكل أرجل الدجاج، وذكر فوائدها على صحتهم، كما تنطلق فتاوى، أو آراء دينية، تحلل أكل لحوم الكلاب والحمير، ويأتي أصحابها من مذاهب فقهية ما يزعمون أنها أدلة على طهارة لحومها.

فهل من يروجون لهذا الشذوذ في القول والرأي -حتى لو كان يُسمى بحثاً علمياً- تجد على موائدهم أطباقاً من أرجل الدجاج، وصواني من لحوم الحمير والكلاب؟ أم أنهم يقولون ما لا يفعلون، ويتحدثون بما لا يعملون؟.

المؤكد أنهم أصحاب وجهين، هم يتنعمون في بيوتهم وحياتهم، ولا ينقصهم المال ولا الرفاهية، فلا مصداقية لكثير ممن يخاطبون الناس، أو ينصحونهم، أو يعظونهم، حتى لو كانت عمامته تعلو متراً فوق رأسه، أو كانت مسؤوليته بارتفاع مبنى وزارة.

مسرح للتدليس

نحن في مسرح كبير، والذين يقفون على خشبته يتكاذبون وهو يمثلون أدوارهم بغير إتقان، والجمهور يعلم ذلك، ويضحك مراراً وسخرية، أو يسكت كمداً وألماً. وقد لا تتحمل الخشبة كم الكذب والتدليس الذي يجري عليها، وقد تأتي عليها لحظة فتنهار لعدم قدرتها على الاحتمال.

في سياق الحالة الراهنة من حدوث ما كان مستبعداً في أشد الكوابيس قتامة وثقلاً، نتذكر عبارة لـ عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق، بأن الأسوأ لم يأت بعد، وكان يتحدث عن وضع القضية الفلسطينية في ظل الهوان العربي، والاستشهاد هنا بالوضع المعيشي، فهل الأسوأ لم يأت بعد؟

وفي إطار الترويج لأكل أرجل ومؤخرات الدجاج، ولحوم الحمير والكلاب، فهل نستيقظ يوماً على فتاوى تحلل أكل الدم والميتة ولحم الخنزير، استناداً إلى حكم المضطر في الشريعة الإسلامية! والتبرير سيكون بأن الغلاء الرهيب بيئة مثالية للمضطر؟

ما كان مستبعداً صار واقعاً

لم يعد هناك ما هو خارج التوقع، والمستبعد أصبح قريباً بل واقعاً، والغريب لم يعد كذلك، فقد صار مألوفاً، والعجيب زالت عنه صفته وأصبح معتاداً. إنها مرحلة تحول كل ما هو غير طبيعي إلى طبيعي، والتطبيع معه، والتعايش في ظله، بل وتمني أن يبقى على الحالة التي وصل إليها، وألا يتجاوزها إلى حدود أعلى وأخطر.

من كان يظن يوماً أن الجنيه سيواصل هذا الانخفاض المخيف، وأن الدولار الواحد سيصل اليوم إلى 31 جنيهاً، وهذا ليس سقف النهاية، إنما في طريقه لمزيد من التراجع، كما تنبئ الشواهد، وهذا ما أشرنا إليه في الفقرة السابقة من التمني بأن يثبت الوضع غير الطبيعي على السقف الذي بلغه دون تجاوزه إلى الأسوأ، وما فوق الأسوأ.

ومن كان يتصور أن طبق البيض (30 بيضة) سيصل ثمنه 110 جنيهات، ثمن البيضة الواحدة يقترب من 4 جنيهات، بعد أن كانت بـ مليم، وقرش، وكانت النساء في الريف تقدمه هدايا مع الجبن القريش لرخص سعره، والجبن القريش نفسه كان رخيصاً جداً، واليوم الكيلو بـ 60 جنيهاً، ويتزايد.

ومن كان يعتقد أن الدجاج الأبيض سيكون حلماً، وكانت كثير من الأسر تعف عن أكله، أو تخفيه عن أعين الجيران، فقد كان طعاماً للفقراء، اليوم تجاوز سعر الكيلو 90 جنيهاً، والدجاج البرازيلي المجمد يتخطفه الناس لأن سعره أقل بجنيهات عن الدجاج الحي، وكلاهما: الطازج والمجمد لم يكونا يوماً ضمن أطباق مائدة عائلات كثيرة، رغم أنها لم تكن في بحبوحة من العيش.

كان الدجاج البلدي الذي يتم تربيته في البيوت، وبعض المزارع، هو البروتين الأبيض المفضل، وأزيدكم من المأساة عبارة أخرى: فلم يكن الدجاج البلدي نفسه سيد المائدة، بل اللحوم الحمراء: كندوز وبتلو وخراف.

اليوم اللحم البلدي تجاوز سعر الكيلو منه 300 جنيه، واللحوم المستوردة؛ حية ومجمدة، كانت تبور ولا تجد من يشتريها، لكن أسعارها ترتفع لشدة الطلب عليها، فقد بدأت قبل أسابيع بـ 180 جنيهاً للكيلو، واليوم بلغت 220 جنيهاً، والزيادات مستمرة.

الحط من كرامة الإنسان

في الماضي القريب، كانت الحياة صعبة أيضاً، لكنها لم تكن بمثل قسوتها حالياً، ومع عدم توافر المال لشراء اللحم أو الدجاج، أو الأسماك التي تقفز أسعارها -حتى المجمد منها، والنوعيات الأدنى فائدة غذائية- كان يتم التعويض بالبروتين النباتي، وكانت أسعار العدس والفول والفاصوليا واللوبيا والأرز والمكرونة ومختلف أنواع الحبوب في متناول الأقل دخلاً، ولم يكن أحد من الشرائح الفقيرة يحمل هموم شراء هذه السلع، وكذلك الدقيق والزيوت والزبد الحيواني والنباتي والألبان والأجبان.

إذا كانت هناك دراسات وجدت فوائد لأرجل الدجاج، فلماذا لم يتم الإعلان عنها من قبل؟ ولماذا الآن؟ الظرف المعيشي القاسي لايسوغ الترويج لكل ما يحط من كرامة الإنسان.

وإذا كان لحم الحمار والكلب طاهرا، فلماذا لم يكن هناك حديث من قبل عن هذا الاكتشاف المذهل في فقه الإمام مالك؟ ولماذا اليوم يتم التنقيب عن آراء فقهية يتم الالتفاف على جوهرها وتقديمها بشكل خبيث يوحي بأنها تُحلل ما ليس طيباً.

نفاق أو توجيه

نرى أن الفقه هو قرين الواقع، وإذا تصادم الواقع معه، أو تأفف منه، فلا يجوز تصديره والحديث عنه، فالكلب الذي لا يأكل شيئاً طاهراً كيف نتناول لحمه؟ والحمير التي تأكل بلا تمييز، كيف نطبخ لحومها، والقرآن لم يحللها، ولم يجعلها طعاماً طيباً مثل الأنعام؟

دعوات أكل أرجل الدجاج، وحِلّ لحوم الكلاب والحمير، إما منافقة أو موجهة، وإذا كانت الأولى فهى أقذر أنواع النفاق، وإذا كانت الثانية فهى أحط أنواع الإهانة للناس، ودليل إخفاق في توفير أساسيات المعيشة بتكلفة معقولة، وفي الحالتين هى دعوات شديدة القبح، ويخجل القبح نفسه منها.

المصدر : الجزيرة مباشر