قواعد العشق الأربعون.. لقاء مولانا وشمس التبريزي

ضريح الببريزي في مدينة خوي بايران

كان لقاء الصوفي المتجول الشاعر والفيلسوف شمس الدين التبريزي بمولانا جلال الدين الرومي نقطة تحول في حياة الرومي سلطان العلماء، وصاحب أكبر شعبية في قونية والدولة العثمانية في القرن السابع الهجري، فالرومي المولود في بلخ (أفغانستان حاليا) والابن الوحيد لبهاء الدين البلخي البكري سلطان علماء كازاخستان عام 604 هجرية.

هاجر الرومي مع والده من بلخ عقب اجتياح جنكيز خان البلاد الإسلامية واحتلالها. فقد هاجر بهاء الدين -الذي كان صوتا شجاعا ضد الظلم، ومقاوما للمغول- من بلخ إلى المدينة لإداء الحج، ثم إلى الشام والعراق، واستقر به المقام في قونية بتركيا ولقب بسلطان العلماء، وقد صحب معه أسرته وابنه جلال الدين.
تعلم مولانا جلال الدين الرومي على يد والده وغيره من العلماء، وورث عنه العلم فكان فقيها عظيما وعالما في الفقه والفلك وأنواع متعددة من العلوم. التقى الرومي في رحلته مع الشاعر الصوفي فريد الدين العطار فكان له تأثير كبير عليه. ويذكر أن العطار عندما رأي جلال الدين يسير خلف والده قال: كيف للمحيط أن يسير خلف بحيرة؟

كان لقاء شمس التبريزي مع مولانا جلال الدين الرومي هو لقاء القطبين الكبيرين في رحلة تحول الرومي إلى سلطان العاشقين، ونقطة فاصلة ليصبح الشاعر الصوفي الأشهر في العالم.

شمس صاحب الرؤى والصوفي المتجول من بلدته تبريز إلى حلب ومنها إلى دمشق فبغداد ويستقر به المقام أخيرا في منزل مولانا جلال الدين الرومي، ليعتكفا أربعين يوما، ويكتبا: قواعد العشق الأربعون، ويصبح الرومي شاعر الصوفية الأول.

“لا يعني الصّبر أن تتحمل المصاعب سلبًا، بل يعني أن تكون بعيد النظر بحيث تثق بالنتيجة النهائية التي ستتمخض عن أي عملية. ماذا يعنى الصبر؟ إنه يعني أن تنظر إلى الشوكة وترى الوردة، أن تنظر إلى الليل وترى الفجر. أما نفاد الصبر فيعني أن تكون قصير النظر ولا تتمكن من رؤية النتيجة، إن عشاق الله لا ينفد صَّبرهم مطلقًا” (من قواعد العشق).

رحلة البحث عن الرفيق

لقاء شمس التبريزي بمولانا الرومي كان محور رواية الكاتبة التركية (فرنسية المولد) إليف شاق: قواعد العشق الأربعون الصادرة عام 2009، وترجمت للعربية في 2012، وحققت أعلى مبيعات في تركيا وفرنسا وبعض البلدان الغربية، وقد اشتهرت إليف بكتاباتها عن الصوفية حتى أنها اصدرت أول ثلاث روايات لها عن الصوفية وهي: صوفي، مرايا المدينة، والنظرة العميقة، بالإضافة إلى روايتها الأشهر: قواعد العشق الأربعون التي حققت مبيعات كبيرة بلغت نحو نصف مليون نسخة.

الرواية الأشهر لإليف شفق تدور في ثلاثة مستويات أو ثلاث روايات متشابكة، الرواية الرئيسية فيها عن رحلة شمس التبريزي للقاء مولانا وهو الجزء الهام في الرواية.

الرواية الثانية، هي عن مصور اسكتلندي يُطلب منه أن يذهب إلى مكة والمدينة في رحلة خفية لتصوير الأماكن المقدسة التي كانت يمنع التصوير بها، وفي رحلته يتم استضافته من قبل جماعة صوفية، فيعتنق الإسلام ويتحول إلى صوفي ويتجول في أنحاء العالم ليكون صوتا للمحرومين وصوتا للمظلومين، ويكتب رواية عن لقاء شمس والرومي.

يرسل عزيز زاهار المصور الاسكتلندي الرواية إلى دار نشر أمريكية، وتسند الدار تقييمها إلى إيلا السيدة الأمريكية ذات الأربعين عاما، وتقع إيلا في عشق الرواية والكاتب، وتنقلب حياتها رأسا على عقب، إذ تهجر منزلها وحياتها وتصبح صوفية بعد أن التقت بعزيز، وشمس، والرومي من خلال الرواية.

كأن الرواية مثلما تحكى اللقاء العظيم بين التبريزي والرومي الذي غير مسار مولانا نهائيا تشير إلى هذا التحول الذي جاء في حياة الكاتب عزيز، والمرأة التي تقرأ روايته، فكان لقاء الرباعي هو لقاء العشق والمحبة الإلهية.

من سمرقند إلى قونية

بالتوازي تسير رحلة التبريزي من سمرقند إلى قونية مع رحلة الرومي في قونية، وكذلك رحلة لقاء عزيز بإيلا. شمس يشعر أنه بحاجة إلى رفيق ليتكاملا معا، يرى في منامه أنه يتعرف إلى ذلك النصف الثاني له، كلاهما بحاجة للآخر، وتبدأ رحلته للوصول إلى مولانا جلال الدين الرومي.

على الجانب الآخر، يعيش مولانا في قونية أشهر علمائها ويسمع له الجميع، ويحظى بمحبتهم: السلطان، العلماء، العامة. وعدت خطبة الجمعة عيدا لدى أهل قونية، فما من سؤال إلا لدى مولانا إجابة عليه، يعايش العلماء والكبار، يخرج بموكب كبير ويعود فيه.

شمس على عكس مولانا فهو ابن الحارات الضيقة، صاحب لسان ناقد، لا فرق عنده بين المتسول، المجزوم، فتاة الليل، والآخرين. يرى أن لكل إنسان لحظة لقاء مع الحب اللامتناهي: الحب الإلهي. ولكل حادث في حياتنا قيمة في معرفة الخالق، يقولون عنه متسكع، لكن شمس يبحث عن نقطة الضوء الخفية في كل إنسان، يرى أن المعاناة نقطة تحول إلى المحبة فلا محبة بدون ألم.

“مهما حدث في حياتك ومهما بدت الأشياء مزعجة فلا تدخل ربوع اليأس. وحتى لو ظلت جميع الأبواب موصدة، فإن الله سيفتح دربا جديدًا لك. احمد ربك! من السهل عليك أن تحمد الله عندما يكون كل شيء على ما يرام. فالصوفي لا يحمد الله على ما منحه الله إياه فحسب! بل يحمده أيضًا على كل ما حرمه منه” .. (من قواعد العشق الأربعون).

يصل شمس إلى قونية عبر رحلة طويلة ليلتقي مولانا جلال الدين الرومي، ويختلي به أربعين يوما وليلة، ليتحول الرومي سلطان العلماء إلى واحد من أهم شعراء العشق الإلهي والمحبين، وتصبح أشعاره عنوانا للمحبة الإلهية.

بك من سيقودك نحو عشق قلبك روحك

من سيحملك إلى عشق روحك

لا تتخلّ عن ذيل ثوب غمك

فهذا الألم سيأخذك نحو الدواء

وحيد أنت، إن كنت مع العالم بدوني

إن لم ترافق أحداً وكنت معي، فأنت مع العالم.

لا تتعلق بالعالم، كن أنت العالم.   (من أشعار الرومي)

رواية قواعد العشق الأربعون لإليف شفق هي الرواية الأشهر لديها، هي رواية العشق والبحث عن نقاط النور الإلهي داخل النفس البشرية. وفي عام 2019 أنتجت السينما التركية فيلما سينمائيا عن الرواية بعنوان (ثمالة الحب) الذي يحكي اللقاء الكبير بين التبريزي والرومي، ومكوث شمس في منزل الرومي وسفره إلى دمشق بعدما أتم مهمته مع الرومي، لكن الرومي يرسل ابنه “سلطان ولد” لإحضاره وفي عودة شمس تكون نهايته، إذ قتله بعض كارهيه في منزل الرومي بقونية.
وهكذا كما قال بابا زمان في بداية رحلته إلى الرومي ” لكي تحصل على الحرير لابد أن يقتل الفلاحون دودة القز”.. هكذا كان مقتل التبريزي ميلادا لمولانا جلال الدين الرومي.

المصدر : الجزيرة مباشر