هل تم تهديد أكشينار لإجبارها على العودة للطاولة السداسية؟!

السفارة الأمريكية التي تدعم كيليشدار أوغلو لم تكن بعيدة عن كل هذه التطورات، فحينما شعرت أن الأمور إزدادت تعقيدا، وأن هوة الخلاف أصبحت أكثر عمقا وتأثيرا على نتائج الانتخابات المقبلة، وجدت أنه لا مفر من التدخل فعليا لرأب الصدع

ميرال أكشنار وأكرم إمام رئيس بلدية إسطنبول ومنصور يافش رئيس بلدية أنقرة

 

بعيدًا عن سرد وقائع الأزمة وتفاصيلها التي تسببت فيها السيدة ميرال أكشنار زعيمة حزب الجيد بإعلانها الخروج من ائتلاف الطاولة السداسية للمعارضة التركية، بعد اتهامها لأعضائها رؤساء الأحزاب التركية، بالبحث عن مصالحهم الشخصية وتجاهل تطلعات الشعب، واصفة إياها بطاولة القمار، ثم العودة متجهمة والقبول بما سبق وأن رفضتها.

يبدو من المنطقي بل والطبيعي البحث عن الأسباب التي دفعتها نحو اتخاذ موقف متشدد تجاه ما سبق لها الموافقة عليه، بل والتوقيع على البيان الخاص به بإرادتها، وبكامل قواها العقلية، ثم قلب الطاولة رأسًا على عقب على رؤوس شركائها، ونعتهم بأفظع الألفاظ، ثم العودة مرة أخرى صاغرة عابسة الوجه زائغة العينين.

حقيقة الأمر أن السيدة ميرال أكشينار دأبت على مدى عام كامل لفرض إرادتها ووجهة نظرها الخاصة في المسائل والقضايا المطروحة للنقاش على الطاولة السداسية التي يتشارك فيها ستة أحزاب سياسية، تمثل في مجملها مختلف طوائف المجتمع التركي عدا الأكراد، وذلك نتيجة إصرارها الشديد على استبعاد ممثلهم على الساحة السياسة حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يعد الحزب الثالث في ترتيب الأحزاب داخل البرلمان التركي، أي أنه يأتي قبل حزبها الجيد في الترتيب برلمانيًا وجماهيريًا، ووصل الأمر بها إلى التهديد بالانسحاب من ائتلاف المعارضة إذا تم ضمه لجبهتها.

وهي التهديدات التي انصاع لها رؤساء الأحزاب الخمسة مرغمين، حفاظًا على تماسك جبهة المعارضة، واضطر بسببها كمال كيليشدار أوغلو إلى التواصل سرًا مع قيادات حزب الشعوب الديمقراطي لاسترضائهم، والتحالف معهم في الخفاء واعدًا إياهم في حال فوزه في الانتخابات المقبلة بمنحهم إحدى الحقائب الوزارية، طمعًا في ضمان أصوات قاعدتهم الانتخابية التي تمثل كتلة تصويتية من الصعب تجاهل تأثيرها، أو التضحية بها.

موقف رؤساء الأحزاب الخمسة فسرته ميرال أكشينار بشكل خاطئ، دفعها إلى محاولة كسب مساحة أكبر للتمدد وفرض إرادتها، وتوظيف الجميع من أجل العمل بموجب تعليماتها، وتحقيق أهدافها، منتهجة صيغة ديكتاتورية، ومطالبة الجميع بالانصياع لها وتحقيق رغباتها، ضاربة عرض الحائط بقواعد الديمقراطية التي لا يخلو تصريح لها دون الإشارة إليها والتشدق بها.

حلم تولي رئاسة الوزراء وتوظيف المعارضة لتحقيقه

كما سعت لفرض وجهة نظرها الخاصة بطبيعة النظام السياسي الحاكم للدولة التركية، إذ دعتهم إلى تبني وجهة نظرها بضرورة العودة مرة أخرى إلى النظام البرلماني، والعمل على تخفيض نسبة تمثيل الأحزاب داخل البرلمان إلى 3% حتى يكون هناك تعدد وتنوع في التركيبة السياسية لتركيا وفق وجهة نظرها، وهو ما وافق عليه شركاؤها.

وحينما وصل الأمر إلى اختيار مرشح توافقي لخوض الانتخابات الرئاسية، استمرت رئيسة حزب الجيد في انتهاج الأسلوب نفسه، وقامت بطرح الأسماء التي تراها مناسبة على الملأ، دون أدنى اعتبار لشركائها على الطاولة السداسية، التي رفضت منحهم الفرصة للتعبير عن آرائهم، وشرح وجهات نظرهم، فالمهم لديها أن يتحقق السيناريو الذي رسمته منذ البداية، ولم يتبق على تنفيذه سوى مرحلة واحدة فقط.

مرحلة واحدة يمكنها بعدها أن تصول وتجول في الساحة السياسية التركية كما تشاء وترغب، وهي تحديد الشخصية الأنسب للترشح للانتخابات الرئاسية، الذي يمكنه أن يعمل معها من أجل تغيير النظام الرئاسي للدولة، وإعادته مرة أخرى إلى النظام البرلماني، حتى يتسنى لها تولي رئاسة الوزراء كما تريد.

أسباب إصرارها على فرض إمام أوغلو ويافاش

عقبة وحيدة حلتها ميرال أكشنار بطرحها اسمي كلًا من أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، ومنصور يافاش رئيس بلدية أنقرة، فالأول صديقها وحليفها وابنها الذي لم تلده ولن يخرج عن إرادتها أو يغدر بها، والثاني محدود الطموح سهل الانقياد يدين لها بالولاء نظرًا للدعم الذي قدمته له خلال الانتخابات البلدية التي فاز بها.

لكن الرياح هذه المرة لم تأت كما تشتهي السفن، إذ اصطدمت بعقبة إصرار كمال كيليشدار أوغلو على الترشح للرئاسة كونها الفرصة الأخيرة أمامه لجني ثمار مزاولته العمل السياسي لمدة عشرين عامًا، خصوصًا وأنه شارف على إتمام الخامسة والسبعين عامًا من عمره بعد أشهر عدة، كما أنه لديه موافقة من واشنطن على ترشحه ضد أردوغان، بصفته زعيم المعارضة وحامل لواء أتاتورك رسميًا.

وهو ما أيده فيه باقي رؤساء الأحزاب المشاركين في الائتلاف السداسي، لأسباب خاصة بكل منهم، لتجد ميرال نفسها في موقف حرج، وتضطر لإعلان موافقتها والتوقيع على بيان اختيار كيليشدار أوغلو مرشحًا توافقيًا.

لكنها عقب مغادرتها المكان، وعودتها إلى حزبها شعرت أنها فقدت حلمها الذي أوشك على التحقق، وأن رضوخها لرغبة رئيس حزب الشعب الجمهوري وشركاء الطاولة قد سحب البساط من تحت قدميها، لذا سارعت -دون استشارة الهيئة العليا لحزبها- إلى عقد مؤتمر صحفي لتعلن فيه انسحابها من الائتلاف، ورفضها لكمال كيليشدار أوغلو مرشحًا لخوض السباق الرئاسي.

عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة

تمادت ميرال أكشنار في غضبها، وطالبت كلًا من أكرم إمام أوغلو، ومنصور يافاش، بإعلان نفسيهما مرشحين لخوض السباق الرئاسي، وهو الموقف الذي فوجئ به كيليشدار أوغلو، الذي سارع إلى استدعائهما معًا ليعلنا على الملأ استمرار انتمائهما لحزبهما، وتأييدهما لرئيسه، ودعمهما لترشحه للرئاسة.

لم تضع أكشنار في حساباتها أن الرجلين ينتميان إلى حزب الشعب الجمهوري الذي يترأسه كيليشدار أوغلو، ويأتمران بأمره، وأنهما لن يستطيعا تلبية ندائها حتى وإن كان يصب في صالح مستقبلهما السياسي، فعصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة.

وهو الموقف الذي أصابها بالإحباط والشعور بالهزيمة بعد أن خذلها الرجلان على الملأ، وبعد أن راهنت عليهما، فيما بدأت تواجه حالة من العصيان والتمرد داخل حزبها، وبدء عدد من القيادات به في التفكير فعليًا بالاستقالة منه، نتيجة الشعور بالتهميش والتجاهل من جانب رئيسة الحزب، وانتهاجها منهجًا لا ينم عن وعي سياسي حقيقي، ولا إدراك لما يمكن أن يحدثه موقفها من خسائر للحزب، ولجبهة المعارضة على المدى الطويل، وتأثير مواقفها المتذبذبة على النتائج المأمولة في الانتخابات المقبلة بعد أن فضحت بمواقفها حجم التباين في المواقف ووجهات النظر بين أعضاء الائتلاف.

تدخل السفارة الأمريكية لرأب الصدع

السفارة الأمريكية التي تدعم كيليشدار أوغلو لم تكن بعيدة عن هذه التطورات كلها، إذ حينما شعرت أن الأمور ازدادت تعقيدًا، وأن هوة الخلاف أصبحت أكثر عمقًا وتأثيرًا على نتائج الانتخابات المقبلة، وجدت أنه لا مفر من التدخل فعليًا لرأب الصدع، وتقريب وجهات النظر، داعية إلى عقد اجتماع مغلق بين كيليشدار أوغلو وأكشنار داخل إحدى الفنادق القريبة من مقر السفارة لحل الخلافات القائمة بينهما بتنسيق منها، وتحت إشرافها.

وهو الاجتماع الذي ضم أسماء محددة من داخل الحزبين إلى جانب عدد من أعضاء السفارة الأمريكية في أنقرة، الذين حددوا بأنفسهم الملامح الرئيسية لحل الخلافات، وخطوات العمل المستقبلي لأعضاء الطاولة السداسية، في تجاهل تام لرغبات ميرال أكشنار وطموحاتها، التي عادت فيما يبدو رغمًا عنها لمقعدها بالطاولة، وقامت بالتوقيع مجددًا على بيان ترشيح كيليشدار أوغلو لانتخابات الرئاسة.

تهديدات بكشف المستور وإعلان المسكوت عنه

وقد تناولت العديد من الصحف المحلية الحديث عن وجود ملفات حساسة للغاية تدينها، وأنه تم تهديدها بفضح ما تحويه إذا أصرت على موقفها، وأن هذه الملفات كانت بحوزة الصحفي يشار أوكيان الذي أعلن في حوار له على إحدى الفضائيات “أن ما بحوزته ضد ميرال أكشينار قد يجعلها تمكث في بيتها ولا تجرؤ على الخروج منه للشارع، وأنه قام بتسليم هذه الملفات إلى كيليشدار أوغلو”.

ربما هذا ما يبرر ملامح وجهها التي ظهرت بها في المؤتمر الصحفي المشترك للإعلان عن الاتفاق على ترشيح كيليشدار أوغلو للرئاسة، وتجهمها ورفضها الانضمام لحفل العشاء الذي أقيم بهذه المناسبة، كما يوضح أسباب حالة الرعب والفزع التي ظهرت بهما أثناء قيامها بزيارة قبر مصطفى كمال أتاتورك يوم الثامن من مارس/آذار بمناسبة يوم المرأة العالمي، حيث ظهرت زائغة العينين تتلفت يمينًا ويسارًا.

فهل تم فعلًا تهديد ميرال أكشنار بكشف المستور؟ أم تم تهديدها بشيء آخر يفوق هذا الأمر؟ مما جعلها تتحول إلى دمية تنفذ ما يطلب منها بصمت بالغ!

المصدر : الجزيرة مباشر