انتخابات الصحفيين.. هل تعيد الحياة إلى النقابات المصرية؟

النقابة بوضعها الحالي

 

انتخابات نقابة الصحفيين التي ستُجرى يوم الجمعة المقبل (حال اكتمال نصابها) ليست كغيرها من الانتخابات، فهي انتخابات النخبة المزعجة التي “لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب” كما يقولون، فالصحفيون هم الذين يتابعون انتخابات غيرهم سواء كانت انتخابات عامة أو نقابية أو رياضية إلخ، ويكتبون عنها نقدا أو مدحا، ويتابعون أداء الفائزين أيضا مدحا أو ذما، وقد جاء الدور عليهم ليكونوا هم أنفسهم الحدث، وهم أنفسهم محل التقييم والنقد من الآخرين.

ومثل بقية انتخابات النقابات المهنية، تُجرى انتخابات الصحفيين في أجواء تنافسية نسبية، لا تسمح بالتزوير المباشر لإرادة الناخبين، وإن سمحت بالتدخل غير المباشر مثل حرمان البعض من الترشح نتيجة اعتقاله أو مطاردته، أو تقديم دعم حكومي لبعض المرشحين الذين ترضى عنهم السلطة أو تقف خلفهم (كما هو حادث في الانتخابات الحالية) مما يعطيهم ميزة نسبية للحصول على أصوات كثيرين ممن يمكن وصفهم بأنهم “حزب الكنبة”، أو الذين يحددون وجهتهم التصويتية بناء على ما يحصلون عليه من خدمات، ولا يهتمون كثيرا بالقضايا المبدئية مثل كرامة المهنة وتطورها، أو الحريات النقابية والعامة إلخ.

معارك النقابات المهنية

مارست النقابات المهنية دورا رائدا في الحياة العامة في مصر خلال السبعينيات وحتى التسعينيات، حين شارك في إدارتها نقابيون ذوو رؤى وانتماءات سياسية حتى وإن لم تكن تنظيمية، سواء كانوا يساريين أو ليبراليين او إسلاميين، وإذا كانت النقابات أو الحركات العمالية اليسارية قد مارست دورا في انتفاضة الخبز (يناير/كانون الثاني 1977) ضد الرئيس السادات، فإن النقابات المهنية تصدت بقوة وعلى غير المتوقع لمحاولات السادات ومن بعده مبارك لفرض سياسات التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأصدرت جمعياتها العمومية قرارات برفض أي تعاون مع الكيان، ومعاقبة من يخالف هذا القرار الذي لا يزال ساريا، وحين اتسع نشاط النقابات المهنية وعلا صوتها وحضورها منتصف التسعينيات، فإن السلطة فرضت عليها قانونا موحدا لشل حركتها، لكنها قاومت القانون حتى أسقطته، وكان لها دور كبير في التمهيد لثورة 25 يناير 2011، ثم عاشت عصرا ذهبيا جديدا بعد الثورة.

بعد الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013، غاب التيار الإسلامي عن النقابات التي كان يسيطر من قبل على غالبيتها، وخلت الساحة لبعض القوى اليسارية والعلمانية المتحالفة مع الانقلاب، لكن شهر العسل بينهما لم يدم طويلا، وتعرضت النقابات لهجمة مرتدة منذ العام 2016، حيث اقتحمت قوات أمنية نقابة الصحفيين مطلع مايو/أيار 2016 لأول مرة في تاريخها، وألقت القبض على صحفيين من داخلها، ثم جرى بعد ذلك حصار النقابة بكومة من الحديد والأسلاك بحجة عمليات صيانة وهمية استمرت حتى الآن، كما وقعت أزمة بين السلطة ونقابة الأطباء في فبراير/شباط 2016 على خلفية اعتداء بعض أفراد الشرطة على أطباء أحد المستشفيات، ونظمت النقابة وقفات احتجاجية، وهو الأمر الذي تكرر في نقابة المحامين على خلفية اعتداء أفراد شرطة على بعض أعضائها، وتعرضت نقابة الصيادلة لفرض الحراسة مطلع العام 2019 وحتى الآن. وعلى المستوى العمالي، فإن النقابات العمالية المستقلة التي ظهرت قبل ثورة يناير وترعرعت بعدها، اختفت من المشهد بصورة كبيرة مع عودة هيمنة الاتحاد الرسمي للعمال الذي يمثل جزءا من النظام.

غياب الإسلاميين عن المنافسة

رغم حالة الانسداد السياسي العامة في البلاد، وتغييب فكرة الانتخابات التنافسية، فإن النقابات المهنية حافظت إجمالا على إجراء انتخاباتها بشكل طبيعي في مواعيدها، مع غياب أكبر فصيل سياسي عنها وهو التيار الإسلامي الذي قادها لما يزيد على عقدين، وكانت انتخابات نقابة المهندسين في مارس/آذار من العام الماضي مؤشرا أوليا على عودة الروح، إذ فاز المرشح اليساري طارق النبرواي على المرشح الحكومي وزير النقل السابق هاني ضاحي، كما شهدت انتخابات نقابة المحامين في سبتمبر/أيلول الماضي زخما بالمنافسة القوية بين المرشح الناصري (الموالي للنظام) سامح عاشور والمرشح الإسلامي المستقل منتصر الزيات قبل أن يتم إبعادهما بحكم قضائي ليفوز مرشح تقليدي بموقع النقيب.

مع أواخر العام الماضي، انفجرت أزمة جديدة بين السلطة وبعض النقابات المهنية في ما عُرف بالفواتير الإلكترونية التي استهدفت الحكومة منها تعزيز حصيلتها الضريبية من منتسبي تلك النقابات، وقادت نقابة المحامين المواجهة بوقفات ومظاهرات كبرى أمام مبناها في مشهد غاب كثيرا عن وسط القاهرة، ودخلت على الخط نقابات المهندسين والأطباء والصيادلة بكونها الأكثر تضررا، واضطرت الحكومة إلى تأجيل التعامل بالنظام الجديد بضعة أشهر حتى يفصل القضاء في دعوى رفعتها نقابة المحامين وانضمت إليها نقابات أخرى.

إرهاصات الانتخابات الرئاسية

انتخابات نقابة الصحفيين في الثالث من مارس الجاري هي الأولى للانتخابات النقابية خلال العام 2023، الذي يسبق مباشرة عام الانتخابات الرئاسية في 2024، ويبدو أن العام الحالي سيشهد المزيد من التفاعلات السياسية استعدادا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وستُعَد انتخابات الصحفيين مؤشرا على مستوى الغضب الشعبي الذي لم يستثن أحدا بما في ذلك الطبقات الوسطى من أعضاء النقابات المهنية، وتشهد انتخابات الصحفيين تنافسا بين تياري الخدمات والحريات، حيث يمثل الأول على منصب النقيب خالد ميري رئيس تحرير جريدة الأخبار الحكومية اليومية، بينما يمثل الثاني للمنصب ذاته النقابي اليساري خالد البلشي ابن مؤسسة روز اليوسف ورئيس تحرير موقع درب الحزبي، كما يتوزع المرشحون لعضوية نصف مجلس النقابة بين فريق الخدمات وهم الأكثر وفريق الحريات وهم الأقل، وقد تدخلت السلطة لدعم مرشحها لمنصب النقيب، والقريبين منها لعضوية المجلس عبر بعض الامتيازات المالية التي تمثل في حقيقتها رشوة مقنعة لاستمالة الصحفيين نحوهم، لكن هناك توقعات بحدوث تصويت عقابي انطلاقا من حالة الغضب الشعبي الذي يشمل الصحفيين أيضا بسبب الأوضاع المعيشية المتدهورة التي لا يعالجها صرف زيادة نقدية قيمتها تعادل نحو 19 دولارا شهريا. وإذا حدث ذلك فإن هذه الانتخابات ستعيد الروح إلى العمل النقابي مجددا، بل إنها يمكن أن تفتح الباب لتغييرات سياسية كبرى.

المصدر : الجزيرة مباشر