ضحايا الزلازل.. عقاب إلهي أم شهادة؟!

ضرب فجر الاثنين زلزال شديد عدة دول، منها: تركيا، وسوريا، ولبنان، والأردن، ومصر، ولطف الله في بعض البلدان، وكان البلاء كبيرا في بلدان أخرى، وبخاصة تركيا وسوريا، فأعداد الضحايا بين موتى ومصابين كبير، حتى صرح مسؤولون أتراك بأنه أكبر زلزال يصيب تركيا منذ مائة عام، نظرا لحجم الضحايا، ونظرا لمساحة وأثر الزلزال في عدة مناطق.

هل الزلازل عقوبة بسبب الذنوب؟

وفي مثل هذه المصائب، تكثر ثقافة وعظية على مواقع التواصل الاجتماعي، يذهب جلها في نقل نصوص معينة، تسير في اتجاه واحد لا بأس به من حيث انتفاع الأحياء به للعظة والعبرة والتوبة، وهو معيار أن مثل هذه المصائب تأتي بناء على ذنوب ومعاصي العباد، مستشهدين بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين حدث زلزال في المدينة المنورة، فقال لهم: إما بذنبي أو بذنوبكم حدث، لئن حدث مرة أخرى، لا أساكنكم فيها. وقول العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، واستغفار.

وبالرغم من عدم التيقن من صحة ما ورد عن عمر بن الخطاب، والعباس بن عبد المطلب، رضي الله عنهما، لكن قولهما مفهوم في حالة وورده، فهو يتحدث عن مراجعة النفس دائما، وإلا فإن ربط الابتلاءات في حياة الناس بالمعاصي والذنوب فقط، هو منطق ليس صوابا على طول الخط، فإنه من المعلوم أن الظواهر الكونية، لا ترتبط بصلاح أو فساد الناس، بل ترتبط بسنن الله في الكون، فالزالازل والبراكين تقع في بلدان مسلمة وغير مسلمة، والمرض والموت والبلاء يصيب المؤمن وغير المؤمن.

نعم مطلوب من المؤمن أن يراجع نفسه عندما يأتيه الابتلاء، فإن كان مقصرا في حق الله، يتوب، وإن كان طائعا يزداد طاعة، لكن قضية عقاب الله للناس بالزلازل والبراكين والهلاك، تلك كانت عقوبة للأمم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت الأمة التي ترفض منهج الله، وتكفر برسله تعاقب من فورها، بالصيحة، أو الرجفة، أو العذاب الآني، لكن ذلك انقطع وانتهى بقدوم محمد صلى الله عليه وسلم، وجرت سنن الله في كونه، وتأجل عقاب الأمم للآخرة، وهو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض. وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها ‌بسنة ‌عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم؛ فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم ‌بسنة ‌عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم؛ يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها -أو قال من بين أقطارها- حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا”.

ضحايا الزلازل شهداء شرعا:

كما أن الحكم على الزلازل وغيرها من الابتلاءات بأنها عقوبة، أو بسبب الذنوب، فإنه يتعارض مع ثابت مهم من ثوابت الإسلام، وهو حكم الإسلام بالشهادة لضحايا الزلازل، والحوادث البشعة، مثل: الغرق، أو الحرق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وسع دائرة الشهداء، ولم يجعلها تقتصر على من يقتل في سبيل الله في المعركة، ولذا سأل الصحابة عن الشهيد، فقال صلى الله عليه وسلم: “‌ما تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، قالَ: إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذنْ لَقَلِيلٌ، قالوا: فمَن هُمْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في سَبيلِ اللهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في الطَّاعُونِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن ماتَ في البَطْنِ فَهو شَهِيدٌ. قالَ ابنُ مِقْسَمٍ: أشْهَدُ علَى أبِيكَ في هذا الحَديثِ أنَّه قالَ: والْغَرِيقُ شَهِيدٌ. وفي روايةٍ: قالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مِقْسَمٍ: أشْهَدُ علَى أخِيكَ أنَّه زادَ في هذا الحَديثِ: ومَن غَرِقَ فَهو شَهِيدٌ”.

وفي حديث آخر أضاف لهم أصناف أخرى، فقال صلى الله عليه وسلم: “الشهداء خمسة: المطعون والمبطون، والغريق، ‌وصاحب ‌الهدم، والشهيد في سبيل الله”، وصاحب الهدم: هو الذي يقع عليه بناء، أو حائط فيموت تحته، وهو ما يحدث في ضحايا الزلازل، إذ يسقط عليهم بيوتهم، أو الجدران والحوائط والأسقف، فكل هؤلاء في حكم الشرع الإسلامي شهداء، أي: أن لهم أجر الشهيد، ولا تجري عليهم أحكام الشهيد الدنيوية، فهم يفترقون عن شهيد المعركة، أنهم يغسلون ويكفنون، ويصلى عليهم، لكنهم يقفون مع الشهيد في الأجر الأخروي عند الله تعالى، ويفترقون فيما امتاز به شهيد المعركة من درجة وأجر في الآخرة، لكنهم يطلق عليهم شرعا: شهداء، وهو ما يخطئ فيه الكثيرون في إطلاق لفظ: القتلى، على ضحايا الزلازل، وهم في الحقيقة شرعا يطلق عليهم: شهداء، وذلك بنص الشرع الإسلامي.

لماذا ضحايا الزالزل شهداء؟

وقد شرح علماء الإسلام علة أن يُحكم لضحايا الزلازل وغيرها بالشهادة، فقال قال القاضي عياض: “وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضيل الله على أربابها، لشدتها، وعظيم الألم فيها، فجازاهم الله على ذلك، بأن جعل لهم أجر الشهداء، أو يحتمل أنهم سموا بذلك لمشاهدتهم فيما قاسوا من الألم عند الموت وشدته، ما أعد لهم كما أعد للشهداء”. وقال العلماء أيضا: وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها.

وأضاف الإمام القرطبي علة أخرى عن حكم الشهادة لهؤلاء الثلاثة: الحرقى، والغرقى، والهدمى، فقال: (وهؤلاء الثلاثة إنما حصلت لهم مرتبة الشهادة لأجل تلك الأسباب؛ لأنهم لم يغررّوا بنفوسهم، ولا فرّطوا في التحرز، ولكن أصابتهم تلك الأسباب بقضاء الله وقدره. فأما من غرر، أو فرط في التحرز حتى أصابه شيء من ذلك فمات، فهو عاص، وأمره إلى الله؛ إن شاء عذب، وإن شاء عفا).

رحم الله الشهداء ضحايا الزلازل في كل مكان، وشفا الجرحى والمرضى، وألهم ذويهم جميعا الصبر والأجر.

 

المصدر : الجزيرة مباشر