زلزال تركيا وسوريا.. نسأل الله اللطف من الكوارث

 

حين تثور الطبيعة يقف الإنسان عاجزا، وتكون الكارثة مروعة والمشاهد صادمة، مُفجعة ومُفزعة، كأنها مشاهد يوم القيامة.. تلك التي أحدثها الزلزال العنيف الذي ضرب تركيا وامتد إلى سوريا، فجر (الاثنين)، بينما كان الناس نياما في أمان، وربما يحلمون بغد أفضل. أسفر الزلزال “حتى الآن” عن مقتل أكثر من خمسة آلاف، وإصابة عشرات الآلاف، وانهيار ودمار آلاف الأبنية في عشر مدن تركية وعدة مدن سورية، بفعل الزلزال الأصلي البالغ قوته 7.9 درجات على مقياس ريختر، وتوالت بعده هزات ارتدادية بلغت أكثر من 120 هزة، بعضها كان عنيفا وساهم في مضاعفة الخسائر البشرية والمادية.

الناجون واختلاطهم بالجثث تحت الأنقاض.. وذكريات مؤلمة

يُدمى القلوب، أن “الزلازل”، أو الهزات الأرضية تأتي بدون سابق إنذار، فما زالت البشرية عاجزة عن التنبؤ بها قبل وقت كاف، لإخلاء الناس وإنقاذهم من هذا الكابوس الصاعق، ففي غمضة عين.. إن هي إلا لحظة تهتز فيها الأرض بما عليها، فتنهار البيوت فوق رءوس ساكنيها، وتتمزق المُدن، وتُختطف الأرواح، ويُصاب الآلاف، ويتشرد غيرهم من الناجين. تترك الزلازل، وراءها آلاف القصص الإنسانية المُبكية.. أُسر تقضي تحت الأنقاض، قد تترك طفلا أو شخصا وحيدا ينجو بعد ساعات تطول أو تقصر، وأم تحتضن أولادها وتختار الموت معهم، وأب يموت من أجل إنقاذ أولاده، وكان بوسعه النجاة بنفسه، وآلام فراق الأشقاء والأهل والأحبة. الذكريات المؤلمة لا تُفارق الذين يعيشون هذه التجربة المؤلمة، فـ “الناجون” منهم، ربما اختلطوا للحظات أو ساعات بجثث ذويهم تحت الأنقاض، وكابدوا لحظات وفاتهم بما للموت من جلاله، أو فروا مفزوعين إلى الشارع، وهذه كلها لحظات لا تُمحى من ذاكرة البشر بسهولة إلا إذا فقدوا الذاكرة.

ويلات الحالة السورية المُمزقة وغياب الدولة

يزداد الشعور بالقهر والألم الشديد أن يتزامن “الزلزال” مع أحوال جوية سيئة من عواصف وأمطار وطقس سيء شديد البرودة، بما يعوق عمليات الإنقاذ، ويقلل فاعليتها، فضلا عن أن يضرب مناطق سورية يعيش فيها مشردون بالأساس وساكنو خيام يرتجفون من شدة البرد، يعانون من ويلات الحالة السورية المُمزقة، وغياب الدولة في هذه المناطق. لقد عشنا -نحن المصريين- هذه التجربة، ونعرف قسوتها على أي إنسان.. بعد ظهر يوم 12 كتوبر/ تشرين الأول من عام 1992، عندما ضربت العاصمة المصرية القاهرة هزة أرضية لمدة 30 ثانية فقط، بقوة 5.7 درجة على مقياس ريختر، وأربكت أجهزة الدولة، وأسفرت عن مصرع أكثر من 500 شخص وإصابة 6 آلاف، وتشريد 50 ألف شخص، بفعل تضرر مساكنهم أو انهيارها.

زلزال تركيا والحرب العالمية الثانية.. ونبوءة الخبير الهولندي

زلزال تركيا ليس الأول من نوعه الذي يضربها، فهي تقع في حزام “زلازل” نتيجة لأسباب جيولوجية، وتتعرض لهزات أرضية كثيرة، وإن منخفضة الشدة، وبخسائر قليلة.. فيما عدا الزلزال الأعنف الذي ضربها في منطقة أرزنجان يوم 27 ديسمبر/كانون الأول عام 1939، أثناء الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م)، وأسفر عن سقوط 22 ألف قتيل، ومئة ألف جريح، وانهيار 115 ألف مبنى، بعدما أدى إلى تسونامي في البحر الأسود، وانخفاض درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر، وزيادة الضحايا. من المفارقات أن خبيرا هولنديا كان قد تنبأ عبر “تغريدة” له على صفحته قبل ثلاثة أيام بوقوع هذا الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا.. لم يكن بوسع تركيا سوى تحذير السكان ورفع درجة الاستعداد بين أجهزة الإنقاذ والإغاثة وأظنها فعلت.. لكن مثل هكذا كارثة زلزالية يصعب التنبؤ بحجمها، تستدعي وجود خطة جاهزة لمواجهتها.. مثل هذه الخطة لا يمكن إعدادها في يوم وليلة.. بل تحتاج جهدا كبيرا يستغرق وقتا من الإعداد والتدريب.

9 ريختر وتسونامي اليابان.. وأساسات مطاطية ومباني تتمايل

على تركيا، بعد أن ترفع ركام المباني المنهارة وتعالج المصابين وتداوي جراح المتضررين في مدنها العشر طبيا واجتماعيا وغيره، أن تقتدي بتجربة اليابان التي عانت كثيرا من الزلازل كونها عبارة عن مجموعة جزر، في منطقة بها نشاط زلزالي واسع. فقد عانت اليابان من أقوى زلزال في تاريخها يوم 11 مارس/ آذار عام 2011 بلغت شدته 9 ريختر وهي درجة عالية جدا، بما أحدث تسونامي هائلا، وارتفعت الأمواج إلى عشرة أمتار، وأدى لأضرار بمحطة فوكوشيما للطاقة نووية، وأودى بحياة 18 ألف شخص. رغم هذا فقد استطاعت اليابان التعايش مع الكثير من الزلازل والهزات الأرضية بشكل دائم دون خسائر تذكر، إذ يتم تصميم الأبنية بحيث تهتز وتتمايل مع الهزات الأرضية، دون الانهيار، فقد توصلوا إلى تزويد أساسات المباني وتدجينها بقواعد مطاطية، تجعل المبنى عند الزلزال يتراقص في دائرة قد يصل نصف قطرها إلى حوالي متر ونصف، دون أن ينهار.

التوعية.. ومواصفات المباني لتحمل الهزات الأرضية

تحرص اليابان على نشر ثقافة مواجهة الكوارث الطبيعية، بتوعية الفرد منذ طفولته بما يجب عليه بالضبط عند حدوث هزات أرضية، كي ينجو بنفسه ومن حوله، دون “خسائر” في الارواح، أو تقليلها إلى أدنى مستوى. يبقى أن تهتم تركيا بوضع أكواد مواصفات لـ “المباني”، تمكنها من تحمل ضربات الهزات الأرضية وغضب الطبيعة وثورتها، ما دامت أنها عُرضة لمثل هذه الهزات العنيفة بحكم التكوين الجيولوجي لبعض المناطق بها.. وليس هناك ما يمنع الاستعانة بالخبرة اليابانية في هذا الصدد. من حسن الحظ أن العالم كله شرقا وغربا، انتفض على وقع الكارثة، وسارع بمد يد العون للشعبين التركي والسوري، وهو مسلك حميد أن يتعاون البشر لتضميد جراح أخوة لهم في الإنسانية.. ليتهم يتعاونون لوقف الحروب ونشر السلام. خالص العزاء للشعبين التركي والسوري في الضحايا ونسأل الله الرحمة للمتوفين، والصبر لذويهم، والتئام جراح المصابين سريعا، واللطف بنا نحن البشر جميعا، وأن تهدأ الطبيعة ويتلاشى غضبها.

المصدر : الجزيرة مباشر