سجون العرب.. ذريعة بن غفير لتعذيب الفلسطينيين

مظاهرات للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية

يبدو أن الشعب الفلسطيني لم يكن ضحية الاحتلال الصهيوني فقط طوال 75 عاما، بل كان وما زال ضحية السلوك العربي في الوقت نفسه، سياسيًّا وعسكريًّا وحقوقيًّا، ذلك أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، يرتكب الآن أبشع الجرائم في حق الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، على خلفية أن السجون العربية ليست أفضل حالًا، وذلك وسط صمت العواصم العالمية، والمنظمات الدولية، وبالطبع خجل الحكومات العربية.

لا يكاد يمضي يوم، منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية، إلا وهناك إجراء ما من إجراءات التضييق على الأسرى الفلسطينيين، سواء فيما يتعلق بالزنازين، أو بالطعام، أو بالزيارات، أو بالتريض، أو بوسائل الترفيه المتعلقة بالقراءة والكتابة، وما شابه ذلك، بل أصبحت هناك شكوى من العلاج وسوء المعاملة، وغير ذلك من وسائل عقابية عديدة، لن تعدم سلطات الاحتلال اختراعها، ليس لشيء سوى أننا أمام حكومة متطرفة، إلا أن الذريعة المتداولة، هي أن السجون العربية ليست أفضل من ذلك، وهو ما أخرس جامعة الدول العربية والعواصم العربية في آن واحد.

قضية غاية في الخطورة

استنفار شديد الآن في صفوف الأسرى بكل السجون الإسرائيلية، خصوصًا بعد زيارة بن غفير لسجن نفحة، وتوعده للنزلاء هناك بمزيد من الإجراءات التعسفية، وهي الزيارة التي جاءت في اليوم التالي لاقتحامه المسجد الأقصى المبارك في حماية قوات الاحتلال، وهو ما جعل مدير نادي الأسير في القدس يحذر من انفجار غير مسبوق، موضحًا أن الوزير الإسرائيلي تجاوز كل الخطوط الحمراء، ومشيرًا إلى أن الأسرى الفلسطينيين موحدون في جميع السجون، وقد نفذوا من قبل 25 إضرابًا عن الطعام.

أعتقد أننا أمام قضية غاية في الخطورة، لا تستدعي فقط الاهتمام بها، بل تستدعي فتح ملف السجون العربية بشكل عام، وهي السجون التي لا تخضع في معظمها لأي معايير دولية، أو رقابة قانونية، على الرغم من عضوية كل الدول العربية في الأمم المتحدة، ومن ثم في منظماتها الفرعية المتعلقة بحقوق الإنسان، وما ينبثق عنها من حقوق السجناء، وحقوق المتقاضين، وحقوق المفرج عنهم، إلى غير ذلك من مواثيق تم التوقيع عليها، إلا أنها على أرض الواقع ضرب من الخيال.

الإهمال الطبي في بعض السجون العربية، وصل حالة من اللامبالاة يصعب تصديقها، لدرجة أن المنظمات الحقوقية ترصد أعدادًا هائلة من الوفيات على مدار العام في صفوف شباب في عمر الزهور، كما ترصد أعدادًا غير مسبوقة من المرضى، بكل أنواع الأمراض، وخاصة النفسية والجلدية والتنفسية والروماتيزمية نتيجة النوم على الأرض، والافتقار إلى أبسط مقومات الحياة، من تريض وعلاج، أو حتى غذاء صحي، إلى غير ذلك مما رصدته المنظمات الدولية ونبهت إليه دون جدوى.

فواتير عربية إضافية

الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كانت إلى حد كبير تلتزم بالمواثيق الدولية في هذا الشأن، حتى يبدو الكيان أمام العالم الخارجي متحضرًا، إلا أن الحكومة المتطرفة الجديدة حملت على عاتقها المواجهة مع الشعب الفلسطيني خارج السجون وداخلها في آن واحد، واتخذت من القتل في الأولى، والتنكيل في الثانية، نهجًا معلنًا، في تحد صارخ للأعراف والقوانين الدولية، سقط معه 35 شهيدًا خلال شهر يناير فقط، وأصبحت الأوضاع هناك على شفا انفجار غير مسبوق بين لحظة وأخرى.

وخلال زيارته لسجن نفحة، قال بن غفير: وصلت إلى هنا للتأكد من أن قتلة اليهود لا يحصلون على ظروف أفضل بعد بناء زنازين جديدة، وسعدت بمعرفة أن مصلحة السجون لا تنوي تحسين أوضاع سجنهم، وسوف أواصل معالجة ظروف اعتقال الأسرى الأمنيين حتى لا تكون لهم حقوق خاصة، وهو ما رد عليه الأسرى بإعلان التنسيق الشامل، ووضع خطة متكاملة لمواجهة الإجراءات التي ينوي فرضها، وفي مقدمتها تضييق الخناق عليهم، وتصعيد عمليات قمعهم والتنكيل بهم.

يجب أن نعترف بأن معظم الدول العربية، لا يمكنها التطرق إلى هذه القضية من قريب أو بعيد، لا يمكنها مطالبة إسرائيل بتحسين أوضاع السجون والمعتقلات لديها، لا يمكنها الدعوة إلى تطبيق القوانين والمواثيق الدولية في هذا الشأن لسبب وحيد هو أن فاقد الشيء لا يعطيه، وكيف سيكون الرد الإسرائيلي حين ذلك، فربما تطالب إسرائيل بتحسين ظروف السجون العربية أولًا، وربما تطالب بالإفراج عمن تجاوزوا الحبس الاحتياطي، أو الإفراج عمن قضوا مدد الأحكام الصادرة عليهم.

نحن بالفعل أمام قضية غاية في الخطورة، إلا أنها قد تصبح هزلية بين لحظة وأخرى، قد تصبح قضية للتندر، وهو ما يفتح الباب أما العديد من الاسئلة: هل يمكن أن تصبح دولة الاحتلال سببًا في تحسين أوضاع السجناء العرب من المحيط إلى الخليج، هل يمكن أن يصبح ذلك مطلبًا إسرائيليًّا كما هو مطلب أمريكي ودولي، ولماذا لا تبادر الدول العربية بتحسين أوضاع مواطنيها المعتقلين والمسجونين من دون ضغوط خارجية في هذا الشأن؟ لماذا الإصرار على العناد مع العالم الخارجي فيما يتعلق بمواطنينا أولًا وأخيرًا؟ وهل يمكن أن يسدد السجناء الفلسطينيون فواتير عربية إضافية، على الرغم من معاناتهم المزمنة مع أسوأ سلطة احتلال في التاريخ المعاصر؟ مجرد أسئلة للمناقشة.

المصدر : الجزيرة مباشر