كيف رد الأزهر ومعرض الكتاب الاعتبار للشيخ الشعراوي؟

منذ أيام وفي ظل الهجوم غير المبرّر من بعض جوقة الإعلام المصري على الشيخ محمد متولي الشعراوي، كنت أستقلّ مترو الأنفاق متجهًا إلى وسط القاهرة، فلفت نظري شاب في العشرينيات يضع سمّاعات المحمول في أذنيه، ويستمع لفيديو يتحدث عن الشيخ الشعراوي، ولا أعلم إن كان الفيديو الذي يشاهده يمدح في الشيخ الشعراوي، أو يهاجمه.
وعلى أي حال، أتت الحملة على الشيخ بنتيجة عكسية، فها هو شابّ لم يشاهد الشيخ الشعراوي الذي تُوفي عام 1998، يحاول مشاهدة وسماع ما يقال ضد الشيخ، ويستمع لفيديوهاته وهو يشرح خواطره حول القرآن.
“التريند”
وهكذا ارتد “التريند” الذي صنعه البعض ممن يهاجمون الشيخ في نُحورهم، وبات اسم الشعراوي الأكثر بحثًا على مواقع الإنترنت من مثل هذا الشاب، ومَن في جيله، وأجيال سابقة، ولاحقة عليه.
ولا أعرف لماذا ذكّرني هذا الشاب الصغير السنّ بأصدقاء لنا في أواخر الثمانينيات والتسعينيات من تيار الجماعة الإسلامية -آنذاك- حيث كنا عندما نتناقش ونسألهم عن الشيخ الشعراوي الذي دخل كل بيت، وينتظره الملايين بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع على شاشة القناة الأولى المصرية، يجيب هؤلاء الشباب الحديثو الأسنان بأن الشعراوي “لا بأس به، ولكن به دَخَنٌ!”.. يردّدون هذا الكلام وهم حديثو الانضمام لجماعتهم، وأكاد أجزم أنهم لم يقرؤوا كتابًا واحدًا في حياتهم، أو استمعوا لخواطر الشيخ كلها، فمعظمهم لم يكن يمتلك التلفزيون في بيته إلا القليل منهم.
إجابتهم تلك كانت تعظيمًا لشيوخهم بأنهم أفضل من الشعراوي، وطالما الشعراوي لم ينضم للجماعة فهو أقل منهم شأنًا وعلمًا -هكذا يعتقدون-، وإنما العلم عند مشايخهم من قيادات جماعتهم، وحتى كلمة “به دخَنٌ” قد لا يعرفون معناها، ولكن سمعوها في أحاديث بينهم، ويرددونها كأنهم علماء يعلمون بواطن الأمور.
معرض الكتاب
ما فعله الجوقة من الكارهين للشيخ ردّ عليه رواد معرض القاهرة للكتاب في دورته الـ54، الذي بلغ عدد زواره -حتى كتابة هذا المقال- أكثر من مليون و200 ألف زائر، ويعدّ أكبر معرض في الشرق الأوسط، وثاني أكبر معرض بعد فرانكفورت الدولي للكتاب، حيث جاء الرد عمليًّا من خلال رواد المعرض، فقد جاءت كتب الشيخ الشعراوي رقْمَ واحدٍ في المبيعات على مستوى المعرض.
وتصدرت كتب الشيخ الشعراوي المبيعات هذا العام متفوقة على مبيعاته خلال الأعوام الماضية بكثير، وذلك بعد الهجوم عليه في الأسابيع الماضية، وكانت أكثر كتبه مبيعًا هو: تفسير القرآن الكريم، من فيض الرحمن، أنبياء الله، ثم مجلدات قصص الأنبياء، ليردّ زوار المعرض ردًا واقعيًّا على المهاجمين وصنّاع “التريند” بأموالهم التي أنفقوها في شراء هذه الكتب، والمشقّة التي تكبّدوها للوصول إلى المعرض.
ليذكرني ذلك أيضًا بمرحلة الشباب، حيث كنت أشتري كل أسبوع من بائع الصحف الذي يقف أمام مدرستي الثانوية جريدة “اللواء الإسلامي”، التي كانت تنشر خواطر الشيخ الشعراوي، وتفسيره للقرآن، وكنت أحتفظ بها عندي، وإن وجدتها عند أحد من المدرسين الأزهريين كنت لا بد وأن أطالعها، خاصة خواطر الشيخ.
الأزهر يرد
ولم تترك مؤسسة الأزهر الفرصة تمرّ دون أن ترد الاعتبار للشيخ الشعراوي، ففي جناح الأزهر بمعرض الكتاب في قاعة التراث رقم “4”، التي تمتد لمساحة نحو ألف متر، جاء الرد على الهجوم على الشيخ من خلال كتاب: “محمد متولي الشعراوي.. جولة في فكره الموسوعي الفسيح”، للدكتور محمد رجب البيومي، من إصدارات مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.
وذكر البيومي أن الباعث على تأليف كتابه أنه منذ رحيل الشيخ الشعراوي وطلاب الدراسات العليا بجامعة الأزهر في مختلف كلياته يأتون إليه سائلين عن مسائل علمية تتعلق بنتاجه الغزير، لتكون مجال بحث الماجستير والدكتوراه، فمِن سائل عن أسلوبه في الدعوة، وسائل عن منهجه في التفسير، وسائل عن موقفه من قضايا العصر، وسائل عن إبداعه الأدبي، ومع توالي الأسئلة وتكرارها دفعه الأمرُ إلى كتابةِ مؤلَفٍ يتحدث عن فكر الشيخ الموسوعي في شتى اتجاهاته، ليُلبي بعض ما يريده هؤلاء الطلاب.
ويذكر الكتاب في مقدمته أنه لا يكاد يوجد عربي أو مسلم يعرف العربية إلا واستمع إلى الشيخ الشعراوي في خاطرة من خواطره التفسيرية، التي جمع فيها بين القُدرة على الوقوف في فهم القرآن، واكتشاف جوانبه، والعثور على جواهره، والاطّلاع على حقائقه، ومعرفة دقائقه، وبيان إعجازه، بصورة أبهرت العقول، واستولت على القلوب، واستقرت في الوجدان.
ظاهرة الشعراوي
ومما لا شك فيه أن الشيخ الشعراوي صار ظاهرة بعد تألّق ذكره، وسعة انتشاره بعد أن أُتيح له أن يظهر في أوائل السبعينيات في التلفزيون المصري، فجذب الأنظار إليه، وتناقل حديثَه الخاصةُ والعامةُ، وسارع الناشرون إلى تسجيل أحاديثه في كتب تنفد فور طباعتها، ثم يُعاد طباعتها فتنفد ثانية.
بل وصل الأمر أنه عندما وجدت الصحف اليومية أن الإقبال على أحاديث الشيخ كبير أفردت الصفحات لتنشر كل ما يذيعه الشيخ، وفي الوقت نفسه تحذر أن تنقل عنها صحيفة أخرى ما انفردت به.
أما الإذاعات العربية والإسلامية فعملت جهدها على أن تذيع ما يقوله الشيخ، فإذا لم يتح لإحداها ذلك أرسلت إلى الشيخ أن يرسل إليها ما يحتفظ به من أدوات التسجيل، فلقد أفزع وجود الشيخ في وسائل الإعلام كلها مَن كانوا يتوهّمون أن رجل الدين انتشاره محدود، وأنهم باحتلالهم وسائل الإعلام يسيطرون على الفكر.
وهكذا جاء معرض الكتاب لينافح عن الشيخ الشعراوي، بل ألجم الشبابُ الإعلاميين مدّعي الثقافةِ بعدم الاهتمام بهم، وحضور ندواتهم، وأكدوا أنه رغم رحيله إلا أنه ما زال مؤثرًا ومحبوبًا للمسلمين كافة، وأن الهجوم عليه كان سببًا لكي تتعرف إليه أجيال صغيرة لم تكن تعرفه، أو سمعت به من قَبلُ.. ولا عَزاءَ للحاقدين.