النمور في السنة الثانية عشرة

 

روى لنا كاتب القصة وأستاذها في سوريا “زكريا تامر” الحكاية قبل عشرات السنين. ربما كانت الحكاية شكلًا من أشكال النبوءة أو معادلة يمكن استخدامها في كلِّ آن. تقول الحكاية إنّ صيادًا أسر نمرًا، وبدأ مرحلة ترويضه وتدريبه ليكون أحد نجوم ” السيرك”. سجنه في قفص، ثمّ رويدًا رويدًا ومع التجويع المستمر يتحوّل النمر مكرهًا من ذلك الكائن الحر آكل اللحوم إلى كائن آخر يأكل العشب وينهق كحمار. بالتأكيد هذا ملخص سيئ لقصة رائعة عنوانها “النمور في اليوم العاشر”.

في الحكاية اكتفى المروّض باستهداف معدة النمر، أما في الواقع فقد أضاف المروّض الأسدي سلاحًا آخر لتحقيق غايته، فإلى جانب التجويع كان العنف أشرس سلاح يمكن للمستبد استخدامه بكل ما فيه من قتل ودمار وتهجير. مع ذلك لم يتمكن من تحقيق غايته، فاستعان بخبرات القوى الإقليمية والدولية وعناصرها، ومن الظلم الشديد للشعب السوري اعتبار ما حصل حربًا أهلية، أو حربًا سنيّة على طائفة حاكمة، حتى أنه من الظلم الشديد اعتبار السُنّة طائفة وهم الأكثرية الحاضنة عبر مئات السنين لبقية مكونات الشعب السوري، لكن ومع الخضوع لفلاسفة الغرب الذين قرروا أنّ القرن الحادي والعشرين هو قرن الأديان، وبالتالي عملت الإدارة الأمريكية بالتوافق مع بعض الحكومات الأوربية على رسم الحدود الدينية والمذهبية لشعوب المنطقة، فكان لا بد للشعب السوري من التأثر والخضوع مجبرًا لهذه السياسات الدولية، لكن هل كان السوريون شعبًا واحدًا؟

بداية ونهاية

ربما في السنة الأولى للثورة يمكن القول إنه كان واحدًا، وكان النمر ما يزال يحلم بالغابات والسهوب الواسعة، أما بعد ذلك فقد استطاع التجويع والعنف أن يرسما حدودًا واضحة المعالم بين تلك المكونات الفسيفسائية المفككة أصلًا، ومع تحييد  الشرفاء وأصحاب العقول النيّرة وتصفيتهم الذين يحلمون بوطن جامع وحر، خلت الساحة، وبرزت الحثالة القابلة في كل آن أن تبيع نفسها وشرفها مقابل مال بخس، استطاعت هذه الحثالة أن تطفو على السطح، بمساعدات الداعمين، مضت السنة الثانية والثالثة كان النمر ما يزال يحلم بالغابات والسهول الواسعة، لكن المروّضين من القوى الإقليمية والداعمين لقيادات فُرضت على الشعب السوري، جعلوا من ذلك الحلم مستحيلًا، وكما في الحكاية دخل الشعب السوري عامه الثاني عشر، وقد غدا نمورًا مطواعة لينة بلا أنياب كلّ مجموعة منها تخضع لمروّض مختلف.

لعبة الإعلام

اليوم يتحدث إعلام النظام عن نصر حققه ضد الغربان السود، فصائل الإرهاب، التي دمرت البلد، يتحدث عن تجاوز الأزمة وتجاوز المخطط الدولي الصهيوني الذي تآمر على سوريا المقاومة، يتناغم معه في هذه السردية كثير من المؤيدين والمطبلين من داخل سوريا وخارجها.

اليوم يتحدث إعلام الشمال الغربي في سوريا عن تمكين المجاهدين وتحقيق “مشروع أمة” والحكم بما أنزل الله، يؤيده في ذلك أيضًا الكثير من المؤيدين والمطبلين من حملة الرايات الإلهية. في الجوار القريب منهم يتحدث عناصر ما يسمى “الجيش الوطني” عن صمودهم ومحاربتهم للنظام تحت راية الداعم الذي يأتمرون بأمره لذلك لا تراهم يحركون ساكنًا، وإلى جوارهم ثمة ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية” التي تحظى بداعم مختلف ورايات مختلفة، يداعبون النظام تارة والعشائر العربية تارة أخرى، ينامون على حلم بالداعم ويستفيقون على تهديد من الجوار، وقادة الشمال بالمطلق يقومون بأدوار وظيفية لا تخدم وطنًا ولا مواطنًا.

بينما وسائل الإعلام العربي بدأت بالغزل الخجول مع النظام الدموي بغية إعادة التلميع من أجل تطبيع محتمل. أما المواطن السوري الخاضع لهذه الاحتلالات كلها فيعيش تحت خط الفقر، بلا كهرباء، بلا وقود، بلا ماء، بلا أمل في الحياة، تحت طين الخيام، تنهش لحومهم الأمراض والأتاوات وكلاب العصابات الإجرامية المحتمية غالبًا بفصيل من الفصائل المسلحة، أو بفرع من فروع المخابرات، أو بإحدى الميليشيات الأجنبية المنتشرة على الأرض السورية.

هنا سوريا

هل ثمة مؤشرات لضوء في نهاية هذا النفق الخانق؟ ربما إن استطاع من بقي من شرفاء في الداخل أن يقلبوا الطاولة، وذلك بظهور مجموعة تتكون ممن بقي من الشرفاء الأحرار، يكون هدفها الاستراتيجي سوريا الحرة، سوريا التي لكلّ السوريين، مجموعة تضع المصلحة السورية فوق كلّ اعتبار، مجموعة إن صرخ أحد أفرادها في الجنوب أو الشمال يتردد صدى صرخته في جهات سوريا الأربع، هل هذا مستحيل؟ وهل حقًا تحولت النمور إلى قطط تموء لسلة غذاء؟

كارثة الزلزال الأخيرة جاءت لتدعم موقف النظام وتبيّض صفحته، وتدعمه بملايين الدولارات والمساعدات العينية من الغرب ومن الدول العربية بما يستطيع إنقاذه بغض النظر عن النمور التي لن تجد لها مأوىً ولا طعامًا تأكله سوى العشب الذي ندر وجوده أيضًا بسبب الأعداد الضخمة من البشر الذين فقدوا كلّ مسببات الحياة. بعد أن سرق بشار الأسد وأشباهه في بقية الأراضي السورية معظم المساعدات العربية والدولية.

 

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر