نحو مجلس إقليمي في قطر للاستجابة للكوارث

ما حدث في سوريا وتركيا لن يكون الكارثة الأخيرة

في عام 2005، وأثناء زيارة قمتُ بها إلى دولة الكويت، شاركتُ خلالها في عدد من اللقاءات والحوارات والمناقشات الخاصة بتأسيس مركز لإدارة الأزمات والطوارئ لدول مجلس التعاون الخليجي، الغريب أن المركز لم يتم الإعلان عنه إلا في عام 2011، وكنت أيضًا في الكويت في ذلك التوقيت، حيث تم اختيارها لتكون مقرًّا لهذا المجلس، وتم اختيار أول رئيس للمجلس من مملكة البحرين ونائب الرئيس من الكويت.

وكان الهدف الرئيس من تأسيس المركز تعزيز قدرات دول المجلس وتنسيق جهودها في مواجهة الحالات الطارئة والاستفادة من خبرات مراكز التنبؤ الدولية بالكوارث، وتعزيز تدريب وتأهيل الكوادر وتشجيع البحث العلمي في دول المجلس بذلك المجال، وربط المركز بالهيئات الوطنية لمكافحة الكوارث ووضع أدلة استرشادية لخطط إدارة الكوارث، ودعم جهود دول المركز في إدارة ومواجهة الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، بل ودعم الدول من خارج المجلس إذا كانت المخاطر والحالات الطارئة التي تشهدها من شأنها التأثير على دول الخليج.

بناء سجلات المخاطر بين الفكرة والتطبيق

وكان من بين الأفكار التي حرصت على التأكيد عليها خلال كل المناقشات والجلسات التي شاركت فيها فكرة بناء سجلات للمخاطر والكوارث التي يمكن أن تتعرض لها دول المجلس، وبناء قواعد البيانات الدقيقة المستندة إلى خبرات بشرية علمية وفنية وتطبيقية وتجارب وخبرات إقليمية ودولية، حتى تسهم في تطوير قدرات الدول الأعضاء على الاستجابة السريعة لما يمكن أن تتعرض له من كوارث وأزمات، واحتواء الأضرار والتقليل من الأخطار.

لكن للأسف الشديد لم يتم الأخذ بهذه الفكرة، وأصبح المركز -كغيره من عشرات المؤسسات والهيئات ذات الطابع الفني التخصصي الاحترافي- أسيرًا للأحداث والتحولات السياسية، ومواقف الأطراف من القضايا الإقليمية والدولية، وخاصة تلك التي نالت من أمن الدول الأعضاء واستقرارها.

اليوم وعلى خلفية الكارثة التي تعرضت لها تركيا وسوريا، بعد موجة الزلازل التي استهدفت الدولتين بداية من السادس من فبراير/شباط 2023، ولم تتوقف حتى كتابة هذا المقال، ولم ولن تقف الأضرار المباشرة عند نحو 60 ألف قتيل وأكثر من 120 ألف مصاب، ومئات الآلاف من المشردين، ونحو 20 مليونًا من المتضررين في الدولتين، وما قد يتجاوز 200 مليار دولار خسائر التدمير الشامل للبنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة ومتطلبات إعادة الإعمار.

ولكن هذه الأضرار طالت وستشمل بدرجة أكبر في المستقبل المنظور كل دول المنطقة مثل لبنان والأردن وفلسطين ومصر وإيران، وبالتالي ستتضرر كل الأقاليم التي تقع فيها هذه الدول، في ظل الحديث عن تزحزح الأرض في أعقاب هذا الزلزال بأكثر من سبعة أمتار، وعدم استقرار طبقات الأرض بعد مرور أسابيع على وقوع الزلزال الأول، وتجدد الحديث عن موجات قادمة، وتغيرات في المناخ وتغيرات في الأوضاع البيئية، وتغيرات في مستويات المياه وحركتها في البحار والمحيطات، الأمر الذي يفرض التفكير الجاد في تأسيس مجلس إقليمي للاستجابة للكوارث يمكن أن يشمل الدول العربية وتركيا وإيران، لأن مصائر هذه الدول حاضرًا ومستقبلًا أكثر تشابكًا وتعقيدًا مما يتصور الكثيرون.

لماذا دولة قطر؟

لقد أولت دولة قطر اهتمامًا كبيرًا بتعزيز حضورها الإقليمي والدولي خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وأصبحت دبلوماسية المنظمات الدولية من أهم الأدوات التي تعتمد عليها السياسة الخارجية للدولة، وأسست العديد من إدارات المنظمات الدولية في الوزارات الرئيسية للحكومة مثل الخارجية والداخلية والدفاع، للقيام على تنمية علاقات الدولة مع منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة والمنظمات الدولية الأخرى، في ضوء الأهداف والمصالح العليا للدولة، وذلك بالتنسيق والتشاور مع الجهات المختصة، ومتابعة المؤتمرات والاجتماعات الدولية والمشاركة فيها، وتزويد الوفود الدائمة أو الوفود المشاركة فيها بالتعليمات الصادرة من الدولة، وفقًا لما تقتضيه مصلحة الدولة. كما اهتمت قطر بالتعاون المتعدد الأطراف، وذلك من خلال انضمامها إلى نحو 330 منظمة وهيئة دولية عربية وإقليمية دولية تعمل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، كما قامت بالتصديق والانضمام إلى العديد من الاتفاقيات المتعددة الأغراض في المجالات التجارية والقانونية والبيئية والسياسية والإعلامية.

وبرز الدور القطري في الإسهام في حل العديد من النزاعات المسلحة وتعزيز السلم والأمن الدوليين، وذلك بالتنسيق والتعاون مع مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وأسهمت في إنجاح جهودها في أزمات عدة مثل قضية إقليم دارفور في السودان، والوساطة بين إريتريا وجيبوتي، والوساطة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية، والوساطة بين الفصائل الأفغانية، والوساطة بين الفصائل التشادية، وكذلك الإسهام في مساعدة الدول النامية على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، حيث قامت بتقديم معونات ومساعدات استفادت منها أكثر من 100 دولة حول العالم، وخاصة في المناطق الواقعة أو المهددة بالأزمات والصراعات والحروب.

كذلك تعددت جهود الوساطة القطرية أمام امتلاك القدرات المالية والسياسية والبشرية على استضافة وفود كبيرة لفترات طويلة للعمل على بناء المصداقية بين المتنازعين ودعم العمل الإنساني الواسع النطاق. ومن بين العوامل التي ساعدت قطر على القيام بأدوار الوساطة السياسية الاستقرار السياسي الداخلي، وأنها لم يكن لها خلفيات تاريخية في الصراعات التي تدخلت فيها، مثل باقي الأطراف الإقليمية، وهذا ما عزز من قبولها بين الأطراف المتنازعة، يضاف إلى ذلك علاقاتها السياسية مع معظم إن لم يكن كل النظم السياسية في المنطقة.

بجانب امتلاك دولة قطر العديد من المؤسسات الفاعلة التي مارست أدوارًا مهمة في مناطق الكوارث والأزمات، مثل الهلال الأحمر القطري ومؤسسة قطر الخيرية، وهما من أهم الأدوات التي اعتمدت عليها الدولة في التعاطي مع كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في فبراير 2023.

جوهر الفكرة ومرتكزاتها

تقوم الفكرة على تأسيس مجلس إقليمي للاستجابة للكوارث الطبيعية، يتجاوز العلاقات السياسية بين دول المنطقة، ولا يتأثر بما قد ينشأ بينها من توترات أو أزمات سياسية، لأن الكوارث الطبيعية تتجاوز في أضرارها وأخطارها كل هذه الأزمات السياسية بمئات المرات.

يستفيد المجلس من تجارب وخبرات الكيانات والمؤسسات المتشابهة معه في الأهداف والمهام، مثل مركز الآسيان للمساعدة الإنسانية في إدارة الكوارث، واتفاقية الاستجابة السريعة للكوارث التابعة لرابطة جنوب شرقي آسيا، ومركز تنسيق الاستجابة الطارئة التابع للاتحاد الأوربي الذي يشرف على آلية الحماية المدنية الأوربية التي يتم تفعيلها في مواجهة الكوارث، هذه الآلية التي تم تفعيلها عام 2001، وتدخلت خلال العشرين عامًا الماضية في نحو 600 مواجهة مخاطر طبيعية وغير طبيعية (فيضانات وزلازل وبراكين وانفجارات وحرائق وتفشي كورونا) في أوربا وأفريقيا وجنوبي آسيا وأمريكا الجنوبية، منها 114 تدخلًا في عام 2021 فقط.

ويقوم المجلس المقترح بالتنسيق والتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للطواري، ووكالات الأمم المتحدة ذات الصلة، والاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ويعمل في إطار النصوص والمبادئ التي أقرها الدليل الإجرائي لهيئة الأمم المتحدة للتقييم والتنسيق في حالات الكوارث، وغيره من أدلة وتشريعات ولوائح إجرائية وتنفيذية، ويكون للمجلس أمانة عامة، ومفوضية تضم ممثلين عن كل الدول الأعضاء، بجانب فرق عمل ولجان تخصصية يتم توزيعها بناء على خرائط سجلات المخاطر والكوارث القائمة والمتوقعة والتي يقوم على وضعها خبراء متخصصون من مختلف دول العالم، في ظل التأكيد على عالمية الكوارث وعالمية الأضرار والأخطار التي تنجم عنها، والتي تتجاوز كل الدول والأقاليم التي تقع فيها.

وبعـــــــــد

إن ما حدث في سوريا وتركيا لن يكون الكارثة الأخيرة، لكن قناعاتي الكاملة أنه سيكون مقدمة لكوارث أكبر وأخطر مما يتصوره الكثيرون، ومع رصد وتحليل وتفسير واستشراف حجم وأضرار هذه الكوارث المحتملة، يجب أن يكون حجم الاستعداد والجاهزية على القدر نفسه من الأهمية والاهتمام والفاعلية، وفق خطط عملية جماعية، وليست جهودًا فردية، تتم بشكل تطوعي انفعالي عاطفي تأثرًا بتداعيات الكوارث بعد وقوعها.

الأمر يستحق التفكير السريع والقرار العاجل، ورصد وحشد الإمكانيات البشرية والمالية والفنية اللازمة لتأسيس هذا المجلس، وتفعيل دوره نحو تحقيق الأهداف المنشودة من تكوينه.

المصدر : الجزيرة مباشر