الشرنوبي ملك الفراخ!

 

لم يعتدل الشرنوبي في جلسته وهو يتناول المخدرات – مخدر الحشيش- مع رفاقه من كبار الرأسماليين وبصحبة بنات الليل، وهو الذي أشعل حريقا ضخما في عمارة له بأحد الأحياء ليبيع الأرض، بعد أن تم إسكان أهالي العمارة داخل خيام الإيواء، وشراء ذمة أحد الشباب المعدمين من سكان العمارة ليعترف بالجريمة مقابل شقة ومبلغ من المال.

سأل أحد المخمورين الشرنوبي: ماذا تفعل بالمبلغ؟ أجابه أنه سيستورد به فراخًا (الدجاج) من الخارج، تعجب رفيقه من ذلك وقال: “ليه ما المخدرات مكسبها مضمون”، شرح الشرنوبي كيف أن الفراخ والأغذية المستوردة تربح أكثر من المخدرات: “في الخارج الفراخ التي مر عليها أشهر في الثلاجات بيبعوا الفرخة (الدجاجة) بخمسة قروش، أحنا ها نجيب الفراخ ونبيع الفرخة بجنيه مصري، خلي الشعب يأكل”.

هكذا اكتشف التاجر الآخر أن الفراخ المستوردة خاصة التي تستخدم كطعام للقطط والكلاب في الخارج تربح أكثر من المخدرات. وكان الشرنوبي الرأسمالي الساداتي قد قام باستيراد أطعمة آخرى تستخدم كطعام للحيوانات وأغرق بها السوق: فراخ فاسدة، بلوبيف فاسد، ولحوم فاسدة، و”معدة المصريين تأكل الزلط”، بحسب قوله.

الفقراء يتحملون الجرائم

هذا هو المشهد الرئيسي الذي تدور من حوله قصة فيلم حب في الزنزانة الذي كتبه إبراهيم الموجي ومحمد فاضل، وأخرجه فاضل عام 1983، بعد عامين من رحيل أنور السادات الذي فتح بوابة الاستيراد في عهده على مصراعيها. وكان من أشهر قضايا فساد الاستيراد في ملف الأغذية الفاسدة: قضية توفيق عبدالحي الذي عاد اسمه يتردد بقوة هذه الأيام مع صفقة الفراخ البرازيلي التي أغرقت السوق المصري مؤخرا. تلك الصفقة التي تدور حولها الشبهات، وجاءت بعد تعذر استيراد علف للدواجن وعمليات قتل لصغارها لعدم وجود علف، وفي ظل أزمة دولار تمر بها مصر، وبين عشية وضحاها امتلأ السوق المصري بفراخ الشرنوبي!

الفيلم الذي تدور أحداثه بين سجن الرجال حيث يقضي صلاح (عادل إمام) فترة سجنه عشر سنوات بعد اعترافه بحرق عمارة الشرنوبي، وبين سجن النساء حيث تمضي فايزة (سعاد حسني) شهورها الأخيرة في قضية دعارة، إذ تبدأ قصة حب بينهما. وفي السجن يكتشف صلاح أن هناك أشياء أهم من الأموال، ولكن يكون الموعد قد فات بعد أن دخل مفرمة الشرنوبي ورجاله وسلطاته.

تحاول فايزة وفاروق (يحيى الفخراني) صديق صلاح في السجن إثبات براءته ليخرج، لكن الشرنوبي يدعي أنه لا يعرفه، وكذلك يفعل مساعده الوسيط بينه وبين صلاح. بل إن الشرنوبي يتملص من كل التزاماته مع صلاح، وعندما تحاول فايزة وصلاح إثبات أن الشرنوبي يتاجر بالأغذية الفاسدة، يأتي ضحية جديدة من فقراء المحروسة ليعترف أنه صاحب مخزن الفراخ الفاسدة، والشرنوبي ليس له علاقة به.

هكذا لا يتحمل الفقراء نتائج جرائم الشرنوبي كضحايا لحريق العمارة وإسكانهم في خيام إيواء فحسب، ولا كونهم يتناولون أغذيته الفاسدة سواء دواجن أو لحوم آخرى، بل إنهم يقومون بتحمل عقوبات تلك الجرائم نتيجة لحاجتهم وعوزهم، ويقضون عقوبة السجن بدلا عنه. وفي مشهد الختام للفيلم لا يجد صلاح بعد هروبه من السجن، ثم ملاحقة الشرنوبي له رغم أنه يترك له البلاد ويهرب، إلا أن يقتل الشرنوبي في بيته ويتركه غارقا في دمائه.

جميل راتب اللعب على أوتار الفساد

لعب دور الشرنوبي في فيلم محمد فاضل وإبراهيم الموجي الفنان جميل راتب الذي بدأ رحلة التمثيل شابا في الفيلم المصري الفرنسي: أنا الشرق، وشارك في عدة أفلام عالمية أثناء دراسته السينما في فرنسا منها لورانس العرب مع عمر الشريف، وقدم أيضا للسينما التونسية فيلم بعنوان: تراب الماس عام 1991، وقدم للدراما المصرية من خلال السينما والتليفزيون 175 عملا، بالإضافة إلى إخراج ثلاث مسرحيات هي: الأستاذ تأليف سعد الدين وهبة، زيارة السيد العجوز، وشهر زاد لتوفيق الحكيم.

في رحلة جميل راتب أعمال سينمائية كثيرة (67 فيلما)، وأخرى للتليفزيون إذ قدم أعمالا متميزة بعضها كوميدي، لكنني سأتوقف عند بعض أعماله السينمائية التي غلب عليها طابع مواجهة الفساد.

في فيلم محمود أبو زيد وعلي عبد الخالق (الكيف) قدم راتب شخصية سليم البهظ تاجر المخدرات، كان تاجرا للشاي وعندما بارت تجارته اتجه إلى تجارة المخدرات، وفي مشهد من أجمل مشاهد الفيلم يشرح سليم لصلاح (دكتوراه في الكيمياء) نظريته في عمل خلطة أعشاب لبيعها على كونها مخدرات: “زمان كنت بأتاجر في الشاي وكنت بخلط الشاي بنشارة الخشب، الناس كانت بتشرب الشاي آخر مزاج، تجار نشارة الخشب رفعوا السعر تمردوا عليّ، بقيت أبيع للناس الشاي الأصلي، الناس قالت إني بغش الشاي، وفلست” سليم البهظ تعود على الغش حتى وصل للغش في المخدرات.

وقام بدور (أفندينا) في فيلم شفيقة ومتولي الذي أخرجه علي بدرخان عام 1979، مندوب الخديوي أثناء حفر قناة السويس، يتاجر في المصريين كعبيد، وبدلا من ذهابهم إلى القناة للحفر يأخذونهم كعبيد ويبيعهم في سوق العبيد العالمي، وعندما يُكتشف ويمكن محاسبته، ويختار أحد المصريين بديلا له، في كل مكان وزمان طالما وجد الفقر والجوع والجهل وجد من يكون بديلا للأغنياء في محاكماتهم.

الديكتاتور والفساد

وفي دور (رشدي الخيام) بفيلم (طيور الظلام) تأليف وحيد حامد وإخراج شريف عرفة، الوزير الفاسد الذي يحصل على عضوية البرلمان بالرشاوي وبمساعدة فتحي نوفل المحامي الانتهازي، ويمرر معلومات اقتصادية لرجال الأعمال ليربحوا منها ويحصل على نسبته، ويؤسس شركات بأسماء آخرين.

أخيرا لا يمكن أن ننسي لجميل راتب  دوره في فيلم (البداية) لصلاح أبو سيف تأليفا وإخراجا الذي لعب فيه دور نبيه بيه ديكتاتور الواحة التي تسمى نبيهاليا، وفي الفيلم يقدم شخصية الحاكم الذي يحكم الواحة بالقوة مستخدما السلطة الغاشمة الجاهلة، ويتحكم في طعام الواحة ويحتكره، ويمنح لمن يريد حسب مصالحه، ويؤمم الإعلام الذي لا ينشر إلا أخباره ومشروعاته، ولا يعمل إلا على رضائه، و أخيرا لا يجد سوى المسدس ( السلاح ) ليسيطر على الواحة ويستمر حاكما عليها، وفي كل ذلك يساعده الجاهل والانتهازي، وإعلاميه الباحثين عن المال والشهرة.

المصدر : الجزيرة مباشر