البرهان وحميدتي على خطى ناصر وعامر.. من يلتهم الآخر؟

البرهان وحميدتي

 

يوما بعد يوم، تقترب لحظة الحسم بين القائدين العسكريين في السودان، الفريق البرهان رئيس المجلس العسكري وقائد الجيش ونائبه الفريق حميدتي قائد قوات الدعم السريع، وهو الصدام الذي سيغير الخارطة السياسية والعسكرية حال حدوثه.

يتشابه موقف القائدين السودانيين مع ما حدث مع أشقائهما في الشمال، وأقصد الصدام بين الرئيس جمال عبد الناصر القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية ونائبه المشير عبد الحكيم عامر الذي انتهى على طريقة الأساطير الإغريقية كما وصفه زميلهم الثالث خالد محيي الدين، بخلاص الأول من الثاني، ليس فقط من موقعه العسكري بل من الحياة عموما، عبر نحره أو دفعه إلى الانتحار، أيّا كانت الرواية الصحيحة.

معركة ناصر وعامر

كان ناصر وعامر هما الأقرب لبعضهما بين كل ضباط يوليو 1952، كانا زميلين في الكلية الحربية، وزميلين في الكتيبة المحاصرة في الفالوجا في فلسطين خلال حرب 1948، ثم تشاركا في تأسيس تنظيم الضباط الأحرار، ومن ثم الانقلاب على النظام الملكي، ثم تقاسما السلطة والنفوذ، فكانت الرئاسة لناصر وكانت قيادة الجيش لعامر، ورغم حداثة رتبته العسكرية (رائد) وحداثة سنه الذي لم يكن قد بلغ الأربعين تم ترقيته إلى رتبة المشير، حدثت بين القائدين خلافات منذ حرب السويس 1956 التي خسرها الجيش المصري تحت قيادة عامر، ولكن سرعان ما غفرها له ناصر، ثم تجددت الخلافات مع انهيار مشروع الوحدة مع سوريا مطلع الستينيات، وظهر لاحقا أن عامر كان يخطط لانقلاب لم يتم ضد ناصر، ثم كانت الضربة القاتلة بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967 التي حمّل ناصر مسؤوليتها لصديقه عامر، ونزع منه قيادة الجيش، ليبقيه في منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة قبل أن يتخلص منه بشكل نهائي بطريقة لا تزال غامضة حتى اليوم.

وكما كانت العلاقة حميمة بين ناصر وعامر قبل انفجارها، فإن هذا الوضع هو تقريبا في السودان (وإن لم تكن بقدر الأولى) حيث كانت العلاقة بين البرهان وحميدتي جيدة حتى وقت قريب، ثم بدأت القذائف المتبادلة بين القائدين تتوالى مؤذنة باقتراب لحظة الصدام الكبير الذي لا بد أن ينتهي بقضاء أحدهما على الآخر.

مصادر قوة البرهان وحميدتي

يمتلك كلا القائدين قوات عسكرية (الجيش بالنسبة للبرهان) والدعم السريع لحميدتي، ودعما شعبيا من بعض القبائل أو المناطق لكل منهما، وإضافة إلى ذلك يمتلك كل منهما دعما خارجيا قويا (مصر للبرهان) و(الإمارات لحميدتي)، في حين يتنافس الطرفان علي كسب ود الكيان الصهيوني، حيث يعُدّانه صاحب القول الفصل في تمكين أحدهما.

شارك القائدان في الانقلاب علي نظام البشير الذي خدماه سنوات طويلة، كما شاركا لاحقا في الانقلاب على شركائهما من القوى المدنية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ووقّعا معا الاتفاق السياسي الإطاري مع قوى الحرية والتغيير في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبعد أن ذهبت السكرة بدأت خلافات القائدين في الظهور علنا، حيث أعلن البرهان عدم تنفيذ الاتفاق الإطاري ما لم يتم دمج الدعم السريع في الجيش بشكل عاجل تنفيذا لأحد بنود الاتفاق، وهو ما رد عليه حميدتي بأنه لا يمانع في ذلك الدمج وفق جدول زمني تضمّنه الاتفاق أيضا (لكنه لم يحدد سقفا زمنيا له) وجاء الرد المعاكس من حميدتي بإعلان اعتذاره عن المشاركة في انقلاب 25 أكتوبر، ودعوته إلى المسارعة بتنفيذ الاتفاق الإطاري بما يتضمنه من نقل السلطة للمدنيين وعودة العسكريين إلى ثكناتهم.

مشهد عبثي أن تجد جيوشا عدة وميليشيات مسلحة في دولة واحدة، ففي السودان هناك الجيش التقليدي وقوات الدعم السريع، وكانت هناك قوات الدفاع الشعبي، وهناك جيوش للحركات المسلحة اكتسبت شرعية وفقا لاتفاق جوبا، ومنها قوات مناوي وقوات العدل والمساواة، وقوات أخرى تابعة لحركات منشقة عن الحركات الأم.

الاتفاق الإطاري الملتبس

في الخامس من ديسمبر الماضي، وقّعت قوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري الاتفاق السياسي الإطاري، الذي تضمّن في مبادئه العامة “التأكيد على جيش مهني قومي واحد ملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة وقائم بواجباته في حماية حدود الوطن والدفاع عن الحكم المدني الديمقراطي”.

وقد حدد الاتفاق الأجهزة النظامية في السودان وهي: القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، والشرطة، وجهاز المخابرات العامة، أي أنه أقر بأن قوات الدعم السريع هي جهاز مستقل بذاته، ورغم أن الاتفاق نص على دمجها هي وقوات الحركات المسلحة في الجيش وفق جداول زمنية، فإنه لم يحدد سقفا لهذا الجدول الزمني، وترك ذلك لتفاوض جديد، وفي الوقت الذي حظر على القوات المسلحة الأنشطة الاستثمارية والتجارية فإنه استثنى من ذلك الدعم السريع.

غموض وضع الدعم السريع

هذا الغموض حول وضع قوات الدعم السريع في الاتفاق هو الشماعة التي يتمسك بها كل من البرهان وحميدتي الآن، حيث يصر الأول على دمج هذه القوات بشكل عاجل في الجيش تنفيذا للاتفاق وشرطا مسبقا لقبول القوات المسلحة له، في حين يتحدث الثاني عن قبوله الدمج وفق الجدول الزمني الذي تضمّنه الاتفاق، وهو يعلم بغياب هذا الجدول!!، لكنه كما ذكرنا رد على مطلب البرهان بطريقة تصعيدية، وهي نقده المباشر لانقلاب 25 أكتوبر 2021، واعتذاره الصريح عن المشاركة فيه، وهو ما قربه كثيرا من قوى الحرية والتغيير، التي أصبحت تعُد الدعم السريع جيشها في مواجهة الجيش القومي الذي تصفه بأنه “جيش الكيزان” أي جيش النظام السابق، رغم علمها أيضا أن قوات الدعم السريع تنطبق عليها الصفة ذاتها، لكنها المناورات السياسية التي تريد الارتكان إلى قوة عسكرية في مواجهة طرف آخر يملك قوة عسكرية.

الوضع القائم في السودان، واحتدام الخلاف بين البرهان وحميدتي لا يمكن أن يستمر طويلا، ولا بد لأحدهما أن يلتهم الآخر، ثم يقوم بتوحيد القوات والميليشيات المسلحة في جيش واحد تحت قيادته حتى لو وصل الأمر إلى استخدام القوة لذلك، وهو ما قد ينذر بحرب أهلية ندعو الله أن يجنب السودان وأهله شرّها.

المصدر : الجزيرة مباشر