تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني.. إعجاز لا ينتهي وفخر لا ينقطع

اليوم (22 فبراير) ذكرى مولد رمسيس الثاني

تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني (صورة أرشيفية)

 

يأتي العام تلو العام، وتمر الشمس فوق معبد “أبو سمبل”، وتحديدا تشرق فوق وجه الملك العظيم، في يوم مولده.
قد يبدو الأمر عاديا ومتكررا، ولسوف تجد مئات المقالات التي كُتبت عن الحدث العظيم، سواء بأقلام عربية أو أجنبية، لكنه حدث استثنائي، دائما ما يبهر العالم، يجب أن نستيقظ جميعا، فنحن في حضرة الملك رمسيس الثاني، واليوم هو يوم مولده، حيث تتعامد فيه الشمس على وجهه، داخل معبد أبو سمبل مثل كل عام، بفضل براعة قدماء المصريين، ومعرفتهم الدقيقة بعلم الفلك.
تتكرر ظاهرة تعامد الشمس على وجه تمثال الملك رمسيس الثاني، بالدقة نفسها مرتين في السنة: إحداهما يوم 22 فبراير/شباط، والأخرى في 22 أكتوبر/تشرين الأول، حيث يوافق التاريخ الأول يوم ميلاده والتاريخ الثاني يوم تتويجه ملكا، حيث تخترق أشعة الشمس الممر الأمامي لمدخل المعبد بطول 200 متر، وصولا إلى “قدس الأقداس” لتضيء ثلاثة من تماثيل المعبودات الأربعة (آمون رع، ورع حورآختي، ورمسيس الثاني) لمدة عشرين دقيقة تقريبا، بينما يظل التمثال الرابع الذي يمثل إله الظلام “بتاح” غارقا في الظلام.

تعامد الشمس.. ومعبد أبو سمبل

وهي ظاهرة فريدة، ينفرد بها معبد “أبو سمبل” ذو التصميم الفريد، الذي تم نحته في الصخر في عهد الأسرة التاسعة عشرة، بأمر من الملك رمسيس الثاني، الذي أمر ببناء معبدين، معبد كبير له، ومعبد صغير بجواره لزوجته الملكة نفرتاري. وقد اكتشف المعبد الرحالة السويسري (يوهان لودفيج بوركهارت) عام 1817، وأطلق عليه اسم “أبو سمبل” على اسم الصبي الذي قاده إلى هذا المكان.
يُعَد المعبد أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، التي أسهمت بالتعاون مع الحكومة المصرية، وبمساعدة العديد من الدول والمنظمات وأبرزها منظمة اليونسكو، في إنقاذ المعبدين من الزيادة في ارتفاع منسوب المياه في بحيرة ناصر، بسبب بناء السد العالي.
حيث تم نقل المعبدين، عن طريق تفكيك أجزائهما وقطعها بعناية إلى مكعبات حجرية ضخمة يصل وزن الواحد منها إلى 30 طنا، ثم ترقيمها وإعادة بنائها في نقطة أعلى من مستوى مياه نهر النيل.
ومن الجدير بالذكر أن تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني كان يحدث في 21 فبراير و21 أكتوبر قبل نقل المعابد، وبعد نقلها يحدث يوم 22.
ويعود ذلك إلى تغيير خطوط الطول والعرض بسبب نقل المعبد من مكانه الأصلي 120 مترا غربا و60 مترا ارتفاعا.
وكان أول من رصد ظاهرة تعامد الشمس على تمثال رمسيس الثاني، هي الكاتبة البريطانية إميليا إدوارد والفريق المرافق لها.

تعامد الشمس.. معجزة علمية

قد يمكن في عصر التقدم العلمي، وانتشار التليسكوبات الفضائية العملاقة، والتقدم التكنولوجي المذهل في جميع العلوم، وخاصةً في علم الفلك والفضاء، أن تصبح تلك الظاهرة شيئا عاديا، غير مثيرة للدهشة في وقتنا الحالي!! لكن المذهل أن المصريين القدماء قد تمكنوا من ذلك قبل 7000 عام تقريبا، فكيف فعلوا ذلك؟ وما آفاق التقدم العلمي التي وصلوا إليها حتى يتمكنوا من التحكم في حسابات تعامد الشمس حتى تشرق مرتين في العام على وجه الملك رمسيس الثاني، مرة يوم مولده، والمرة الثانية يوم تنصيبه ملكا؟
الأمر يحتاج الى العديد من التفسيرات العلمية، نجد البعض منها عند أستاذ علم المصريات بسام الشماع، حيث يؤكد براعة المصريين القدماء في علم الفلك والأجرام السماوية وحركة النجوم والشمس، كما يتضمن دقة وبراعة في تحديد زوايا ميل الأشعة، والقدرة الفائقة في الحسابات الضوئية والفلكية، ولقد تمكن المصريون القدماء في عصر الدولة الوسطى من اكتشاف 5 كواكب، وأطلقوا عليهم أسماء خاصة فقط بالحضارة المصرية القديمة.

الظاهرة باقية.. رغم تفكيك المعبد ونقله

ويعود تاريخ المعبد الى القرن الـ13 قبل الميلاد، حيث تم نحته في الجبال في عهد الملك رمسيس الثاني، وهو يمثل نصبا له وللملكة نفرتاري، احتفالا بانتصاره في موقعة قادش.
وفي فترة الستينيات، رأت الحكومة المصرية ضرورة نقل المعبد، خوفا من غرقه أثناء إنشاء بحيرة ناصر، وإنشاء السد العالي، وأسهم في عملية التفكيك والنقل، هيئات ثقافية عالمية، حيث راعت عملية النقل والتركيب، الحسابات الفلكية التي قادها خبراء في الفلك والرياضيات، لضبط تعامد الشمس في المكان الجديد.
وبالفعل نجحت الجهود المبذولة في الحفاظ على عملية التعامد، التي تُعَد ظاهرة علمية وثقافية، يقف لها العالم، تقديرا لما قام به المصري القديم من إعجاز غير مسبوق.

ومع تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني، تجد أنظار وكالات الأنباء والصحف الأجنبية، بجانب هواة الفلك وعلم المصريات، تتجه صوب مصر، وخاصة منطقتي الأقصر وأسوان، حيث ترتفع معدلات إشغالات الفنادق، وحجز البواخر النيلية التي تنظم برامج خاصة، ورحلات لزيارة معبد “أبو سمبل” في توقيت التعامد من كل عام، كما يهتم هواة التصوير والتقاط الصور الفريدة، بإدراك تلك اللحظة الحالمة، التي لا تتكرر كثيرا في العام.

أسطورة التعامد.. مدعاة للفخر

ويبقى سر التعامد على وجه رمسيس الثاني، أحد أسرار الحضارة المصرية القديمة التي احتفظ بها المصريون القدماء، مثل سر التحنيط الذي بهر العالم، وسر حفظ الموتى، وإجراء العمليات الجراحية، وسر النقش على المقابر الفرعونية، بألوان زاهية ونقوش بارزة لا تبلى عبر الزمن، وتبقى كل تلك الأسرار، شاهدة على تفوّق المصري القديم وبراعته في شتى المجالات، ومدعاة للفخر لنا، بما قدموه للعالم، ودافعا لنا لنعرف من نحن، وما يجب أن نفعله، حتى نستعيد مكانتنا بين الحضارات.

المصدر : الجزيرة مباشر